سوء الحال في الصومال

[email protected]

انطلقت الصومال إلى مجاهل الحرب الأهلية منذ أكثر من 18 عاماً وتجاهلها العالم الإسلامي والعربي والدولي تجاهلاً تاماً رغبة في أن يتم إطفاء نار الفتنة ولكنها زادت اشتعالاً بتعدد وجهات الحرب وأمراؤها وجبهاتها ـ أسرعت الولايات المتحدة منفردة لمحاولة وضع حد للحرب الأهلية وإقرار السلام إلا أن جهودها أصيبت بنكسة كبيرة بعد سحل بعض الأمريكيين في الشوارع مما دعا القوات الأمريكية إلي المغادرة السريعة ـ وحاولت الدول العربية إرسال قوات سلام إلا أنها لم توفق ـ وأرسلت منظمة اتحاد الدول الأفريقية قوات غير كافية وعلى استحياء لدرء مخاطر الحرب الأهلية من الانتشار واستعد أمراء الحروب وتجارها للانفراد ببعض الصومال فانفلجت الصومال إلى قطع متعددة صغيرة يديرها أمراء الحروب ويسيطرون على مواردها الغنية بالثروات الحيوانية والزراعية واشتغل بعضهم بالقرصنة البحرية التي مدت نفوذها إلى حدود اليمن البحرية وعمل سماسرة التهريب علي تهريب البشر إلي المياه الإقليمية اليمنية مما أرهق اقتصاد اليمن الضعيف أصلا في إسكان هؤلاء المهاجرين الفارين من نار الحرب وقسوة الأهل وشدة الظروف فراراً بأنفسهم من أتون الحرب ونيرانها ـ وفي خضم الكر والفر والإهمال التام من الدول المجاورة والإسلامية والعربية انطلقت المحاكم الإسلامية كحركة مقبولة من بعض السكان للاستيلاء على بعض الأجزاء ومنها العاصمة مقديشو وإحلال السلام والأمن في المرابع التي استولت عليها المحاكم الإسلامية وبرز الكثير من رجالها عازمين على إدارة البلاد بحكم رشيد وعقل سديد ونجم عن انهيار المحاكم الإسلامية فراغ سياسي وأمني لم تستطيع المحافظة عليه القوات الإثيوبية ـ وقد انفصلت مجموعة "منظمة الشباب" عن المحاكم الإسلامية واستأنفت تمرداً مسلحاً يتسم بالعنف المضاد للعنف وقد استولوا على ثماني بلدات صومالية في العام الجاري وهم يبسطون سلطاتهم على شطر من العاصمة وهم على خلاف اتحاد المحاكم الإسلامية، يعيثون فساداً في أنحاء الصومال وأصبح جنود الحكومة القليلون وضعيفو الولاء والسلاح مع القوات الإثيوبية أهدافاً لهؤلاء الشباب ـ كما دعت المملكة إلى مؤتمر للمصالحة يعقد في جدة ـ ودخلت بعض القوات الإفريقية لرعاية السلام وحفظ الأمن إلا أن تسلط القوات الإثيوبية وغزوها هذه الدولة الإفريقية العربية الإسلامية عضو الجامعة العربية خلط الأوراق في الصومال وهزمت القوة الإثيوبية المحاكم الإسلامية وهرب بعض رجالاتها إلى إفريقيا واليمن تحت غطاء من القوات الدولية وتتهم الولايات المتحدة أنها أعطت الضوء الأخضر للقوات الإثيوبية لغزو الصومال رغبة في إحلال السلام والعدل وكان الغرض الأمريكي الأساسي الانتقام وكذلك القبض على 12 فاراً من رجال القاعدة المتهمين بتفجير السفارتين الأمريكيتين في نيروبي وكينيا ولم يمكن اصطياد سوى مطارد وحيد هو أبو طلحة السوداني وفشل قتل المطارد الآخر الذي طاردته الطائرات الأمريكية حسن التركي ـ وقد نجحت الغارة الأمريكية التي حصلت على الصومال قبل يومين في القضاء على من يتهمونه بقيادة قوات الشباب الصومالية مع الانتماء للقاعدة ومن تسميه بعض المصادر زرقاوي الصومال آدم حاسي عيسى والملقب أيضا بالمعلم وقيادي آخر يدعي الشيخ محي الدين محمود عمر في ضربة عسكرية تتناولها الشبهات هل كانت غارة بالطائرات أو بصواريخ كروز من بوارج في المياه الإقليمية وقد باركت إثيوبيا هذه الغارة ـ كما تم الفشل الذريع في إنشاء حكومة وطنية تجمع الأهل وتلم الشمل إلا أن هذه الجهود باءت بالفشل ـ فقد فضل رئيس الجمهورية المعين البقاء في كينيا لأشهر ولم