في إحدى الدول المتوسطية أتلف رجال الشرطة 3200 صورة, استغرق التقاطها مني شهرا كاملاً!!

في إحدى الدول المتوسطية أتلف رجال الشرطة 3200 صورة, استغرق التقاطها مني شهرا كاملاً!!

حينما تقلدت شرف الكتابة عن سلسلة أطالس تاريخ الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم، وضعت في اعتباري عظم المسؤولية وشرف الحديث عن هذه الكوكبة المختارة من جيل التألق البشري؛ فهؤلاء الخلفاء الكبار؛ ينبغي أن تكتب سيرهم وتاريخهم بطريقة، أكثر تشويقاً وأجمل عرضاً, كما يجب أن تكون سيرهم والأحداث الكبرى التي عاشوها وساهموا في صناعتها, موثقة بالنص والخريطة والصورة الفوتوغرافية التي تنقل مسرح الحدث والبيئة التي جرى فيها بطريقة حسية مطلوبة بشدة من قبل القارئ المعاصر, وعهد الخليفة الثالث, عثمان بن عفان ( جامع الذكر ) رضي الله عنه اختص بخصائص وامتاز بمزايا، حيث ركب المسلمون في عهده البحر وخاضوا ضد البيزنطيين معارك حاسمة، مما ألزمني الوقوف على أهم المعارك الحربية التي خاضها الجيش الإسلامي في عرض البحر؛ إضافة إلى فتح بعض الجزر في البحر الأبيض المتوسط كجزيرة قبرص وهذه في المحصلة تحتاج إلى جهد مضاعف ودعم كبير وتنسيق مع بعض الجهات في الدول التي حدثت على أرضها هذه الأحداث وليس على المجهود الفردي فقط!
ومعاناتي الأولى أثناء مراحل الإعداد لكتاب "أطلس الخليفة عثمان بن عفان", حدثت بعد صولات وجولات، فمثلاً حينما ركبنا البحر المتوسط للوقوف على الموضع الأول لمسرح أحداث معركة ذات الصواري ( بين المسلمين والبيزنطيين)، تسنى لي أن ألتقط مجموعة كبيرة وفريدة من الصور الرقمية عالية الدقة لوضعها مع مجموعة من الصور الأخرى والتي قمت بالتقاطها من قبل على أراضي إحدى الدول المتوسطية, وخزنتها داخل (هارديسك ) خارجي، إضافة إلى ما قمت بالتقاطه فيما بعد خلال المرحلة نفسها، حيث كان آخر مكانٍ التقطت فيه الصور على أراضي تلك الدولة في مناطق الجنوب, وبلغت الصور بالجملة أكثر من 3200 صورة استغرق التقاطها مني شهرا كاملا.
وشاء الله أن نعلَق بعد عودتنا من الجنوب, على أحد مراكز التفتيش الداخلية، حيث تم من خلال المركز طلب جهاز الحاسوب والهارديسك معاً، وبعد أخذ ورد تمت إثارة بعض الأسئلة التي طلبوا من خلالها الإجابة عنها!!، ولم تكن لديَّ أي إجابة تذكر عن أسئلتهم غير الصراحة والوضوح، فأجبتهم بأنني باحث سعودي مختص في الأطالس التاريخية والجغرافية أمضيت شهراً كاملاً داخل بلدهم, وقمت مع أسرتي خلالها بالوقوف على الأماكن التاريخية والأثرية فيها ! لكن هذه الإجابة في النهاية لم تشفع لي عندهم رغم وضوحها وصراحتها ؟! حيث هددوا بتصعيد الأمر إلى الجهات الرئيسة في الدولة، وأخبروني أن الأمر قد يطول والوضع يتصعد إلى وقت لا يعلمه إلا الله؟ أو أن نقوم بمسح الخرائط داخل الجهاز والصور داخل الهارديسك، لأنها من دون إذن من الجهات المختصة؟ وبين أخذ ورد جعلوني أمام واقع مر حيث تم مسح الصور والخرائط على عجل من دون أن أنبس ببنت شفه!! ناهيك عن ما وجدته من معاملة سيئة جعلتني استسلم لهذه المضايقات، ولا سيما أنني مع أسرتي على هذا الجزء البعيد من وطني الحبيب!؟ وفي المحصلة فقد حرمني هذا التصرف الأرعن من تزويد القارئ الكريم لأطلس الخليفة عثمان من الكثير من الصور التي قمت بالتقاطها كما سبق فيما بين جزيرة رودس ومجموعة من مدن ساحل البر الجنوبي لهذه الدولة.
أما المعاناة الثانية, أثناء عملي في أطلس الخليفة عثمان, فتمثلت حينما حاولت اقتفاء مسيرا الفتح الإسلامي على أراضي الشمال الإفريقي، حيث خاض المسلمون معارك حاسمة على الأرض من أهمها معركة مدينة (س) التاريخية. فكنت شغوفاً للوصول إلى هذه المدينة الأثرية ومتشوقاً لمعانقة تاريخها الجميل. لكن الصدمة كانت على أبوابها منذ الوهلة الأولى فما إن وصلت إلى مدخل المدينة حتى تم اقتيادي إلى مركز شرطة المدينة, وأخذوا آلة التصوير الرقمي والفديوي مني !
حاولت في البداية التعرف على طبيعة الجرم الذي ارتكبته أوالذنب الذي اقترفته، فأخبروني بأنهم ينتظرون الرد على ذلك من خلال مركز العاصمة، حيث أخبرت القائم على المركز, عندما سألني عن سبب الزيارة, أنني باحث سعودي .. قدم من أجل الوقوف على آثار وتاريخ هذه البلد وهذا ما فعلته عبر (الفيزا) التي حصلت عليها من سفارتها في المملكة العربية السعودية.
وبعد ست ساعات ثقيلة، وأسرتي خارج المركز تحت لهيب الشمس المحرقة في أواسط شهر أغسطس، جاءت الإجابة من مركز العاصمة بإعادة الكاميرتين إليّ والسماح لي بعد ذلك بالدخول إلى آثار المدينة بعد فوات ثلاثة أرباع الوقت المهم عادة للتصوير، فما إن دخلت إلى عمق المدينة الأثرية حتى شاهدت مجموعة كبيرة من السياح الغربيين يجولون ويصولون بكل حرية مطلقة؟ فدعاني الفضول إلى سؤال مجموعة منهم. هل تم إيقافكم عند مدخل المدينة كما استوقفوني؟ فكانت الإجابة بأنهم استقبلوا بعبارات الثناء والترحيب، وحسن المعاملة . فتذكرت حينها أن هناك إشكالية لا تزال عند الكثير منا وهي عقدة الأجنبي !

الأكثر قراءة