رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


أزمة الغذاء: العودة 200 عام إلى الوراء

[email protected]

بدأت الدول الكبرى والمنظمات الدولية الاهتمام بأزمة الغذاء جراء ارتفاع الأسعار في المواد الرئيسية كالحبوب والأرز، وكأن هذه الأزمة لم تبدأ إلا خلال العام الحالي. رغم أن العوامل التي أدت إلى الارتفاع كانت إرهاصاتها واضحة المعالم عندما بدأت بعض الدول كالبرازيل والولايات المتحدة في استخدام الوقود الأحيائي الذي يعتمد على قصب السكر والذرة في استخراج الميثانول للاستخدام في الوقود بديلاً عن النفط. حيث شجع الرئيس جورج بوش في خطابه الشهير في شباط (فبراير) 2006، (إدمان أمريكا النفط) على إيجاد بدائل أخرى ومنها استخدام الوقود الأحيائي باستخدام الذرة في استخراج الميثانول. إضافة إلى أن ارتفاع مداخيل دول كالصين والهند في الأعوام الفائتة، خصوصاً بعد سنة 2000، قد غير من طريقة وكمية استهلاكها للغذاء، وهم الذين يشكلون نحو ثلث سكان العالم. لذا فقد وقعت المشكلة بشكل يصعب حلها الآن، ليبقى نجاح الحلول المطروحة مرهونا بالزمن المصاحب للتغير التكنلوجي والنمو السكاني وتغير عادات الناس الغذائية في المدى المتوسط والطويل.
والمؤسف له أن اقتصاديي العالم وصانعي القرار يتجاهلون حقائق اقتصادية أهمها ما كتبه الاقتصادي الشهير ماثيوس ريكاردو سنة 1798م، حيث أشار إلى أن نمو الرخاء السكاني إذا تزايد بصورة أسرع من نمو الإنتاج الغذائي، فإن النتيجة الطبيعية هو انتشار الفقر والجوع. ورغم أنه كان متفائلاً بأن التقنية في الاستخدام الزراعي ستؤدي إلى مقابلة احتياجات النمو السكاني وبالتالي فإن التقنية والإبداع الإنساني سيؤجلان أي انهيار في نمو الاقتصاد، وهو ما حدث عبر العقود منذ كتابة ريكاردو نظريته الشهيرة تلك. إلا أن ما لم يدركه ريكاردو ويدركه صانعو القرار بأن يتحول الغذاء من وقود لإشباع الناس إلى وقود لإشباع سيارات الناس وآلاتهم ليتحول مئات الملايين من الناس إلى الجوع والفقر المدقع بصورة كارثية، ما لم تتدارك تلك الدول خطئها الفادح في سوء استخدام مصادر الطبيعة لغير استخداماتها التي استهدفها الخالق. فالحبوب والزراعة وجدت لإشباع الناس أولاً، ثم لاستخدام عناصرها الأخرى والفائضة لحيواناتهم وأنعامهم، وليس لآلاتهم ومعداتهم. الأمر الذي يجب أن يتداركه اجتماع الدول الثمان الأكبر في العالم في تموز (يوليو) المقبل. فالغذاء لن يكون بديلاً ولا شبه بديل للنفط كمصدر للطاقة، ولن تكون بدائل الطاقة الأخرى كالهيدروجين واليورانيوم بديلاً للنفط في المستقبل المنظور ولا حتى في الـ 100 عام المقبلة. ولم يبق أمام تلك الدول إلا التفكير الجدي في حل المشاكل التي أدت إلى ارتفاع الأسعار ومنها استمرار تعمد خلق الصراعات والقلاقل في الدول المصدرة للنفط، وعدم مراقبة صناديق التحوط التي تستغل عدم الاستقرار وعدم الكفاءة والفاعلية في استهلاك النفط لدفع أسعار النفط إلى أعلى.
ناهيك عن أننا يجب أن نتعامل مع مشكلة النفط ومصادر الطاقة الأخرى لخدمة الإنسانية كما تعامل ريكاردو منذ 200 عام مع الغذاء والإنسان، بإيجاد التقنية التي تسهم في زيادة إنتاج النفط – بدلاً من تخزينه الاستراتيجي من قبل الدول الصناعية – لخدمة الاقتصاد العالمي، وليس لخدمة الدول الصناعية وحدها. إذ إن الدول المنتجة والمصدرة للنفط – حتى التي لها عداء مع أمريكا مثل فنزويلا وإيران- لم توقف تصدير النفط للسوق الأمريكية أو أية أسواق أخرى، ولن تقدم على ذلك مستقبلاً مادام الاستقرار العالمي هو الهدف الأسمى لكل الدول والشعوب. فقد أثبت التاريخ أن العالم قرية واحدة تعمل منظمة التجارة الدولية على تنظيمه وتسهيل حركة التجارة بين كل الشعوب وكأنها تؤدي الدور الذي نادى به كلاسيكو علم الاقتصاد ريكاردو وآدم سميث منذ أكثر من 200 عام. لذا فإن ما أدعو إليه هنا هو العودة إلى الأساسيات واستخدام المصادر الطبيعية فيما خلقت له حفاظاً على توازن الطبيعة التي أوجدها الخالق سبحانه وتعالى. وهو الأمر الذي أدركه كلاسيكو الاقتصاد ولم يدركه ساسة العصر.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي