دراسة: تحذير من انعكاسات أزمة المهارات في قطاع النفط والغاز

دراسة: تحذير من انعكاسات أزمة المهارات في قطاع النفط والغاز

أظهرت دراسة حديثة حول أزمة المهارات في قطاع النفط والغاز، أنّ هناك أربعة عوامل رئيسية تسهم في أزمة المهارات هذه، من بينها القوى العاملة المتقدّمة في السن والحاجة إلى مهارات متخصصة وحجم العمل المتزايد، إضافة إلى التكاليف المتصاعدة.
وأظهرت الدراسة التي أعدتها "بوز ألن هاملتون" أخيراً أن انعكاسات الثغرات في المهارات بدأت تتجلّى في الشركات على مستوى العالم وبخاصة في دول مجلس التعاون الخليجي ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث تعتبر القوى العاملة الماهرة محدودة. وقد وجدت الدراسة أنّ هناك قلةّ قليلة من الأشخاص ذوي الخبرة على مستوى القطاع لدعم العمليات القائمة أو خطط النمو المستقبلية وتنفيذ المشاريع الرئيسية
ويوضح الدكتور رائد قمبرجي من "بوز ألن هاملتون" أن ما يشهده قطاع النفط والغاز في الواقع هو تراجع لافت في القدرات الوظيفية المتزامن مع غياب التحديد الصحيح لرواتب القوى العاملة الماهرة. فإلى جانب مسألة القوى العاملة المتقدّمة في السن، يفتقر القطاع إلى المهارات الجاهزة لدى الموظّفين الذين يتابعون دراستهم الجامعية. كما نشهد حالياً منافسة متزايدة على استخدام عمال ماهرين، ما يعني أنّ العمال يستقيلون بسرعة لتولّي مناصب ذات مردود أعلى في قطاعات مختلفة.
وشدّدت الدراسة على أنّ الإدارة الفعالة لمشكلات المهارات تشكّل اليوم تحدياً استراتيجياً للعمل وأنّ الأرباح القصيرة الأمد لن تجد حلولاً طويلة الأمد للمشكلة. فالحلول القصيرة الأمد تعتبر غير ملائمة للتعامل مع الحجم الكبير لهذا التحدي. لذلك يجب السماح لقسم الموارد البشرية بالاضطلاع بدور استراتيجي أكبر لسدّ الثغرات في المهارات, وفي الشركات التي تعاني ثغرات في هذا المجال يتولّى المديرون التقنيون والتشغيليون ومدراء الموارد البشرية بنجاح وبصورة مشتركة هذه المسألة.
وفيما يخص القوى العاملة وجدت الدراسة أنّ نحو 50 في المائة من الموظّفين المؤهلين في القطاع تراوح أعمارهم بين 40 و50 سنة، في حين بالكاد يضم القطاع 15 في المائة من الموظّفين الشباب، زد على ذلك أنّه من المحتمل أن يتقاعد نحو نصف القوى العاملة الحالية خلال السنوات العشرة القادمة..
وتؤكد الدراسة أن العاملين في هذا القطاع يحتاجون إلى ثلاث سنوات تقريباً لتطوير كفاءتهم التشغيلية الأساسية في القطاع، وإلى ما يقارب العشر سنوات لتطوير عدة اختصاصات مهنية، لذلك يمكن ملاحظة الثغرات القائمة بسهولة.
واستنتجت الدراسة أنّ بناء القدرات يحتاج إلى رؤية طويلة الأمد يمكن تحقيقها من خلال متابعة استراتيجيات العرض والطلب. وسوف تجني شركات النفط والغاز التي تدير قدراتها بشكل تفاعلي وبنّاء فوائد كبيرة في القطاع، حيث إنّ هناك إشارات واضحة تدلّ على أنّ الشركات التي تعالج بتأنّ تحديات بناء القدرات، ستحظى بإمكانية أكبر لتقديم النتائج المرجوّة.
وعلى صعيد المهارات المتخصصة وجدت الدراسة من خلال مراجعة مجموعة من الشركات أنّ 22 شركة أميركية كبرى للنفط والغاز تواجه ثغرات كبيرة في هندسة البترول الجيولوجيا، فضلاً عن بعض الثغرات في اختصاصات تقنية أخرى. إضافة إلى ذلك، يشير 40 في المائة تقريباً من أصحاب العمل في القطاع على مستوى العالم إلى وجود صعوبات في ملء المناصب التي تتطلّب عمالة تقنية.
وتؤكد الدراسة أن طبيعة العمل في قطاع النفط تغيرت مع بروز مزيد من الصعوبات في استخراج النفط، حيث باتت هذه العملية تتطلّب تقنية محددّة وخبرة متزايدة. كما تعتبر جيولوجيا المخزون من المشكلات التي يواجهها القطاع، بفعل ظهور بعد التركيبات المعقّدة وتحوّل النفاذ إلى المخزون إلى تحد كبير مقارنة مع كان عليه في السابق (مثلاً النفاذ إلى عمق المياه)، الأمر التي يتطلّب أيضاً نظماً تقنية مختلفة.
وتلفت الدراسة إلى أن التكاليف التي تخصصها الشركات للعمالة الماهرة تشهد تزايداً ملحوظا, فقد ازداد راتب عالم الجيولوجيا الذي يتمتّع بخبرة عشرة أعوام بنسبة تفوق 25 في المائة بين العامين 2003 و2006. كما ارتفعت رواتب العمال في أبراج حفر آبار النفط بنسبة 60 في المائة خلال الفترة نفسها.كما اضطرت الشركات إلى توظيف متقاعدين بصفة متعاقدين برواتب مضاعفة.
