رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


ألا تكفي الشواهد الماثلة أمامنا لتعديل سعر صرف الريال؟

أكاد أجزم أنه لا أحد من ذوي الاهتمام الاقتصادي, ناهيك عن المسؤولين عن هذا الشأن في المملكة, كان يظن أن وضع الدولار سينحدر إلى ما وصل إليه, ساحبا معه الريال المربوط به, أو كان يظن أن الوقت سيطول على هذه الموجة من الانحدار قبل أن تبدأ في الانحسار, وإلا لتغيرت المواقف والرؤى والأفكار, إذ لا أحد يرضى أن تتناقص موجوداته ومدخراته, سواء رقما أو فعلا, عن طريق فقد جزء كبير من قيمتها, وهو واقف ينظر إليها تتبخر, دون أن يقوم بأي إجراء, إلا أن يكون عديم الرؤية أو فاقد القدرة على اتخاذ قرار التصرف.
سبق أن كتبت عن الموضوع في (صحيفة "الاقتصادية" 19/9/1429هـ) وقلت ما ملخصه إن فك ارتباط الريال بالدولار أمر غير وارد ما دام البترول يباع بهذه العملة, ودخل المملكة الرئيس منه يأتي بها, لكن الذي يجب عمله والتحرك فيه هو تعديل سعر صرف الريال بالنسبة إلى الدولار رفعا من قيمته الحالية, والآن أشعر بأن هذا المطلب غدا أكثر إلحاحا في ظل المعطيات القائمة وما استجد منها أخيرا.
فالدولار ماض في انحداره إلى أن وصل ما فقده إلى ما يقرب من 40 في المائة من قيمته, ومعه عملتنا بالتبعية, ويلمس هذا بوضوح كل من يعيش على أرض المملكة, وكل مقيم يذهب في نهاية الشهر إلى البنك لتحويل دخله إلى بلده, كما يلمسه ويكتوي بتأثيره فئة من المواطنين العاملين في الخارج, ناهيك عن الحكومة من جهة تكاليف عقودها ومشترياتها.
والمملكة بلد مستورد لمعظم احتياجاته التي تُموّل بعملات المناطق المستوردة منها, وقد أثر هذا تأثيرا بالغا في معيشة المواطن العادي ورفع تكلفتها, بما لا يقل عن 40 في المائة, كنتيجة لارتفاع مكونات المعيشة ذات المصادر الزراعية بنسبة من 47 إلى 85 في المائة, كما جاء في كلمة خادم الحرمين الشريفين أمام اجتماع المنظمة العربية للتنمية الزراعية (صحيفة "الحياة" 24/4/1429هـ).
وكل المعطيات الآن تقف مع أهمية دعم مكانة الريال اقتصاديا, فرغم وجود ما يعزز هذه المكانة من توافر التغطية الآمنة من العملات والمعادن, ووجود فوائض كبيرة في الموازين التجارية, وتوافر كم هائل من العملات الصعبة, إلا أن نقاط الأفضلية هذه تتلاشى مع انحباس الريال ضمن نطاق سعري يشعرك بأنه بعيد عن القيمة الحقيقية له.
هذه مقدمة لما أحاول الخروج به من تحليل للصمت الذي يحيط بهذه المشكلة, بعد أن وصل تأثيرها السلبي إلى كل بيت وكل جيب, وإذا سلمنا بأنه لا بد لكل قرار وكل علاج من تأثيرات سلبية وإيجابية, لوجب علينا طرح كل جانب منها, ثم تغليب ما يتماشى في النهاية مع مصلحة الوطن والمواطن على المديين القريب والبعيد, وهو ما أحسب أنني أحاول فعله في الأسطر التالية:
1 ـ إن دخل المملكة من البترول سينقص إذا تم تعديل سعر صرف الريال بالرفع, فلو قلنا إن سعر الدولار مثلا سيكون 3.25 ريال بدلا من 3.75 كما هو, فإنه سينقص نصف ريال في قيمة كل دولار يحول إلى خزانة الدولة, والمحصلة أن مجمل دخل المملكة سيتأثر بقدر ما يكون عليه التغيير في سعر الريال, لكن هذا التأثر هو في الرقم فقط, يقابله ارتفاع في قيمة الريال الشرائية, سواء على المستوى الحكومي أو الفردي, وسيفوق تأثير هذا العامل النقص في الدخل رقما, لأن مضمونه لا يقتصر على الجانب المادي, بل يتعداه إلى الجانب المعنوي المتمثل في رضا المواطن وشعوره بأن الدولة قريبة منه, ومن ثم فإن المكسب سيكون مضاعفا.
