مؤسسات تصنيف عالمية تتهم فقهاء البنوك الخليجية بالتسبب في أزمة الصكوك

مؤسسات تصنيف عالمية تتهم فقهاء البنوك الخليجية بالتسبب في أزمة الصكوك

أعلنت مؤسسات التصنيف الدولية براءة تصنيفاتها الائتمانية التي منحتها في السابق للصكوك الخليجية والتي اتضح فيما بعد أن غالبيتها لم تكن مطابقة للشريعة، وألقت باللوم على المجالس الشرعية الخاصة بالبنوك التي أجازتها في المقام الأول. ففي خطوة استباقية غير متوقعة, أعلنت ثلاث من كبريات شركات التصنيف الائتماني في حديث خاص لـ "الاقتصاديه" أنه بغض النظر عن نتائج اجتماع هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية, فإن آراء الفقهاء حول شرعية أو عدم شرعية الصك لن يتم تضمينها في معايير التقييم الخاصة بالسند الإسلامي.
إلى ذلك, قال عدد من العاملين في هذه الصناعة إن علماء الدين كانوا على علم بأن السندات تنطوي على قضايا هيكلية ولكنهم وافقوا عليها لدفع نمو السوق.

في مايلي مزيداً من التفاصيل:

أعلنت مؤسسات التصنيف الدولية براءة تصنيفاتها الائتمانية التي منحتها في السابق للصكوك الخليجية والتي اتضح فيما بعد أن غالبيتها لم يكن مطابقا للشريعة، وألقت باللوم على المجالس الشرعية الخاصة بالبنوك التي أجازتها في المقام الأول.
ففي خطوة استباقية غير متوقعة, أعلنت ثلاث من كبرى شركات التصنيف الاتماني في حديث خاص لـ "الاقتصاديه" أنه بغض النظر عن نتائج اجتماع هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية, فإن آراء الفقهاء حول شرعية أو عدم شرعية الصك لن يتم تضمينها في معايير التقييم الخاصة بالسند الإسلامي.
وجاءت أهم التعليقات من وكالة "فيتش رايتنجز" التي دقت ناقوس الخطر من إمكانية تعرض تدفقات الصكوك للاهتزاز في نظر المستثمرين حتى بعد التوصل إلى حل لها.
وقال ريموند هيل, رئيس دائرة الأسواق الناشئة في فيتش" بصورة عامة إذا كانت اتفاقيات إعادة الشراء غير جائزة شرعاً فإن إصدار صكوك جديدة يرجح له أن يتباطأ على نحو كبير". وتابع في مقابلته الهاتفية التي أجرتها معه "الاقتصادية" من لندن "وحتى إذا وجد الفقهاء بديلاً مقبولاً فإنه من الممكن حدوث نوع من التخفيض في عدد الإصدارات الجديدة، على اعتبار أن ثقة المستثمرين في موثوقية آراء الفقهاء يرجح لها أن تتعرض للوهن"
من ناحية أخرى، قال خبراء في الصناعة المصرفية لوكالة "أسوشيتد برس" إن الفقهاء الخليجيين قد ضحوا بالمبادئ الدينية من أجل تقديم دفعة قوية لسوق الصكوك عندما كانت في بداياتها

بداية الأزمة

وكانت السوق المزدهرة للمنتجات المالية الإسلامية قد تعرضت لهزة في الفترة الأخيرة على أثر النقد الذي وجهه أحد كبار علماء الدين إلى تفجير موجة من الجدل حول ما إذا كانت هذه الصناعة قد ضحت بالمبادئ الدينية لأجل النمو في وقت تنهال فيه الإيرادات النفطية الوفيرة على منطقة الشرق الأوسط. وقال الشيخ محمد تقي عثماني رئيس المجلس الشرعي في الهيئة إن نحو 85 في المائة من الصكوك الصادرة في الخليج العربي لا تلتزم على نحو تام بالأحكام الشرعية.
ويعود السبب في ذلك إلى وجود بند حول التعهد بإعادة شراء الصك بحسب قيمته الاسمية، وهو ما يضمن أن أية مخاطر حول السداد تظل تتحملها الجهة المصدرة للصك وليست ضمن الأوراق المالية الصادرة والموجودات الضامنة لها. وعليه فإن إعطاء وعد من هذا القبيل يعتبر خرقاً لمفهوم اقتسام المخاطرة والأرباح، وهو المفهوم الأساسي الذي يقوم عليه مبدأ الصكوك.