لقد طوّرت مجموعة من الشركات حلولاً في مجال العرض للتعامل مع النقص الحاصل في المهارات واستحدثت إحدى شركات النفط التي راجعت الدراسة منصب مدير القدرات ضمن مجموعتها المتخصصة بالتكنولوجيا. وقد سمحت النتائج الناجمة عن استحداث هذا المنصب المتخصص بتسليط الضوء على الموظّفين الذين يتمتّعون بقدرات خاصة ويلعبون أدواراً محددة في العمل لتحقيق مزيد من التطوير. فأدّى ذلك إلى تقليص المدة الزمنية المطلوبة لتطوير طاقم العمل والارتقاء به إلى أعلى مستويات الكفاءة المتوقّعة في الشركة..
وتركّز الاستنتاجات الرئيسية للدراسة على إلزامية تناول الاستراتيجيات الخاصة بالطلب وتشير إلى إمكانية بل ضرورة تغيير الشركات للنهج الذي تتبعه في العمل بهدف سدّ الثغرات بشكل فعال وتمّ التمعّن في أربعة مجالات رئيسية لهذه الغاية:
أولها تبسيط العمليات و يمكن تحقيق هذا الهدف من خلال استخدام التكنولوجيا على نطاق أوسع وتقليص الإجراءات البيروقراطية. فعلى سبيل المثال، يمكن تقليص التقارير في الشركة من حيث العدد والتواتر للتركيز فقط على المعلومات الضرورية؛ ويمكن المساعدة على تحقيق ذلك من خلال وضع نظم مؤتمتة وأكثر معيارية لإعداد التقارير، كما يمكن أيضاً تنظيم الإجراءات الأخرى الأكثر تقنية وتقليص مدّتها. وفي هذا السياق وجدت الدراسة في إحدى الشركات على سبيل المثال أنّ وضع إطار إلكتروني مبسّط للدراسات الخاصة بالآبار البسيطة سمح لمهندسي المخزون بالتركيز على الآبار الأكثر تعقيداً, كما أنّه يمكن تنفيذ العمليات الشرائية بشكل أكثر فعالية من خلال توحيد معايير المتطلبات وتبسيط عمليات الشراء..
الأمر الثاني يتعلق بتغيير أساليب العمل فمن الأدوات الفعالة لسدّ الثغرات في المهارات تغيير أساليب العمل في المراجعات الهندسية وتنفيذ إجراءات الصيانة في الأماكن الملائمة". بالنسبة إلى المراجعات الهندسية، يمكن للشركات أن تستخدم عملية المراجعة المبسّطة (بعيداً عن الإجراءات النموذجية المحدّدة) للمشاريع الصغيرة التي تتطلّب بعض التغييرات البسيطة. ولتحسين الصيانة، تستطيع الشركات استعمال الصيانة التفاعلية لضمان توّفر الأصول و/أو الصيانة الانتقائية للأصول المستبدلة. ويمكن أن تؤدّي جميع أساليب التفكير/ التنفيذ الجديدة هذه إلى تحسين الفعالية وإلغاء الجدول الزمني المحدّد لاستخدام الموارد، وبالتالي تخفيض الطلب على الأشخاص والمهارات وسدّ الثغرات في نهاية المطاف.
والمجال الثالث، يتعلق بتطبيق التقنيات الجديدة اذ تعتبر "الآبار الذكية" إحدى الأمثلة على التكنولوجيا الجديدة, وتستعمل "الآبار الذكية" الأتمتة لمراقبة الضغط على سطح الآبار وتسمح بجمع البيانات الميدانية ونقلها من بعيد. وفي هذا الإطار، ويوضح د. قمبرجي ان استعمال تقنية "الآبار الذكية" يسلّط الضوء على الأتمتة , ويؤدّي بالتالي إلى الحدّ من الحاجة إلى القوى العاملة، فيما يتمّ استعمال موارد أكثر فعالية لهذه الوظيفة. كما تتيح هذه التقنية مراقبة بيانات الآبار فورياً إضافة إلى الوقت الفعلي، مما يسمح باتخاذ قرارات بتحقيق أفضل النتائج من الوقت الفعلي، الأمر الذي يؤدّي بدوره إلى زيادة الإنتاج.
وتؤكد الدراسة أن تعهيد بعض النشاطات الخاصة بمعاملات المساندة ضمن المؤسسة يمكن أن يؤدّي إلى تخفيض الطلب بنسبة 40 في المائة في بعض المجالات. وإلى جانب عمليات التوفير المحتملة، يكمن الهدف الرئيسي في الحد من تعقيدات العمل وإلغاء الجدول الزمني لاستخدام الموارد بهدف العمل على نشاطات استراتيجية ذات قيمة إضافية أكبر.
وخلصت الدراسة الى أن قطاع النفط والغاز يواجه تحدياً حقيقياً، سيكون له بالتأكيد وقعاً ما على خطط التوسّع والنمو، وبالتالي يحتمل أن ينعكس بشكل أو بآخر في المدى البعيد على أسعار النفط. وتتطلّب مواجهة هذه التحديات التزاماً من أعلى الهرم ونهجاً ثنائياً متشعّباً يتناول التركيز على التوظيف، وإعادة التعهيد، و تطوير المواهب والحفاظ عليها، والأهم من ذلك تغيير أسلوب العمل وبالتالي تقليص حجم الطلب على المواهب بشكل إيجابي.

الأكثر قراءة