2 ـ إن قيمة الاستثمارات في الخارج سواء الحكومية أو الفردية بالدولار ستتأثر عندما يحاول صاحبها إرجاعها إلى الريال فيما لو تغيرت قيمته, لكن من المعروف أن معظم هذه الاستثمارات هي استثمارات طويلة الأجل, وسيحتفظ بها صاحبها ربما إلى وقت تعود فيه الدورة الاقتصادية ويستعيد فيه الدولار شيئا من مكانته التي فقدها, ثم إن أصحاب هذه الاستثمارات يعلمون سلفا أن سعر الريال بالنسبة إلى الدولار كان غير ثابت خلال العقود الماضية, وأنه تعرض لإعادة التقييم عدة مرات دون أن تحدث تأثيرات سلبية كبيرة, فضلا عن أن مسألة اختيار مجال الاستثمار والعملة التي يدار بها هي أحد العوامل المحسوبة عند اتخاذ قرار الاستثمار.
3 ـ هناك الصادرات التي يقال إنها قد تتأثر في حال زيادة سعر صرف الريال, وربما بالتالي تواجه بعض الصعوبات في التسويق خارج المملكة, وهذا الرأي ينادي به من يستطيعون إسماع صوتهم إلى الحكومة, في ظل غياب الصوت الآخر للمواطن المكتوي بنار الغلاء التي يقف في مقدمة أسبابها ضعف الريال, بيد أن صاحب نظرة شمولية فاحصة لا يمكنه التسليم بهذه المقولة على حساب التضحية بمصلحة بلد بأكمله, فالصادرات لا تشكل إلا جزءا يسيرا من حجم الاقتصاد ككل, وهي مدعومة قبل أن تولد إلى ما بعد وصولها إلى المستورد لها, وهذا الدعم يوفر لها الفرصة للمنافسة, والتغلب على ما قد يكون هناك من أثر لرفع قيمة الريال عند حدوثه.
4 ـ لقد اجتمعت على المواطن ظروف زادت من قسوة الحياة عليه, فإلى جانب ضعف القيمة الشرائية للريال, حدثت موجة الغلاء المستعرة في المنتجات الغذائية على مستوى العالم, لأسباب عديدة, منها نقص الإنتاج بتأثير التقلبات المناخية والتوجه إلى استخدام بعض المنتجات لإنتاج الوقود الحيوي, هذا إلى جانب الزيادات المفتعلة الإضافية من قبل بعض المستوردين والتجار لدينا, التي أضافت هامشا آخر إلى الزيادة في تكاليف المعيشة, وهذا كله يوجب على الحكومة النظر بجدية إلى هذا الأمر, ما دامت الحلول في متناول اليد.
5 ـ إن هذا الوقت يعد أنسب الأوقات لاتخاذ قرار تعديل قيمة الريال, إذ إن التأثيرات السلبية لانخفاض قوة الريال في أوجها, وما نتج عنها من الارتفاع في تكاليف المعيشة لم يعد لعامة الناس قدرة على استمرار تحمله, ودخل الدولة من البترول في أوج ارتفاعه, ولا سيما هذا العام بالذات, الذي تشير التقارير إلى أنه سيكون هناك فائض في الدخل يفوق 400 مليار ريال (صحيفة "الرياض" 25/4/1429هـ), ولو فرض أن هذا الفائض انخفض بفعل تعديل قيمة الريال, فإن تأثير الانخفاض سيكون شكليا وفي الأرقام فقط, يقابله توفير ما يعادل أضعاف هذا الفرق في صورة ما سيوفره المواطنون والحكومة ذاتها في قيمة تكاليف حياتهم ومشترياتهم, ذلك أن ما يدفع من فروق في الأسعار على المستويين العام والخاص الآن يفوق أي انخفاض قد يجلبه أي قرار يتخذ لإصلاح الوضع. والله من وراء القصد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي