التضخم .. آخر العلاج الكي

[email protected]

أصبح مؤتمر اليوروموني هو منبر إعلان آراء وزراء الاقتصاد والأعمال السعوديين على المهتمين. وتكون تلك الآراء في الغالب ملخصاً لما قام به الوزراء في الماضي ، مع إيجاز لآرائهم حول المستجدات الحالية. وقد تشمل آراؤهم بعض التوقعات والخطط المستقبلية. والمتابع للأحداث الاقتصادية والمنخرط في عالم الأعمال والاستثمار قد لا تفيده تلك الآراء كثيراً لأنه سبق أن عايشها أو تابعها عبر الصحف، أو المجالس والمنتديات الخاصة والعامة. وهذا قد يفسر الحضور الضعيف، والتنظيم المتواضع لمؤتمر اليوروموني، الذي يزداد ضعفاً عاماً بعد عام.
ولعل أهم ما جاء في هذا المؤتمر هي كلمات وزير المالية ومحافظ مؤسسة النقد، حيث تابعها الإعلام بشكل مكثف، خصوصاً الآراء حول الصناديق السيادية وكيفية السيطرة على التضخم. لقد أورد وزير المالية أن الحكومة السعودية لا تـنوي إنشاء صندوق سيادي، بل شركة استثمارية مساهمة تستثمر في الداخل والخارج. وقد يرى البعض أن ذلك يتعارض مع تصريحات بعض المسؤولين الرسميين حول تلك الشركة أو الصندوق السيادي. ولا أرى أي تعارض، حيث إن الأهم هو أغراض وأهداف الشركة وهيكل الملكية. فإذا كانت تستهدف الاستثمار في الداخل والخارج بأموال الحكومة، فإن الآخرين خارج المملكة سينظرون إليها على أنها صندوق سيادي، وستطبق عليها أحكام وأنظمة الصناديق السيادية عند الاستثمار خارج المملكة، فالمسمى لا يهم، بقدر أهمية الأهداف والملكية.
وحول رؤية الحكومة للتضخم وكيفية السيطرة عليه نجد أن الرسالة الإعلامية الحكومية لم تنجح في وضع رأي واضح يأخذ من عوامل السوق والتغييرات المتسارعة في الأسعار قاعدة للحديث عن التضخم، بدلاً من الحديث عن التوقعات المستقبلية. ذلك لأن العوامل المؤثرة في الأسعار هي خارج سيطرة البنك المركزي للبلاد، مما يجعل الحديث عن المستقبل غاية في الصعوبة في ظل عدم التيقن الكبير الذي يعيشه الاقتصاد العالمي في الوقت الراهن.
لقد أبدينا آراءنا حول الإجراءات الحكومية حيال التضخم، وكذلك التأثيرات المستقبلية التي ستحدثها في عدة مناسبات. ونلحظ أن قراءتنا للواقع والمستقبل كانت قريبة لما نشهده الآن. بل إن من كان لا يؤيدنا الرأي في الماضي، أصبح ينادى بما ننادي به. فجدوى للاستثمار أصبحت تميل إلى رأينا بضرورة رفع قيمة الريال أمام الدولار كأحد الحلول النقدية المهمة في معالجة التضخم، خصوصاً مع عدم قدرة الإجراءات الحكومية المالية والنقدية على إحداث تغير ملحوظ. كما أن النصف الثاني من العام يقترب من الحلول، ولم نلحظ تراجعاً في معدلات التضخم، بل تزايداً واضحا وقويا. وهذا يؤيد وجهة نظرنا التي قلناها لقناة العربية التلفزيونية في أن عوامل ارتفاع الأسعار المهمة في السعودية هي المسكن والمواد الغذائية الأساسية وهي التي لا نراها في تراجع. وقلنا إننا قد نشهد استقراراً في الأسعار خلال عام أو عامين عندما تبدأ عوامل العرض في الازدياد مع تراخي الطلب نتيجة الركود الاقتصادي الذي قد يحدث في الولايات المتحدة.
ومع ذلك، نرى أن هناك جهوداً حكومية مستمرة في كبح جماح التضخم. ومنها إشارة وزير المالية إلى توجه الحكومة إلى خفض الإنفاق، مع قيام مؤسسة النقد برفع الاحتياطي النظامي للبنوك إلى 13 في المائة، وهي بذلك تقترب من الحد الأعلى الذي يحق لمؤسسة النقد ممارسته على البنوك وهو 15 في المائة. إن هذين الإجراءين قد يسهمان في السيطرة على نمو عرض النقود فقط، لكنهما لن يكونا قادرين على خفض التضخم. فالسيولة ستظل مرتفعة، وعوامل ارتفاع الأسعار هي خارجية في الدرجة الأولى، مما يجعلنا نرى أن مثل تلك الحلول لن تفيد كثيراً. ويبقى الحل الأخير هو الكي برفع قيمة الريال.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي