صناديق التحوط وأسواقنا المالية

[email protected]

بالاحتكام إلى قوى السوق وقدرتها على التوظيف الأمثل للموارد، وبأخذ الاقتصاد المحلي ضمن الصورة العالمية المتمثلة في كون اقتصاديات دول الخليج والفرص الاستثمارية المتوافرة فيها تعتبر جزءا لا يتجزأ من خريطة الاستثمار العالمية التي شكلتها العولمة في الأعوام الماضية، فإن هذه الاقتصاديات الناشئة أصبحت رقماً مهماً في المعادلة الاستثمارية للمستثمر الدولي خصوصاً بعد بروز أزمة الرهن العقاري والركود الاقتصادي المتوقع على المدى المتوسط المقدر بثلاث سنوات في الاقتصاديات الصناعية.
ولتحديد مسببات حصول اقتصاديات دول الخليج على مكانة مهمة حالياً في خريطة الاستثمارات العالمية وعدم حصولها على هذه المكانة في وقت مضى قبل خمس أو عشر أو 15 سنة سابقة، من المهم تناول متغيرات الاقتصاد الكلي لدول الخليج وربط التطورات في الاقتصاديات الكلية المحلية بتطورات الاقتصاد العالمي ودورة الأعمال في الدول الصناعية ومراكز تصدير رأس المال المستثمر.
فمن نافلة القول، إن جاذبية اقتصاديات دول الخليج للمستثمر العالمي لا تكمن في النمو المطلق للاقتصاديات الخليجية في مختلف الظروف الاقتصادية بل تتمركز حول النمو الاقتصادي الخليجي وجاذبيتة النسبية، وأشدد على النسبية، للأسواق الخليجية مقارنة بغيرها من البقع الجغرافية المرشحة للاستثمار، فالقرار الاستثماري لرأس المال والشركات والبنوك العالمية يرتكز في النهاية على التفوق النسبي وليس المطلق. فعلى سبيل المثال، إذا تمتعت بقعة استثمارية أو مجموعة دول بنمو مميز، لا يعني ذلك جاذبيتها للمستثمر لأن تقييم النمو يجب أن يكون مرتبطاً بحجم العائد والمخاطرة المستقبلية الخاصة بالاستثمار والمخاطر السيادية والكلية الأخرى مقارنةً بالجهات الأخرى المستهدفة بالاستثمار بجانب استدامة النمو الذي يتوقع تحقيقه بناء على مصادر النمو والقدرة على التحكم أو التنبؤ باستدامة النمو بناء على مدى الاستثمار وأهدافه النهائية مقارنة بالخيارات الاستثمارية المنافسة والمتاحة.
وعلى ذلك، فالاستثمار بتنوعاته التي تشمل الاستثمار الأجنبي المباشر، استثمار المحافظ الاستثمارية، الاستثمار من خلال عمليات الدمج والاستحواذ وغير ذلك من أساليب الاستثمار تعتمد على التوقعات المستقبلية لأداء الاستثمار المستهدف واستراتيجية رأس المال. ففي الأعوام الماضية، تركز الاستثمار الأجنبي في دول الخليج على المشاريع البتروكيماوية المشتركة التي تعتمد على الميزة النسبية للقطاع النفطي الخليجي الذي يعد العمود الفقري لاقتصاديات الخليج نظراً لانخفاض تكلفة لقيم الإنتاج من غاز طبيعي ونفط, حيث بلغت الاستثمارات في قطاع البتروكيماويات نحو 59 في المائة بين الأعوام 2000 و2006. كما تعتمد معادلة الاستثمار الأجنبي في قطاع البتروكيماويات الخليجي على توفير التقنية والمعرفة والنفاذ إلى الأسواق المستهدفة في الدرجة الأولى من المستثمر الأجنبي وتوفير مدخلات الإنتاج والمشاركة برأس المال من قبل المستثمر المحلي.