شرعية الصك والتصنيف

وأجمعت كبرى مؤسسات تقييم السندات الإسلامية أنها لن تأخذ بمدى شرعية الصك من عدمه في الاعتبار عند تصنيف الصكوك. وتعتبر "موديز" أن الحكم على مدى الالتزام بالأحكام الشرعية هو من اختصاص الفقهاء الذين يصدرون الفتوى الخاصة بكل صك. ومن وجهة نظر المخاطر الائتمانية الخاضعة لتقييم وكالة موديز فإن التعهد بإعادة شراء الصكوك ’التي تضمنها الموجودات‘ بحسب قيمتها الاسمية (والتي تشكل غالبية الإصدارات الحالية) هو عنصر أساسي في سبيل اعتبار الصكوك أوراقاً مالية ممتازة غير مضمونة، وبالتالي في سبيل حصولها على التقييم نفسه (والمخاطرة الائتمانية نفسها) الذي تحصل عليه الجهة المصدرة للصك.
وترى "موديز" أن أي فصل بين أداء الصكوك وبين الجهة المصدرة للصك، وبالتالي الاعتماد بصورة أكبر على أداء الموجودات التي يقوم عليها الصك، سيؤثر بشكل لا يستهان به في وضعية التقييم والمخاطرة للصكوك المعنية، على اعتبار أن الأوراق المالية التي من هذا القبيل ستحصل على قدر أكبر من سمات خطورة الموجودات أو الخطورة المتعلقة بحقوق الملكية.
وقال فيليب لوتر, نائب الرئيس التنفيذي لـ "موديز" الشرق الأوسط, "وفي نهاية الأمر فإن هذه الصكوك التي يعتمد وضع أدائها تماماً على الموجودات (أي صكوك التوريق) يمكن أن تكون تقييماتها ووضعية خطورتها معتمدة اعتماداً تاماً على تقييمات ووضعية الجهة المصدرة". ويتابع فيليب"سنواصل مراجعة كل عملية من عمليات الصكوك على أساس العقود الخاصة بها وعلى أساس الجدارة الائتمانية لكل منها، دون إصدار حكم حول مدى التزامها بالأحكام الشرعية أو التزامها بأية أحكام أخرى طالما أن عدم الالتزام على هذا النحو لا يأتي بأية مخاطرة ائتمانية جديدة".
من جهتها، أكدت وكالة ستاندارد آند بورز "أن آراءها تتعلق فقط بالجدارة الائتمانية للمؤسسات الإسلامية وإصدارات السندات، ولا علاقة لها بمدى التزام المؤسسات أو السندات بالأحكام الشرعية".
وهنا يقول الدكتور محمد دمق, كبير المحللين الاتمانيين في "ستاندارد"، "حين نحلل ونقيم الصكوك فإننا نستند في رأينا حول درجة التقييم الائتماني على التزام الإصدارات بالقانون التجاري المعمول به والمعايير التي نستخدمها لتقييم المخاطر الائتمانية المنطبقة على منطقة الاختصاص ونوع الموجودات. وبالتالي فإن تقييماتنا لا تبين التزام إصدارات الصكوك بالأحكام الشرعية".
ويتابع من مقر إقامته في باريس" ونتيجة لذلك فإن "الجدال" الدائر حالياً بين الفقهاء ينبغي ألا يكون له أي أثر في التقييمات الحالية للصكوك".

تراجع سيولة الصكوك

يقول ريموند هيل من "فيتش": "إذا نظرنا إلى الإصدارات الحالية فإن سيولتها وقيمتها يرجح لها أن تتناقص نتيجة لعدم قدرة المستثمرين الإسلاميين على اقتناء الصكوك. وبصرف النظر عن الدول التي تطبق فيها الشريعة الإسلامية فإن هذه الأوراق المالية المطروحة ينبغي أن تظل سارية المفعول بموجب القانون التجاري، ما لم ينص القانون التجاري على ضرورة الالتزام بالأحكام الشرعية في أحكام التعاقدات". وتابع "وبصورة عامة فإن مواطن عدم اليقين التي أدت إليها هذه الملاحظات يرجح لها أن تجعل المستثمرين أكثر حذراً وأكثر انتقاداً للهياكل التمويلية حين يتعلق الأمر بالاستثمار.
وترى "ستاندارد آند بورز" أن الصكوك الجديدة التي ستصدر فيما بعد" ربما تلاقي صعوبة أكثر من ذي قبل في مدى تقبل المستثمرين الإسلاميين لها إذا اعتبرها عدد من الفقهاء أنها غير ملتزمة بالأحكام الشرعية". و بحسب دمق فإن الوكالة لا تعني إنه "من غير الممكن إصدار سندات الجديدة"، نظرا لأن المجلس الشرعي في المؤسسة المصدرة للصك لا بد وأنه قد أجازها بالأصل، فضلاً عن ذلك، فإن بعض المستثمرين في الصكوك لا ينظرون إلى مدى التزامها بالأحكام الشرعية مثل المؤسسات المالية الأجنبية".

