عين على فبراير
في الأول من الشهر المقبل يفترض أن يلتقي وزراء النفط في منظمة الأقطار المصدرة للنفط (أوبك) في اجتماع دوري في رئاسة المنظمة في العاصمة النمساوية فيينا. القضايا المطروحة هي مثل تلك التي كانت مطروحة في أوقات حرجة ومختلفة خلال العام الماضي وتتلخص فيما إذا كان على المنظمة دعم جانب الإمدادات وضخ المزيد من النفط أملا في تطمين السوق، ومن ثم عكس ذلك الاطمئنان في شكل تراجع سعري يعيد البرميل إلى معدلات تقل عن حافة المائة دولار التي ظل يراوح حولها خلال الأسابيع القليلة الماضية.
المنظمة عبرت اجتماع أبوظبي الشهر الماضي بدون اتخاذ قرار بخصوص ضخ المزيد من الإنتاج وقبله اجتماع الرياض، ورغم أنه كان متعلقا بقمة المنظمة الثالثة، إلا أن أعناق السوق كانت مشرئبة نحو أي خطوة يمكن أن يتخذها الوزراء بخصوص وضع الإمدادات. ولهذا يعد اجتماع شباط (فبراير) علامة فارقة فيما إذا كانت المنظمة ستواصل نهجها بترك الحال على ما هو عليه من باب أن السوق تشهد شيئا من التوازن بين العرض والطلب لا يبرر تدخلها ولأن الارتفاع السعري يعود إلى أسباب ليس للمنظمة سيطرة عليها، أم تسعى لاستغلال حالة التوازن هذه على الأقل للإسهام في توجيه سعر البرميل نحو الأسفل.
فهذا هو الشهر الخامس عشر منذ قيام المنظمة باتخاذ قرار يتعلق بمعدلات الإنتاج عندما فاجأت السوق في اجتماع الدوحة الاستثنائي في أكتوبر (تشرين الأول) من عام 2006، الذي استبقت فيه حدوث تراجع درامي في سعر البرميل وقررت خفض 1.2 مليون برميل يوميا، وهو أكثر مما كانت تتوقعه السوق، كما عززت من هذا التوجه في لقاء أبوجا بعد ذلك بشهرين وإضافة خفض نصف مليون برميل يوميا أخرى، الأمر الذي أزال عناصر الضعف من تحت هيكل الأسعار ودفعه في اتجاه تصاعدي إلى أن وصل إلى 100 دولار للبرميل في بداية التعامل مطلع هذا العام.
قبل ذلك كانت آخر مرة قررت فيها "أوبك" خفض إنتاجها في نيسان (أبريل) من عام 2004. وكل هذا يشير إلى الدور الذي يلعبه جانب الإمدادات في التأثير في سعر البرميل خاصة إذا تم التنفيذ بدقة مثلما كان الحال في قرارات الدوحة وأبوجا، التي حققت نسبة عالية من التقييد بالحصص الخاصة بكل دولة، انعكس وبسرعة على التحركات السعرية.
لكن إذا كان خفض الإنتاج يحتاج إلى إرادة سياسية قوية لارتباطه بتراجع في العائدات ومتطلباته من الانضباط في التنفيذ، إلا أن زيادة الإنتاج لا تحتاج إلى جهد مماثل. فعندما تكون السوق مهيأة للمزيد من الإمدادات، فيكفي فقط وجود الزبائن الراغبين والقادرين والقدرة الإنتاجية على تلبية تلك الاحتياجات.
لكن مع اضمحلال الطاقة الإنتاجية الفائضة لدى الدول الأعضاء في المنظمة وتركزها إلى حد كبير في السعودية والى حد ما في الإمارات والكويت، فإن الحديث عن زيادة في السقف الإنتاجي للمنظمة ككل يكاد يكون أصبح حديثا نظريا، لعجز غالبية الأعضاء عن ضخ المزيد حتى إذا كانت هناك قرارات بهذا المعنى وأن السوق في حالة احتياج فعلي. وكل هذا يكاد يجعل من سياسة عدم اتخاذ أي قرار هي السياسة الملائمة مثلما شهدت الأشهر السابقة.
لكن العام الجديد يبدأ والسوق تبدو في مفترق طرق، فمع العوامل المعهودة حول احتمالات حدوث كساد اقتصادي وبدء تأثير الأسعار المرتفعة في الطلب ولو بصورة تدريجية، ويدفع هذا الوضع في اتجاه أن تسعى المنظمة إلى لعب دور أكثر نشاطا بدلا من سياسة الانتظار التي مارستها طوال الفترة المنصرمة.
ولعل نقطة البداية هي تحديد السعر العادل أو الملائم الذي ترغب فيه المنظمة. فسياسة ترك الأمور على ما هي عليه دفعت إلى أن يصبح سعر 50 دولارا للبرميل في بعض الأحيان هو السعر الذي ترغب فيه المنظمة، لكن مع استمرار سعر البرميل في التصاعد وبدون حدوث تأثيرات جانبية ملحوظة وسريعة تغيرت النظرة إلى السعر العادل والملائم إلى 70 ـ 80 دولارا، وحاليا يبدو الكل سعيدا بالسعر الحالي وهو في حدود 100 دولار للبرميل.
لكن هذا الموقف كله يصب في خانة قبول ما هو قائم وليس التحرك بهدف الوصول إلى التأثير في المستقبل ومن ثم تحديد ما هو مرغوب وإعمال الآليات اللازمة حتى الوصول إليه. إحدى هذه الآليات الاستراتيجية البعيدة الأمد، التي لا تزال تنتظر تفعيلا لها عبر تحديد للسعر الذي تستهدفه المنظمة ولو بصورة موسمية، إذ لا يمكن تحديد سعر قاطع وبصورة مطلقة لكل زمان ومكان، وإنما هناك السعر الذي تهتدي به المنظمة لتنشيط دورها ويمكن أن يصبح بوصلة في خضم التقلبات التي تشهدها السوق في الوقت الحالي.