بوش والعراق .. حان الفراق
لم ينتظر الجنرال ديفيد بترويوس طويلاً للفوز بجائزة الترقية حيث أدى مع السفير أيان كروكر أداء مميزاً أمام الكونجرس والذين تابعوا الحضور أمام الكونجرس الأمريكي أشادوا بأداء الجنرال والسفير وهما معاً نجمان لامعان في المسألة العراقية سيختفيان من المسرح العراقي أحدهما للترقية والآخر ربما للتقاعد ـ إن القضية العراقية والغوص الأمريكي في وحل العراق وذكريات فيتنام العالقة في ذهن جيل الرشد الأمريكي تقود الكثير من الذكريات غير السارة مع المسألة العراقية، وأن الأهداف الأمريكية التي أعلنت عند الدخول إلى العراق سواء على مستوى العراق نفسه أو الشرق الأوسط لم يتحقق أي منها بل إن عثرة العملاق الأمريكي في العراق ووصوله إلى عش الدبابير في المنطقة وهو كان هدفاً بعيداً أصبح في متناول المناوئين للسياسة الأمريكية في إيران والقاعدة ـ والجهاديين الذين يرون أن قوى الاستكبار العالمي المتمثلة في أمريكا العدو الأوحد للإسلام والمسلمين، وأن ما تعانيه الدول الإسلامية شرقاًُ وغرباً من تخلف وسوء إدارة وغياب التأهيل هو من مخلفات هذا التوجه الأمريكي، وأن القوة الأمريكية تتخذ من الإسلام عدواً ظاهراً لها بعد اختفاء الشيوعية العدو الأول للولايات المتحدة. إن هذه النظرية قابلة للنقاش والنقد والتفنيد ولكنها متغلغلة في عقول الكثير من الشباب الذين يرون ما يتعرض له إخوانهم في فلسطين وأفغانستان والعراق وغيرها من الدول الإسلامية في آسيا وإفريقيا هي صناعة أمريكية بحتة ـ والحقيقة أنني شخصياً منبهر بشخصية الجنرال بترويويس الحاصل على درجة الدكتوراه من إحدى الجامعات الأمريكية المرموقة في العلاقات الدولية ـ والا تملك وأنت تنظر إلى النجوم الأربعة على كتفيه وتسعة صفوف تقريباً من الميداليات تعد دقات قلبه ونجوم أخرى ذات اليمين وذات الشمال وميداليات أخرى إضافة إلى بطاقة بلاستيكية باسمه، وهذا العرف في حد ذاته رسالة واضحة للكونجرس لمعرفة الرجل الذي يقف أمامهم دون الخطأ في الاسم أو العنوان أو الوظيفة، والحقيقة أن الدوائر الخلفية في البنتاجون تثني على أداء الجنرال وهو حديث عهد بالوصول إلى مواقع الحروب الفعلية، حيث أصبح مشغولاً بمناطق الاشتعال ومنها العراق قبل خمس سنوات فقط وأنت عندما تشاهد الجنرال بترويويس لا تستطيع أن تنسى بعض الأسماء اللامعة في الجيش الأمريكي التي وقفت في نفس المكان الجنرال بوال ـ الجنرال نورمان شوارسكوف ـ الجنرال باري مكانزي ـ الجنرال ويلي كلارك ـ والحقيقة أن إحدى المدهشات في العرض الرئاسي أمام الكونجرس كان تغيير القلوب كما يقول الأمريكان change of hearts فالجنرال ديفيد بترويوس يريد إيقاف سحب القوات الأمريكية من العراق وهو ما أشار إليه الرئيس بوش من قبل أنه سيتم سحب القوات تدريجياً بعد أن تمت زيادتها بنحو 40 ألف جندي، وقد أشار أمام الكونجرس إلى أنه لن يتمكن من سحب أي فرق إضافية من العراق في الوقت الحاضر وحتى مغادرة الرئيس بوش ويبدو أن هذه هي الرسالة التي يريدها الرئيس بوش، والحقيقة أن الهدف الحقيقي للرئيس بوش ومستشاريه في البيت الأبيض أن ينقلوا الوضع الفاشل في العراق إلى الرئيس الجديد سواء كان جمهورياً أو ديمقراطياً ـ والحقيقة أن هذه الحرب التي أهلكت الحرث والنسل وقضت على ما يزيد على أربعة آلاف جندي أمريكي وخلفت عددا هائلا من المقعدين والجرحى والمرضى النفسيين وقضت ربما على أكثر من مليون عراقي مما أفسد البلاد والعباد، والحقيقة أن الباحث في هذا الحدث لا يغيب عنه المصائب الأمريكية الأولى في فيتنام واليابان وكوريا ولا يملك إلا التفكير في الرؤساء الأمريكان العظام مثل هاري ترومان وجونسون اللذين أدارا آخر الحروب. إن الحروب مهمة جداً ويجب أن يخوضها السياسيون لا العسكر الذين لا يجب أن يترك لهم اتخاذ القرارات في الحروب فالرئيس ترومان فصل الجنرال المشهور دوجلاس مكارتر لعدم طاعته الأوامر في الحرب الكورية ـ كما سارع الرئيس جونسون إلى رفض تزويد الجنرال وليم وست مورلاند بما يزيد على مائتين وأربعين ألف جندي في عام 1968م لإطالة مدى الحرب التي يخوضها في فيتنام وهي حرب لا يمكن النصر فيها، فقد رفض هذان الرئيسان طلبات العسكر والوصول إلى قرارات شجاعة للانسحاب وهو ما لم يتمكن الرئيس بوش من عمله خلال فترة رئاسته الطويلة التي امتدت إلى نحو ثماني سنوات من المشكلات والحروب والقلاقل والمشكلات الاقتصادية التي يغوص فيها الاقتصاد الأمريكي الذي تضاعفت مشكلاته الاقتصادية بعد مشكلة الرهن العقاري والمشكلة القادمة في هيئة بطاقات الائتمان وديونها وأصبح الميزان التجاري يعيش عجزاً قدره نحو 400 مليار دولار في الأشهر الماضية وعجزا في الميزانية يساوي نحو 200 مليار دولار ـ وفيما يعارض الجنرال ديفيد بترويوس الانسحاب في الوقت الحاضر من العراق لأن ذلك قد يزيد اشتعال المشكلات الحالية والحروب المحلية بين مختلف الفرقاء، وكان الجنرال فالون الرئيس السابق للقوات في الشرق الأوسط والذي حل محله الجنرال بترويوس بالترقية قد استقال لخلاف مع البيت الأبيض حول معالجة المشكلة الإيرانية ـ كما أن الجنرال وليام أودم المدير السابق لوكالة الأمن التي تمثل أكبر وكالة استخبارات وطنية وتراقب كافة وسائل الاتصالات في مجمل دول العالم قدم شهادته في الكونجرس في الأسابيع الماضية وأشار إلى أهمية الانسحاب السريع من العراق لأن تواجد القوات الأمريكية في العراق يطيل أمد النزاع الداخلي والحروب المحلية والنزاعات الداخلية، وأن الانسحاب قد يدعم الاستقرار الداخلي وفي حديث مع إحدى الصحف الأمريكية أشار هذا الجنرال المشاغب إلى أن أمريكا هي الملومة في الفوضى الحالية في العراق ـ ولا يتوافر لدى الولايات المتحدة الوسائل المناسبة للقضاء على هذه الفوضى وأن العراق يتجه إلى التوسع في حروبه الداخلية مع مختلف القوى المتصارعة.