هل نجعل التغيير وسيلة للنجاح؟
التغير في حياة الأمم والشعوب، وحياة الأفراد والمنظمات سنة باقية إلى قيام الساعة، ولا يمكن أن يستمر الوضع على حال من الأحوال لأي فرد أو جماعة، ويمر الأفراد والمجتمعات بتغيرات وتحولات منها ما هو سار ومنها ما هو غير سار، وفي هذه السنة الإلهية التي تجعل من الأفراد والمجتمعات عرضة للتغير حِكَمٌ، وفوائد جمة ليس لها حدود خاصة إذا وفق الفرد أو الجماعة للاستفادة منها وأخذ الدروس والعبر.
على كوكب الأرض تحدث تقلبات يومية فليل يعقبه نهار، وظلام يعقبه نور، وعلى مدار العام تحدث تغيرات حيث فصول السنة وما يصاحبها من ظروف تختلف من فصل لآخر فالشتاء، وما يصاحبه من برد، والصيف وما به من حر، والربيع وما به من اعتدال الجو، والخضرة وتفتح الورود والزهور، والجفاف يعقبه نزول المطر، وارتواء الأرض مع ما يحدثه هذا في نفوس الناس من بهجة وسرور، بدل اليأس والقنوط، "وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا" فالقنوط كحالة نفسية يصاب بها الناس عندما يصابون في أموالهم، وأنفسهم، وصحتهم، لكن رحمة الله واسعة حيث يغيثهم وتتحول هذه الحالة اليائسة إلى فرح، وسرور وهذا التغير فيه حكمة بالغة، وعبرة حيث إن النفس الإنسانية تتفاعل مع الظروف المحيطة بها ولا تكون على حالة واحدة جامدة إذ قد يمر الفرد في اليوم الواحد بعدة تغيرات وأحياناُ تكون هذه التغيرات مفاجئة، وغير متوقعة، وقد تكون معلومة المصادر، أو مجهولة.
الإنسان منذ ولادته يمر بمراحل عدة، مراحل ضعف واعتماد على الغير، ومراحل قوة واستقلالية، واعتماد على الذات، ليعود مرة أخرى، ويضعف، ويبدأ في الاعتماد على الآخرين"ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكي لا يعلم من بعد علم شيئاً "تأملت في هذه التغيرات سواء على الصعيد الفردي أو الجماعي فوجدت أن كليهما يمران بالتغيرات وهذه القاعدة تسير على الجميع، فالفرد كما أوضحنا يمر بهذه التغيرات، والمجتمع كذلك، إذاً المجتمعات تمر بدورة حياة تتسم في البداية بالبساطة ثم تنمو وتكبر وتقوى، وتكثر مصادرها المالية ويعم الرخاء، وتزيد الأنشطة، والأعمال، لكن دورة الحياة الاجتماعية لا تستمر على نفس الحال مثلها مثل حياة الإنسان إذ قد يضعف المجتمع ويتراجع في مستواه المادي بل والحضاري، وتتراجع مع ذلك قيم المجتمع، وثقافته، وتسود الفوضى بدل النظام، ويعم الفقر بدل الغنى وينتشر المرض بدل الصحة، والعافية وتجدب العقول كما تجدب الأرض، ولا تنتج كما كانت في السابق حتى إن اتجاهات الناس نحو بعضهم البعض تتغير، وبدلاً من الاتجاهات الإيجابية تكون الاتجاهات السلبية.
تأملت في قوله تعالى"هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور" فألفيت أن الدعوة للمشي والسعي على الأرض هي دعوة للحركة، وعدم الركود، ونبذ للجمود، والخمول الذي لا يقبل التغيير، التغيير الذي يتوخى إصلاح الحال سواء كان فرداً، أو مجتمعاً، كم من الأفراد بهمتهم العالية، وبرغبتهم في إحداث تغيير تمكنوا من تحقيق إنجازات هائلة في حياتهم، أو حياة مجتمعاتهم، بدلاً من الجهل تمكنوا من التعلم، وتحقيق مستويات عليا من العلم، وبدلاً من وظيفة محدودة الراتب نجحوا في الحصول على مراكز متقدمة من الناحية الوظيفية في مجالهم الذي دخلوه، نسمع عن نماذج بدأت بداية بسيطة لكنها بالتصميم والإرادة بهدف التغيير، وتحويل الوضع إلى ما هو أفضل تمكنوا من تحقيق أهدافهم التي سعوا لتحقيقها.
وما ينطبق على الأفراد في هذا الصدد ينطبق على المجتمعات، كم من المجتمعات تجاوزت ظروف الفقر، والجهل، والتخلف بعد ما أوجدت التغير في ذوات أبنائها، وهذا الوضع ينطبق عليه المثل القائل دوام الحال من المحال، سواء في معناه الإيجابي، أو السلبي، إذ لا يمكن افتراض أن الظروف الجيدة ستسمر وإلى ما لا نهاية ويعيش الفرد أو المجتمع في وضع لا يتغير، قد يتغير وضعه ويصاب بالكثير من المنغصات في صحته أو معاشة أو وضعة الاجتماعي وقد يصيبه ما يصيبه وعليه أن يهيئ نفسه لهذه التحولات، ويكون قادراً على التكيف معها، كما أن عليه أن يكون بمقدوره الاستفادة من الظروف الإيجابية أو السلبية، الإيجابية يحافظ عليها، والسلبية يأخذ منها الدروس، ويستخلص منها العبر ولا يجعلها تقهره، أو تعيقه عن العيش بصورة طبيعية. الرغبة في التغير نحو الأفضل معيشياً، أو أمنياً، أو وظيفياً، أو نفسياً لا تكفي لوحدها بل لابد من جهد، وعمل، ونشاط "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" هل يحقق الكسول نجاحاً يذكر وهو لا يعمل، ولا يفعل شيئاً؟ كلا، وهل يتمكن ذو الطموحات المتواضعة من الارتقاء بمستوى حياته؟
كلا، إن الرغبة التي يلازمها الفعل هي التي تحقق النجاح، أما المشاعر، والرغبة المجردة من الفعل، والنشاط والحيوية لا يحقق منها الفرد إلا العيش في أحلام اليقظة التي تنتهي به إلى السراب، مشاعر غريبة وخبرة جديدة من الناحية السيكولوجوية يشعر بها الفرد حين يمر بحالة تغيير من مكان لآخر أو برنامج يومي لبرنامج يومي آخر، يسافر المرء منا ولو سفراً قريباً فيلحظ أن شيئاً جديداً قد يحدث، ويصاحب ذلك نشاط، وحيوية، وتغير إيجابي في المزاج، وذات الشيء يحدث حين يتغير البرنامج اليومي للفرد.
هذا التغير الذي يكسر الرتابة، والروتين، ما أحوجنا إلى الراحة بعد التعب، وما أحوجنا إلى النوم بعد السهر، وما أحوجنا إلى الأكل بعد الجوع، وما أحوجنا إلى الحركة بعد حالة ركود أو جلوس طويل. إن بهجة الحياة والسرور الذي نحققه فيها يتحقق من إحداث التغيير، التغيير المتزن الواضح الأهداف الذي يسير وفق خطوات مدروسة وليست اعتباطية وهذا الأمر ينطبق على الأفراد والمجتمعات والمنظمات، إذ إنها مثل الكائن الحي تنتعش وتتغير أوضاعها نحو الأحسن عندما يدب التغيير فيها، شركات كثيرة كانت مفلسة وبتغيير قياداتها وإدارتها انتقلت من خانة الإفلاس إلى خانة النجاح والأرباح.