الصكوك المُعلَّقة

بيد أن آفاق خان، مدير إدارة "صادق"، ذراع الاستثمار المصرفي لبنك ستاندارد تشارترد، لا يعتقد أنه يمكن اعتبار الصكوك الموجودة في السوق حالياً مخالفة للشريعة لأنها حظيت بمباركة مجالس الاعتماد الفقهية المختصة.
معلوم أن ماليزيا قد برهنت على علو كعبها كمركز ريادي في الصناعة المصرفية العالمية, عندما كُشف النقاب أخيراً عن صحة "أسلمة" أهم منتجاتها المثيرة للجدل وهي صكوك "الإجارة". وكان الخليجيون في السابق ينعتون أهل كوالالمبور بعدم صحة تقيد صكوكهم بالشريعة.الأمر الذي أسهم في إلجام بعضهم عن المشاركة في هذه الإصدارات خلال الأعوام الماضية. حيث اكتفى مصرفيو الخليج بدعم صناعة الصكوك المحلية القائمة على صكوك "المضاربة" وصكوك "المرابحة" والتي اتضح فيما بعد أن نحو 15 في المائة منها تراعي التقيّد بالأحكام الشرعية. وحول إمكانية تفادي الجدل الشرعي حول الصكوك الخليجية عبر تحويلها إلى صكوك "إجارة", تقول "موديز": "إن الصكوك التي صدرت بالفعل ستظل على وضعها ولا يمكن تحويلها من نوع لآخر. ولكن الإصدارات الجديدة يمكن بسهولة أن تختار بين عقود الإجارة أو المشاركة أو أي نوع من الصكوك الذي يعطي أفضل صورة لنوع الأعمال التي يقوم عليها الصك". بينما ترى "ستاندارد آند بورز" إن هيكلة صك معين بموجب نظام عقود الإجارة لن يكون من شأنه حل قضية الالتزام بالأحكام الشرعية، على اعتبار أنه تبقى هناك إمكانية أن تُدرِج الجهة المصدرة في عقد الصك اتفاقية لإعادة الشراء.

تواطؤ لدفع صناعة الصكوك

وقال عدد من العاملين في هذه الصناعة إن علماء الدين كانوا على علم بأن السندات تنطوي على قضايا هيكلية ولكنهم وافقوا عليها لدفع نمو السوق - وأثاروا تساؤلات حول الكيفية التي يزن بها حماة صناعة الصيرفة الإسلامية الربح المحتمل مقابل التنازل عن المبادئ الدينية, بحسب تقرير وكالة "أسوشيتد برس" الأمريكية.
هذا، في حين يقلل آخرون من شأن هذا الجدل قائلين إنه كان متوقعاً في ظل التطور السريع للسوق وطبيعة التعاليم الإسلامية التي تشجع الحصول على وجهات نظر عديدة من مختلف العلماء.
ويقول البعض إن التنافس على تنمية السوق أدى إلى صدور أحكام دينية مثيرة للتساؤل – وهي مشكلة يصعب التغلب عليها بسبب عدم وجود مقياس شرعي موحد تعمل بموجبه مجالس الاعتماد الفقهي وبسبب النقص في عدد العلماء المتمرسين بنظم التمويل.
ويتفق الشيخ نظام يعقوبي، وهو عالم مشهور آخر عضو في المجلس الفقهي الذي يترأسه العثماني مع الرأي القائل إن السندات التي تقوم على أساس اتفاقيات إعادة الشراء ينبغي أن تكون أكثر تقيداً بالمبادئ الشرعية.
وتابع"إننا بحاجة إلى التعزيز، والتحسين والابتكار، ونحتاج إلى زيادة تقاسم المخاطر. إن كثيراً من العلماء وافقوا على هيكليات تلك الصكوك بعد تردد ليبتعدوا بنا عن سوق السندات التقليدية، ولكن تلك المرحلة قد انتهت، ولذلك ينبغي أن نبدأ بإيجاد المزيد من الهيكليات المبتكرة".
وتدرك وكالة موديز أهمية الجدل الدائر في هذه السوق المتنامية، وهو أمر ربما يكون من شأنه نشوء تنوع أكبر في الأوراق المالية القائمة على الأحكام الشرعية عبر طيف واسع من منتجات الدخل الثابت والمنتجات المرتبطة بحقوق الملكية.
وذكر خان أن الجدل الدائر حالياً جدل بناء. فقد قال:" إن أية صناعة جديدة تتطور، تحاول اختبار الحدود، وإن من الصحي لهذه الصناعة أن تلتقط أنفاسها وتقوم بمراجعة نفسها وتنطلق من جديد. ونأمل في أن يتطور نوع من الإجماع الذي سيكون مفيداً لهذه الصناعة".

الأكثر قراءة