يستطع الدخول إلى العاصمة كما تغير رئيس الوزراء ثلاث مرات متتالية في حكومات شكلية لم تتجاوز سلطاتها العاصمة مقديشو وربما بعض أحيائها وظل الحال علي هذا المنوال وأخيراً طالبت بريطانيا بإرسال قوات دولية تحل محل القوات الإفريقية عديمة الفاعلية ـ وكان الأجدر بقوى التعالي العالمية المطالبة بإخراج القوات الإثيوبية الغازية من الصومال والبدء في مؤتمر مصالحة قوية تلم شمل الحطام والمستفيدين وأصحاب المصالح والمبادئ والاستعانة بخبرات المحاكم الإسلامية التي كان زمانها المحدود هو أفضل الأزمنة المتأخرة التي عاشتها الصومال ـ كما أن على جامعة الدول العربية أن تخصص جزءا من زياراتها الروتينية للبنان وسورية إلى العاصمة مقديشو وجلب أصحاب الحل والعقد إلى مصر أو المملكة للوصول إلى حلول عملية لهذه المشكلة الأزلية ـ إن عقد اجتماع عربي إسلامي وربما بغطاء دولي للمصالحة وضمان تنفيذها يصل إليه المجتمعون على الأرض بقوات دولية وضمانات محلية مع المشاركة الفاعلة لمنظمة المؤتمر الإسلامي التي هي الأخرى كانت غائبة عن هذه المشروع التصالحي للصومال، إن الاهتمام بالحالة الصومالية وإيجاد الحلول الفاعلة لها لهو واجب كل عربي ومسلم حقناً للدماء وإحقاقا للأمن والسلم والعدالة ومن ثم مشاركة هذا البلد الغني في إمداد المنطقة بالغذاء والمنتجات الزراعية والحيوانية التي اشتهرت بها هذه البلاد ـ إن المشكلة الصومالية تجاهلتها كثير من المؤسسات الدولية والإسلامية والعربية رغبة ربما في أن يتعب المحاربون ويعودون إلى رشدهم إلا أن استمرارهم في الغي والسلب والنهب وقتل الأبرياء وتشريد الآلاف أمر يدعو إلى مسارعة الاهتمام بهذا البلد الغريق ـ إن الظروف الإنسانية التي تعيشها الصومال بعد مقتل ثلاثة من أطباء بلا حدود وخطف الجماعة المسلحة عالمين كيني وبريطاني، أدت إلى مغادرة بعض المنظمات الإنسانية بعد الاستيلاء على قوافل الغذاء بالقوة وتصنف الأمم المتحدة أزمة الصومال الإنسانية بين أقسى الأزمات المعروفة ـ ومن الجدير بالذكر أن الروابط العربية والإسلامية مع الصومال قديمة قدم التاريخ فقد كانت تجارتها مع مصر منذ قرون مزدهرة وانتشر الإسلام فيها سريعاً وهاجر إليها من اليمن السعيد بعض المهاجرين الذين ساعدوا على نشر السلم والسلام والإسلام ـ ثم جاء الاستعمار الإيطالي ليسيطر علي هذا البلد المعطاء ولحقه الاستعمار الإنجليزي للاستيلاء على الجزء الآخر، وقد استقل الصومال من الاستعمارين في عام 1960، وأصبح موحداً وجاء إلى الحكم الرئيس محمد زياد بري الذي سيطر بيد من حديد علي الصومال واقترب من الاتحاد السوفياتي كثيراً في عام 1970م الذي زوده بالسلاح ، وقد حاول في عام 1977 استعادة منطقة أوجادين المتنازع عليها مع إثيوبيا ، حيث عاونت القوات والطيران الكوبي والروسي الإثيوبيين في هزيمة الجيش الصومالي وما زالت منطقة أوجادين منطقة نزاع بين الدولتين، وقد انهارت حكومة زياد بري في عام 1991 وانطلقت الصومال بعدها إلى مجاهل الحروب، حيث فشل الصوماليون منذ ذلك التاريخ في الاتفاق على حكومة أو شكل موضع اتفاق الحكم ، وقد تم اختيار الرئيس عبد الله يوسف أحمد رئيساً وظل في كينيا المجاورة معظم الوقت، وقد كان قائداً للجزء الذي يدعي الاستقلال وهو بونت لاند ـ كما يرأس مجلس الوزراء السيد نور حسن حسين الذي رشح رئيساً للوزراء في عام 2004 ـ وعدد سكان الصومال نحو عشرة ملايين والديانة الغالبة هي الإسلام واللغات المتداولة العربية ـ والصومالية والإنجليزية والإيطالية ـ وقى الله الصومال كل عثرة ـ والله المستعان .

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي