رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


بأي ثمن أنُجزت؟!

كل إنجاز، كل إصلاح، كل مشروع، كل قرار، وكل توجه وتوجيه له ثمن! وجميع تلك الأثمان المدفوعة تراوح بين الغالي والرخيص، والمبرر وغير المبرر، والمستحق وغير المستحق، والرشيد ونقيضه! ودون تردد وبشكل قاطع, فإن السنوات الثلاث الماضية على وجه الخصوص كانت بحق من السنوات التي ظهرت المملكة فيها كورشة عمل حقيقية للإنجاز والإصلاح. بانية بذلك مسيرة جديدة لنا. وقد كان الإنجاز المطلوب كبيرا في طموحه وحقيقيا في توجهاته للوصول إلى ما نستحقه من مكانة ومستوى. وقد تحقق العديد من الطموحات وأخفقنا في أخرى! وعليه يكون ما تحقق له أثمان! وهذا بيت القصيد وعليه يصبح السؤال ابتدأ، هل ما تحقق كان مقنعاً لنا أولاً؟ وهل الثمن المدفوع يستحق المنجز منه ثانياً؟ ولماذا أخفقنا في تنفيذ الكثير من قراراتنا رغم أنها بمراسيم وأحياناً بتغطية إعلامية قوية وواضحة المعالم؟
إلى عهد قريب كانت الصورة السائدة والمفروضة بشكل عام، أننا نتحرك ككتلة واحدة كيماوية التركيب أحادي العنصر! إلى الدرجة أن بعض الشرائح وبالذات المدعية للثقافة حاولت استغلالنا من خلال رسم تلك الصورة كما يفعلها المسؤولون وإعطائها شعاراً براقاً "اعتقادا" منها أنه تتقرب بذلك إلى من تريد! وكانت النتيجة عليهم وعلينا وبالا ومجالا للتندر حتى من أقرانهم المثقفين. أما الآن وبحكم الانفتاح الجيد المستوى وجدية الإصلاح، وجدنا أننا مجتمع طبيعي مثل باقي المجتمعات لدينا شرائح متعددة التوجهات والأذواق والفلسفات، متعدد المصالح، قد تصل إلى حد التصارع في بعض الأحيان! وهي الفطرة الطبيعة للبشر. ومن خلال هذا التعدد كانت هناك رؤى وردود أفعال على كل قرار يتم اتخاذه سواء كان ذلك من أصحاب المصالح أو أصحاب الإيديولوجيات على تعددها، فنحن لم نعد مجتمعا بلون واحد كما حاول البعض تصورينا. أو بالأصح رفعت الستائر عنا واكتشفنا أننا لسنا كلنا ذلكم الشيخ الورع! ولسنا كلنا ذلكم التاجر النهم! ولسنا كلنا ذلك المسؤول الصالح المصلح! ولسنا لكنا مقتنعين بما نفعله حتى وإن قمنا به، إما خوفاً أو مجاملة أو لتحقيق مصالح خاصة! النتيجة ليس كل من صلى في المسجد ورعا وعابدا مخلصا! وليس كل من لم يصل في المسجد فاجرا مرتدا عن دين الله! وعندما قل ذلك الخوف من إظهار وجهات النظر وجدنا أن هذا الطيف أصبح أطيافا والمقاومة زادت ضد الإصلاح حسب وجهة نظر أطراف قد لا تروق للأطراف الأخرى. وصرح العديد من الناس بآرائهم وبلباسهم وأزيائهم التي يرون أنها تروق لهم. وبالتالي فإن هذا الانتقال كان مخاضاً صعباً وبثمن مكلف للجميع قد لا تأتي فواتيره إلا في وقت لاحق.
كذلك الفجوة ما بين مراحل معينة من عمر أي مشروع تطوري أو تحديثي. فمن كونه فكرة إلى أن يصبح قرارا، وما بين القرار وحتى ينفذ كما يجب. هناك ديناصورات عاشت وبادت خلال تلك الحقبتين الزمنيتين. هذا إذا ما نفذت القرارات كما يتوقع لها! الأجهزة التنفيذية وما حولها من هياكل دائما مسؤولة عن تلك الصورة التي ربما ظهرت قاتمة ولكنها حقيقية. أذكر على سبيل المثال قصة انضمام المملكة لمنظمة التجارة العالمية أو بالأصح لاتفاقية الجات، حيث ورد الطلب للمملكة في بداية التسعينيات، وكان يمكن الانضمام لتلك الاتفاقية بخطاب من الوزارة المعنية فقط دون أدني متطلبات. ولكن تأجل الموضوع إلى أن أصبح الثمن المدفوع للانضمام باهظا ولم تقدر تكاليفه بشكل دقيق حتى الآن! ولولا تدخل الملك عبد الله كان يمكن للنتائج أن تكون أسوأ. فحجم التنازل كان كبيرا بسبب ديناصورية الرؤية التي كان لابد من متخذ القرار أن يعلم ماذا تعني الجات في حينها على سبيل المثال؟ وإلى أين ستذهب؟ وهل من مصلحة المملكة الانضمام أو عدم الانضمام؟ فقدان الرؤية الكاملة!! قضية أخرى لا تقل خطورة بل تزيد، قرارات التوسع الزراعي وتصريحات المسؤولين في الثمانينيات عندما قالوا بالحرف "لدينا من المياه ما يعادل تدفق نهر النيل لأكثر من 100 سنة". أين ذهبت كل تلك المياه؟ هل تعلمون أن لتر الحليب يكلف الحصول عليه "أربعة لترات ماء!!
لنأخذ قضية أخرى وهي تسعير المشاريع ولنقارنها بالأسعار التي يحصل عليها القطاع الخاص المهني وذو الكفاءة العالية وليس كل القطاع الخاص! ففي بعض قطاعات القطاع الخاص فساد لا يعلمه إلا الله! سنجد أن الدولة في بعض الأحيان دفعت أكثر من 50 في المائة زيادة في السعر الطبيعي للمنتج نفسه الذي قد يستهلكه القطاع الخاص، أو يباع للأفراد بنصف السعر. لست بوارد كشف مثل تلك الممارسات رغم وجود أرقام مقارنة لمثل تلك التكاليف سواء بأسعارها الحقيقية في الداخل أو مع بعض الدول. وفقط لتوضيح الفكرة أكثر في الأذهان. لنأخذ تكلفة سفلتة الشوارع لدينا (تكلفة الكيلومتر الواحد) ولنقارنها بأي بلد متقدم أو متخلف! بعيد أو مجاور! مشابهة لتضاريس المملكة أو مختلفة عنها! ولمن يبحث عن المقارنات سيجدها بسهولة!
إذاً علينا حساب الأثمان المدفوعة لكل خطوة نخطوها والأثمان التي ستدفعها الأجيال اللاحقة! وألا تصبح المسألة خاضعة لمزاجية معينة، أو رغبات شخصية بالذات عندما يتعلق الأمر بمصير أمة تسعى إلى النهوض من انتكاساتها! وإلا كانت بعض تلك المشاريع التي تنفذ حالياً وبعض التوجهات الجديدة وقتية ما تلبث أن تتغير وتصبح تلك المشاريع عبئا على الجميع كما هي حال المزارع والمواطنين الذين وضعوا كل ما يملكون فيها على أساس أن لدينا 100 عام من مياه النيل العظيم في الجوف!!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي