رز هولك
مَن الذي ورطنا بك أيها (الرز)؟ وكيف أصبحت حاكما متحكما بنا؟ مع أنك غريب الأهل والوطن، فلست نبت أرضنا، ولست طعام أجدادنا منذ قس بن ساعدة الإيادي وحاتم الطائي إلى نحو ثالث جد لنا؟ يقال إنك وفدت إلينا في البدايات باسم (التمن) من أهوار العراق الخصيبة سابقا، وكان يسمونك أيضا (الهورة) ثم أخذت تفد إلينا من بيشاور، الهند، باكستان، تايلاند، مصر والصين وأمريكا وغيرها من بلاد الله الواسعة وشيئا فشيئا أزحت "تباسي" المطازيز والمرقوق و"الحليج" و"بوادي" الجريش والقرصان وصحون الدويف والعصيد، سيطرت على موائدنا، صارت لك الصدارة فلا طعام سواك وكل ما حولك على (السفرة) تزكية لمكانتك بينها وزهوك عليها!!
كيف أسلمناك عنان بطوننا، أفواهنا وخصصنا حواس الشم والنكهة والذوق عليك ولذة النظر إليك؟ سرقت مقاومتنا لك، جعلتنا أسراك، فالغداء لا يعني سواك وفي العشاء لا نتطلع أيضا إلا إلى لقياك. لكأننا – أيها الرز الباهر الساحر – بتنا فعلا (رز هولك) أي مدمنين عليك!!
هل رأيتنا ونحن عائدون من أعمالنا، نقود سياراتنا يكاد لا يسكن أذهاننا ولا يسيطر على خيالنا غيرك، يحسب الواحد منا مقود السيارة صحن الرز فيزداد بنا الوجد إليك، نتحرق في الوصول إلى منازلنا لكي ننعم بمرآك وطيب نكهتك ومذاقك العظيم.
أيها القادم من وراء البحار، يا أعز موجود وأغلى مفقود، كيف تيمتنا بك، صيرتنا عشاقك ومريديك، لا نستغني عنك ولا نطيق فراقك؟ فوحدك الأثير لدينا .. ندلعك، ندللك، نختار لك أروع الأسماء وأعذب الألقاب، نمنحك أفضل الصفات وأجمل الشعارات، تجارنا منذ عقود يفعلون ذلك، حفاوة بك وإعلاء لشأنك فيما نحن في بيوتنا، في مطابخنا، في مطاعمنا، في فنادقنا نعتني بطبخك وبتقديمك أشد العناية، نجعل منك كبسة أو مجبوسا، بخاري أو مندي، برياني أو زربيان، مشخول أو نثري، مضغوط أو مدفون، بقطع اللحم، بالمفاطيح بالغوزي بالدجاج، بالسمك.. فكيف.. فعلت بنا ما لم تفعله كل الأغذية؟ أدرت رؤوس القوم كبارا وصغارا، رجالا ونساء، وحدت غنينا بفقيرنا، صرت طعام الأعيان والعامة.. واستطعت (وأنت الغريب)، جمع شمل الأسر والمعارف والأصحاب، جمع شمل البادية على الحاضرة، جمع أهل الساحل بأهل الجبل بأهل الصحراء؟ وبقدرة خرافية مذهلة محوت الفروق بين الطبقات فحققت ما عجزت عن تحقيقه الأطروحات السياسية والفلسفات!!
هذه الاعترافات في الوجد بك أيها الرز المبجل مبعثها أننا نوجس خيفة مما يدور حولك من هرج ومرج، فزعنا لا حدود له، رعبنا من فقدك أو المساس بمكانتك مما لا يحتمل إطلاقا، فأي نقص في وجودك سوف يعني تهديدا حقيقيا لموائدنا ولأعراسنا وأفراحنا.. فهل تكون (عزايم المفاطيح) إلا بمعيتك؟ وهل تكون المثلوثة إلا معك؟ وهل يكون السليق وهل تكون الاستراحات والكشتات إلا بك؟ بل هل نتبختر بكروشنا ونكتظ سمنة من دونك؟
بعضنا بدأ يزوره الأرق خشية عليك، بعضنا يفكر في مناشدة الدول المصدرة الرأفة، بعضنا يعتقد أن رفع أسعارك أو الحد من وجودك مؤامرة مشبوهة خلفها أصابع الصهيونية العالمية والاستعمار والإمبريالية الذين يريدون حرماننا من أعز ما نقتات به. بعضنا يعتقد أنها مزحة ثقيلة الدم من الدول المنتجة لكي تبين لنا (غلاوتها)؟ بعضنا لم يعف التجار من تهمة الجشع وانتهاز ظروف عالمية مستجدة، بعضنا يظن أنه يحلم غير مصدق كل ما يُقال، وبعضنا مطمئن إلى أن ما يحدث للسيد الرز سحابة صيف سوف تنقشع!!
لكن .. عزيزي القارئ .. سواء كنت من هذا البعض أو ذاك.. ألا توافقني أن كل ما سبقت الإشارة إليه يثبت بما لا يقبل الشك أننا حقاً مدمنو رز وأننا فعلاً (رز هولك)؟!
عاش الرز .. والمجد للبسمتي والمزة والبيشاور والعنبر!!