أما أنواع الاستثمار الأجنبي الأخرى كالاستثمار في أسواق المال، فإن حجم الاستثمار ما زال محدوداً نظراً للحواجز القانونية للاستثمار الأجنبي المباشر في معظم أسواق المال الخليجية ولندرة البيانات وعدم مواكبة أسواق المال للتطورات الإشرافية والرقابية في أسواق المال الناشئة الأخرى قبل نحو عشر سنوات مع أخذ تفاوت درجة التنظيم بين أسواق دول الخليج في الحسبان. بيد أن التطورات التنظيمية والإشرافية التي أخذت مكاناً خلال الأعوام القليلة الماضية في أسواق المال الخليجية، وخصوصاً السوق السعودية الأكبر، بجانب توافر البيانات عن أداء الأدوات الاستثمارية المدرجة قد أسهمت في وضع الأسواق المالية الخليجية على شاشة الرادار للمستثمر الأجنبي.
وكدلالة على المكانة التي احتلتها أسواق المال الخليجية كوجهة استثمارية، فقد أوردت صحيفة "الفاينانشيال تايمز" في ملحق الأسواق المالية بتاريخ السابع من أيار (مايو) الماضي خبراً عن إنشاء صندوق التحوط "إنسبارو" لإدارة الأصول برأسمال يبلغ نحو 125 مليون دولار ومن المخطط له أن يبلغ نحو 300 مليون دولار للاستثمار في أسواق إفريقيا والشرق الأوسط التي تضاعف ناتجها المحلي الإجمالي منذ عام 2002 وتستمر في النمو على الرغم من الصعوبات التي تواجهها الأسواق الصناعية بسبب أزمة الرهن العقاري الأمريكي التي ابتدأت فصولها في صيف العام الماضي. وفي الوقت الذي تشكل صناديق التحوط الغربية التي تتملك أصولا في صناديق تحوط أخرى المستثمر الأكبر في الصندوق المذكور، فإن القطاعات المستهدفة بالاستثمار تشمل قطاعات البنية التحتية والسلع على اختلاف أنواعها سواء أكانت استثمارات تتبع للقطاع العام أم الخاص والاستثمار في الشركات المدرجة أو استثمارات التملك الخاص. وبالتدقيق في ثنايا الخبر، فإن الاقتصاديات الخليجية بما فيها من أسواق مال وشركات تعتبر من أهم الوجهات الاستثمارية لصندوق التحوط آنف الذكر نظراً لتفوق نموها الاقتصادي في الأعوام الخمسة الماضية وتوقعات النمو المستقبلية على نظيرتها الإفريقية الشمالية والنمو الاقتصادي في إفريقيا جنوب الصحراء كذلك. وكما ذكرنا سابقاً، فإن معيار تقييم الوجهات الاستثمارية يظل نسبياً وخاضعا لمعايير وأساليب المقارنة بين الخيارات المتاحة.

وختاماً، يشير بدء توجه صناديق التحوط التي تعد طليعة كتائب المؤسسات الاستثمارية الغربية إلى أن أسواق دول الخليج ستكون تحت عدسة المراقبة والتتبع من قبل جهات أخرى تشمل الصناديق الاستثمارية الغربية، صناديق معاشات التقاعد والاستثمار بعيد المدى، وغيرها من المؤسسات الاستثمارية التي تتطلع إلى تنويع محافظها الاستثمارية لتعظيم العائد وتقليل المخاطرة على المديين القصير والمتوسط. فالسؤال: هل هناك خطط ومنهجية للتعامل مع الاستثمار الأجنبي بتنوعاته بما يضمن الاستفادة القصوى بعيدة المدى وبما يحقق الأهداف الاقتصادية الوطنية التي من أهم أركانها رفع معدلات توظيف القوى العاملة الوطنية ونقل التقنية، هذا هو السؤال.
* كاتب وباحث سعودي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي