ارتفاع أسعار النفط والأرباح المتصاعدة للصناعات البتروكيماوية الخليجية
يبدو أن الصناعات البتروكيماوية الخليجية ستمر بأحسن أوقاتها وموعودة بأرباح غير مسبوقة للارتفاع الهائل في أسعار النفط. وكما هو معلوم، فإن أسعار البتروكيماويات مرتبطة بشكل مباشر بأسعار النفط العالمية صعوداً وهبوطاً.
مرت أسعار النفط خلال العقد الحالي بدورات فعلية. فمثلاً انخفض معدل السعر السنوي لبرميل النفط عام 1998م إلى 12 دولارا للبرميل، وارتفع سعر البرميل بعد 1998م ليصل إلى نحو 80 دولارا عام 2007م، أي أن المعدل السنوي للبرميل قد ارتفع بنحو سبعة أضعاف في أقل من عقد من الزمن. أن هذا الارتفاع الكبير في أسعار النفط سوف يلقى بكل تأكيد بظلاله على أسعار النافثا الذي يعد من أهم المصادر العالمية للصناعات البتروكيماوية وبالتالي على أسعارها.
النافثا مشتق بترولي كبير الأهمية، وتكون نحو ثلث برميل الخام (العربي الخفيف)، وتدخل النافثا كمكون أساسي لوقود السيارات "الجازولين"، وفى الوقت نفسه تعد النافثا مصدرا رئيسا للصناعات البتروكيماوية، إذ تستخدم لإنتاج الأولفينات لصناعة البولي إيثيلين والبولي بروبيلين، وأيضا تستخدم لإنتاج العطريات مثل البنزين والزايلين، التي عادةً ما تستخدم لإنتاج البولي ستايرين والبولي إستر. وتقدر التقارير العالمية أن زيادة الاعتماد السنوية على النافثا في العالم في الفترة 2006 إلى 2011م في الصناعات البتروكيماوية تقترب من 2 في المائة.
تعتبر النافثا المصدر الرئيس لهذه المواد المنتجة في آسيا والصين تحديدا، وكذلك في أوروبا الغربية، إذ يتم استيراد أو إنتاج النافثا من المصافي ومن ثم تحويلها إلى مواد بتروكيماوية.
معظم التوسعات الحالية للقدرة الصينية في الصناعات البتروكيماوية ستعتمد على النافثا، وتشهد الصين ثورة حقيقية في هذا الصناعة، إذ تعد ثالث أكبر سوق لها، وتشير التوقعات الغربية إلى أن الصين ستستولي على 25 في المائة من الطلب العالمي على المواد البتروكيماوية بحلول 2015م.
ومن المتوقع أن يزداد إنتاج دول الخليج العربي وإيران والصين من مادة الإيثيلين عماد الصناعات البتروكيماوية بحدود 25 إلى 30 مليون طن في الفترة 2005 و2010م. بينما يعتمد إنتاج دول الخليج العربي وإيران على الغاز المصاحب للنفط، تضطر الصين ودول آسيا الأخرى، إضافة إلى الدول الأوروبية، إلى استعمال النافثا بدلاً من الغاز وتكسيرها إلى إيثيلين لعدم وجود غاز بكميات تجارية فيها.
ارتفع سعر طن النافثا في الفترة الأخيرة ارتفاعات هائلة حتى تعدى 800 دولار للطن. وبحسب موقع "أرقام" فإن سعر طن النافثا قد سجل 850 دولار ـ في أوائل كانون الأول (ديسمبر) العام الماضي. ونستطيع أن نرى التغيير في أسعار النافثا في شكل (1)، إذ يبين الشكل أن أسعار الطن قد ارتفعت منذ كانون الثاني (يناير) عام 2004م إلى كانون الثاني (ديسمبر) 2007 من 320 دولارا إلى نحو 850 دولارا، أي وصل الارتفاع نحو 270 في المائة.
أما سعر خام العربي الخفيف فقد ارتفع في المدة الزمنية نفسها من 30 دولارا إلى 80 دولارا، أي بنحو 270 في المائة، وهذا يثبت الترابط الشديد ما بين أسعار الخام وأسعار النافثا. فلو فرضنا أن طن النفط من نوع العربي الخفيف يحتوى على نحو ستة براميل، وأن سعر البرميل قد وصل في أوائل كانون الثاني (ديسمبر) إلى 80 دولارا، فهذا يعنى أن طن الخام العربي الخفيف قد سجل 480 دولارا، أي أن طن النافثا حالياً أغلى من طن الخام بنحو 1.8 مرة.
طبعاً نستطيع أن نستخرج من الخام كميات متفاوتة من النافثا تتغير بحسب جودة الخام، (فمثلاً العربي الخفيف يحتوى على كميات أكبر من النافثا من العربي الثقيل)، وبحسب تطور المصفاة، فمثلاً تقوم المصافي غير المتطورة بتكرير نحو ثلث البرميل الخام إلى نافثا، بينما تستطيع المصافي الحديثة تحويل معظم البرميل الخام إلى نافثا ومشتقات أخرى أثمن من النافثا كالجازولين.
ما يهمنا الآن أن معظم منتجي البلاستيك في العالم يعتمدون على النافثا كلقيم غير مباشر، أي أن ارتفاع أسعارها عليهم سيرفع بكل تأكيد تكلفة إنتاجهم من البتروكيماويات وعلى الأخص تكلفة إنتاج الإيثيلين، إذ من المتوقع أن يستمر نمو الطلب العالمي على الإيثيلين إلى عام 2025م بنسبة 4 إلى 5 في المائة. كل هذا يعد صناعة البولي إيثيلين في المنطقة بكثير من الرخاء، والسبب في ذلك يعود إلى أن استخدام لقيم الإيثان المتوافر في المنطقة أجدى بكثير من استخدام النافثا، لأنه أرخص بكثير من لقيم النافثا، إذ يتراوح سعر الطن من الإيثان (المدعوم من الحكومات الخليجية) في المنطقة ما بين 40 و60 دولارا، بينما وصل سعر طن النافثا في الأسواق العالمية إلى 850 دولارا.
وبحسب الجدول، فإن إنتاج طن من الإيثيلين بواسطة الإيثان يحتاج إلى 1.2 طن إيثان، بينما نحتاج إلى نحو ثلاثة أطنان من النافثا لإنتاج طن من الإيثيلين، ما يعنى زيادة في التكلفة.
باختصار شديد، فإن المنطق يقول إن الأجواء الحالية ستقود إلى ازدهار الشركات البتروكيماوية الخليجية، خاصة تلك التي تنتج الميثانول والأسمدة والبولي إيثيلين، لأنها تعتمد على لقيم غازي الميثان والإيثان، اللذين لم يتغير سعرهما في منطقة الخليج العربي.
ويستطيع المراقب أن يرى أنه بينما تعانى الشركات البتروكيماوية الأوروبية والآسيوية من ويلات ارتفاع أسعار النفط، ما سيقودها حتما إلى رفع أسعار منتجاتها البتروكيماوية (بعض الشركات الأوروبية بدأت تغلق أو تبيع بعض الوحدات البتروكيماوية لديها لعدم جدواها اقتصادياً)، نرى أن الشركات الخليجية لا تعيش الصداع نفسه، وبذلك تكون الشركات البتروكيماوية الخليجية قد استفادت من ارتفاع أسعار البتروكيماويات بينما لم تعاني ارتفاعات حقيقية في أسعار التكلفة، ما يعنى صعود أرباحها بصورة خيالية، ومصائب قوم عند قوم فوائد.
طبعاً هذا التحليل ينطبق على المصانع القائمة ولا ينطبق على التوسعات أو المصانع الجديدة، لأن الجميع يدرك أن تكلفة أي بناء جديد قد ارتفعت بصورة هائلة بسبب ارتفاع الفولاذ والأيادي العاملة والمواد بشكل عام.