ملك يعيش هموم مواطنيه

يبدو أن خادم الحرمين الشريفين، الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، حفظه الله، اختار التعامل مع التحديات الصعبة ومواجهتها وتحويلها إلى فرص وواقع يتماشى مع طموحاته وتطلعاته للمملكة وشعبها. والأمر الذي يشكل طريقاً صعباً كون ذلك يتطلب قرارات قد لا تكون شعبية حيث لا يشعر المتعاطي العادي معها بأهمية تلك القرارات لحياته في المدى القصير! ولكن قدر الملك عبد الله أنه قائد لأمة تعيش في مرحلة مفصلية من تاريخها وتاريخ البشرية جميعاً وتحتاج إلى عمليات إصلاح جذرية وليست صورية! والذين يقرأون ما يجري في العالم بشكل جيد، ويعرفون الكثير من الحقائق حول العديد من التغيرات والتطورات في جميع شؤون البشرية سواءً كانت مناخية أو سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية، أو ثقافية، يقدرون حجم تلك التحديات التي تواجهها البشرية على كل تلك الأصعدة! والتي يمكن القول عنها إن الخطأ في تقديرها غير مسموح فلا وقت للتجربة والخطأ ولا وقت لاستدراك ما فات. فالمسألة ببساطة: إما أن يكون لك مكان يحترمك فيه الآخرون وإما أن تكون عبدا مسخرا لهؤلاء الآخرين! قد يرى المرء أن في الأمر مبالغة! لا إنها حقيقة ما يجري على الأرض من متغيرات متعددة يصعب حصرها. وهذا الحديث لا ينطبق علينا بل على القوى العظمى قبل الصغرى. وعلى الأصحاء قبل المعتلين. وعلى الصغير منا قبل الكبير.
ويصعب حصر عدد القرارات التي صدرت من الدولة بمختلف مستوياتها الهرمية في السنوات الثلاث الأخيرة، سواء كانت تلك القرارات تمثل أنظمة أو تشريعات أو تطوير أو تعديلات لأوضاع قائمة، أو كانت على شكل تنظيمات جديدة تتماشى مع التوجهات العامة الجديدة بقيادة الملك، والتي ستمثل قرارات جيل كامل وليس قرارات لحظة. وقد حصرت ما صدر في عام 2006م من قرارات، وقد تجاوزت أكثر من 150 قرارا أو توجيها. شمل ذلك كل القطاعات. ففيما يخص القطاع المالي كان هناك من التعديلات والتطورات ما لم تشهده المملكة منذ تأسيسها وهو الآن يعيش حالة تغير واضحة المعالم، ستتضح معالمها خلال الأعوام الخمسة المقبلة. وما لم يعلم من عمل أكثر مما يعلم. فلن يكون القطاع المالي كما عهدناه. ولكن تنوع كامل في مستوى الخدمات وفي المنافسة وفي القدرة على توفير الخيارات أمام مختلف شرائح المجتمع. على الأقل هذه ما كانت تهدف إليه القرارات التي صدرت بهذا الخصوص.
أما فيما يخص التعليم فهو يعيش حالة من المخاض والتوسع والرغبة في التطوير تفوق مهمة كسر أمية القراءة والكتابة إلى مهمة أهم وهي إيجاد الكفاءات العلمية ذات الطابع المهني بمعناه العام وليس فقط فيما يخص التقنيات. ونشاهد الجامعات كلها تعيش ورشة عمل حقيقية بعد سبات عميق، وكلي أمل أن تستمر ورش العمل والتطوير فلا حياة لمجتمع دون جامعات عريقة تطور وتحدث وتتحدى في كل نواحي ومجالات العلم والعمل. حيث أدرك الملك أن المنافسة المقبلة لن ينفع معها أي سلاح سوى سلاح المعرفة وامتلاك أسرار العلم الحديث بكل مكوناته. ولو استعرضنا بعض الإحصائيات العربية في هذا المجال، لصدم الجميع سواء فيما يخص الأمية العادية بمعناها التقليدي أو فيما يخص المعرفة والمعلومات المتعلقة بأقرب أعداء الأمة، إسرائيل، وما تعده لنا من قوة وقنابل ذرية ذكية تصيب العربي وتشفي اليهودي! فهي رغم كونها دولة غاصبة لأرض لا تملكها إلا أنها تتفوق علينا في كل شيء تقريباً والأرقام المقارنة في أعداد المخترعات والمهن العلمية تؤكد ذلك. لذلك نرى التوسع الكبير في أعداد الجامعات وفي الكيف قبل الكم، وما برنامج تأسيس جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية إلا دليل على هذا التوجه من الملك. وقد كان للقرارات التي اتخذها الملك عبد الله وعمل على الإشراف على تنفيذها أكبر الأثر في ردم الفجوة بإذن الله. لأن العلم هو خط المواجهة الأول مع أنفسنا ومع الغير. ومجتمع لا يقوم على العلم لن تقوم له قائمة أبدا، مهما فعل واستورد من أسلحة!
تنظيم القضاء, وهو الذي يؤكد ويؤسس دعائم العدل. ودولة بلا عدل لن تستطيع مواجهة التحديات وبالتالي أصدر الملك أهم قرارات تتعلق بالقضاء في تاريخه ورصد المبالغ اللازمة لتنفيذ هذا التوجه وكذلك حدد المدد التي تحتاجها الجهات المعنية لتنفيذ القرارات لتطوير القضاء. ليتحول من قضاء تقليدي إلى قضاء متخصص يأخذ بأسباب التطور والحاجات العصرية دون الإخلال بالأساس الشرعي الذي تعتمد عليه الدولة في كل شؤون حياتها.
أما الجزء الرابع فلا بد أن نشير إلى المساحة الكبيرة التي قادها الملك في مجال النقد الذاتي وللغير، كذلك عمل منذ اليوم الأول على تطوير مؤسسات المجتمع المدني من هيئة حقوق الإنسان ومكافحة الفساد وزيادة مستويات الشفافية، وكلها أدوات لابد من تطويرها لقيادة المجتمع إلى نظام المؤسسات بدلا من الأفراد. فهذا هو السبيل الوحيد لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية. لهذا عمل على إيجاد الرقيب المؤسساتي وضبط جميع الحقوق وقد كان الإعلام بالتعاون مع مؤسسات المجتمع المدني أهم أدوات الحد من الفساد المستشري كالسرطان في رحم الأمة. صحيح لا يزال الأداء أقل من المأمول ولكني مقتنع أنها مجرد البداية.
هذا فقط غيض من فيض، ولكن في كل شأن من شؤون حياتنا هناك بصمات من الملك عبد الله وهي لا تزال في مراحلها الأولى، وسوف نشاهد نتائجها وتعيشها أجيالنا القادمة بإذن الله تعالى. وما يميز كل تلك الجهود أنها جاءت من ملك يعيش هموم مواطنيه كواحد منهم، ونستطيع تلمس ذلك في شعور هؤلاء المواطنين رغم ما يمرون به من أزمات مالية كبيرة، أعتقد أن جزءا منها بسبب مقاومة التطوير الذي يقوده الملك عبد الله والتلكؤ حيث هنالك من أصحاب المصالح الذين لا يريدون للبلد أن يقضي على حالات الترهل ويكرهون التنظيم! وهو أمر طبيعي في كل مرحلة إصلاح كما هي الحال مع ما يحاول الملك إنجازه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي