دراسة بلا علم وتدريب بلا مهارة ووظيفة بلا خبرة
طالب يدرس في جامعة الملك سعود تخصص محاسبة أراد أن يكون ماهرا في عالم الكمبيوتر لتعزيز قدراته وإمكانياته ومهاراته، وهو ما جعله يلجأ إلى معهد معروف ليسجل في أحد دبلوماته في مجال البرمجة، يقول إنه فوجئ أن التعليم دون المتوسط في هذا المعهد، حيث إن معظم الدارسين يريدون الشهادة دون علم أو مهارة لأسباب تتعلق بترقيتهم الوظيفية ليس إلا، مما جعل الهيئة الإدارية والتعليمية في المعهد تتجاوب مع هذا الطلب بتخفيض جودة التعليم والتدريب، وهو ما حدا به لترك المعهد من الفصل الأول رغم ما تكبده من خسائر، فهو لم يأت إلى هذا المعهد للحصول على ورقة مقابل أكثر من 20 ألف ريال، بل جاء يريد علما ومهارة من أجل كفاءة أعلى تمكنه من الحصول على فرصة وظيفية أفضل والنجاح فيها حال تخرجه.
مسؤول في أحد الشركات يقول يأتينا معظم خريجي المعاهد الفنية بأدنى المعارف والمهارات، مما يجعل كفاءتهم الإنتاجية متدنية بالشكل الذي يضر بمصلحة الشركة، وهو ما يجعلنا نعيد تأهيلهم من جديد من خلال برامج تدريبية مكلفة، وهو ما يرفع من تكلفتهم على الشركة فبدل أن يكونوا جاهزين للإنتاج حال تسلمهم العمل نضطر للصرف عليهم ليصبحوا جاهزين بعد شهور، ومنهم من ينجح ومنهم من يخفق، خصوصا أن أكثرهم متواضع السمات والشخصية فضلا عن ضحالة ثقافة العمل والإنتاج في أذهانهم، ويؤكد هذا المسؤول أن هذا المنتج البشري ضعيف التحصيل متواضع السمات والثقافة يشكل هدرا للثروة بكل ما يعنيه المصطلح من معاني.
مدير أحد الشركات يقول لي إنه وللأسف الشديد معظم الموظفين المواطنين الذين يستقطبهم للعمل يرغبون في أقل العمل جهدا وممارسة، فهم لا يعرفون أن العمل واسع النطاق بمعدلات تكرار عالية يعزز معارفهم وينمي مهاراتهم ويراكم خبراتهم بأسرع وقت مما يجعلهم جواهر نفيسة تتسابق الشركات لاستقطابها بأفضل المواقع وأعلى الرواتب، وهو مما ينعكس على مكانتهم الوظيفية ودخولهم الشهرية، ولكن لا حياة لمن تنادي، فالعمل مطلوب فقط لأجل الراتب الشهري والترقية يريدونها بالأقدمية كما هو حال القطاع الحكومي، وهو ما يجعلنا، والحديث لمدير الشركة، نعاني معاناة شديدة مع هؤلاء الموظفين المتقاعسين ضعاف الثقافة رغم أن ديننا الحنيف مصدر ثقافتنا يقول على لسان رسولنا الكريم، صلى الله عليه وسلم "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه"، وحال موظفينا يقول "من الذهانة أن تحصل على راتبك بأقل جهد تبذله).
إذن نحن أمام موارد بشرية تريد شهادة بلا علم ومعرفة، وتريد تدريبا بلا مهارة، وتريد وظيفة بلا خبرة، فأي موارد بشرية تلك؟! وهل لهذه الموارد البشرية أن تنهض بعمل؟ يقول المثل الشعبي "الحي يحييك والميت يزيدك غبن"، ولقد رأيت هذا الغبن في عيون الكثير من رجال الأعمال ومديري الشركات والمسؤولين، حيث تشكل هذه الموارد البشرية المتعلقة بالورق أكثر من تعلقها بالعلم والمهارة والخبرة معوقات حقيقية أمام إنجاز الأعمال وتحقيق الأهداف وهو ما يسهم في فشل الشركة فضلا عن فشل مديريها المخلصين، والويل لك إذا تعرضت لها بالمساءلة والعقاب وإنهاء الخدمات، حيث لا تعرف من أين تأتيك النصائح والتهم والتحذيرات، فقائل لا تقطع أرزاق المسلمين فيقطع الله رزقك "قطع الأعناق وقطع الأرزاق"، وقائل لماذا تفضل الوافد على ابن البلد، وقائل إلى متى وأنتم تعبدون الريال ولا تقدمون لبلدكم؟! وقائل الويل لك من مكتب العمل الذي لن يسكت عن فصل سعودي.
والسؤال المهم لماذا لا تريد معظم مواردنا البشرية الوطنية وخصوصا الشابة (وهي الغالبية العظمى وجيل المستقبل) العلم والمعرفة والمهارة والخبرة ؟ السبب معروف حيث تراكمت ثقافة عبر أكثر من خمسة عقود من الزمان تقول إن العمل الآمن في الحكومة، وإن الحكومة ما تفنش، وإن الترقي في العمل بالأقدمية، وإن الذي يعمل كثيرا يعاني كثيرا حيث يتحمل جميع الأعمال ويعاقب إذا أخطأ بخلاف المقصرين الذين يعمل المسؤول الحكومي على التخلص منهم من خلال إبعادهم عن مكان العمل لكي لا يؤثروا في المنتجين، هذه الثقافة لم تتغير رغم تحول الحال حيث أصبح القطاع الخاص هو القطاع الأكثر احتضانا للموظفين والأكثر توليدا للفرص الوظيفية، حيث ما زالت هذه المفاهيم قائمة وللأسف الشديد.
والحل حسب اعتقادي يتمثل في التركيز على تشكيل ثقافة عمل إيجابية لدى الأطفال السعوديين (هم شباب الغد) من ناحية، وإعادة تشكيل ثقافة الشباب السعودي تجاه العمل والإنتاج والعطاء والترقي والأمن الوظيفي من ناحية أخرى، ليدرك أي شاب يريد العمل أن كفاءته الإنتاجية القائمة على علمه ومعارفه ومهاراته وخبراته هي الوسيلة الأمثل للحصول على الوظيفة والترقي والاستمرارية ولا وسيلة أخرى غير ذلك، ليصبح حينها معظم الشباب كما هو حال الشاب الذي يدرس المحاسبة في جامعة الملك سعود الذي يريد أن ينمي معارفه ومهاراته في الحاسب الآلي، وليكون فكر وسلوك هذا الشاب ظاهرة لا حالة شاذة، عندها سيتبدل حال المدارس والمعاهد والجامعات حيث ستدرك أن الطالب يريد علما ومعرفة ومهارة لتتسابق عليه المنشآت الاقتصادية لاستقطابه وعليها أن توفر له ذلك.
ختاما، أعتقد أن النظام التعليمي يجب أن يكون الزارع الأول لتلك الثقافة وليكن ذلك في المراحل الأولى من التعليم حيث "العلم في الصغر كالنقش على الحجر"، وأرجو أن يكون حال المنتج التعليمي بعد 12 سنة دراسة من حيث العلوم والمعارف والمهارات والثقافة محور برنامج الملك عبد الله لتطوير التعليم والذي يؤسفني أنني لم أجد له غاية واضحة لغاية الآن من خلال كل ما اطلعت عليه خصوصا في موقعهم الإلكتروني الخاوي على عروشه.