رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


نهاية وشيكة لعصر النفط

[email protected]

بتجاوز أسعار النفط الـ 100 دولار ومقاربتها الـ 120 دولاراً خلال الأسبوع الماضي يبرز تساؤل عن مدى إمكانية استمرار أسعار النفط في الارتفاع وبلوغها الـ 200 دولار مثلاً. كل شيء ممكن، لكن ما يسترعي الانتباه هو التسارع الكبير في ارتفاع الأسعار، حيث لم تتجاوز الفترة التي تطلبها ارتفاع سعر برميل النفط بمعدل 20 دولاراً الشهرين فقط، بينما تتطلب ارتفاع سعر النفط وكسره حاجز 100 دولار عشرات السنين. وهذا يؤكد ما ذهب إليه الكثير من المتخصصين في اقتصاديات النفط أنه متى ما تجاوز سعر البرميل الـ 100 دولار فسيتسارع الارتفاع بشكل لم يسبق له مثيل. لكن كلما ارتفع سعر النفط إلى مستوى قياسي جديد كان من الأجدى لنا أن نستعد لما هو الأسوأ، وهو تراجع الاعتماد على النفط كمصدر للطاقة وبشكل متسارع أيضاً. حيث سيزداد الطلب على بدائل النفط المتوافرة حالياً كالوقود الأحيائي والطاقة النووية والطاقة الكهرومائية وغيرها. إذ إن ارتفاع سعر النفط إلى مستويات قياسية جديدة يشجع الكثير من الدول على اعتماد هذه الأنواع من الطاقة لظهور جدواها الاقتصادية وبما تحققه من كفاية واستقلالية في مجال الطاقة.
ومن أبرز المصادر التي يزداد الاعتماد عليها حالياً الوقود الأحيائي (الإيثانول) المستخرج من النبات. فهذا المصدر يزداد الاعتماد عليه بشكل كبير في الولايات المتحدة وأوروبا وبشكل أكبر في البرازيل التي تخطط للتحول للاعتماد الكلي على الوقود الأحيائي. ويمثل هذا التحول بالنسبة للبرازيل دعماً قوياً لاقتصادها كما يمثل لها ميزة نسبية إذ يتم استخلاص الإيثانول من قصب السكر والذي يمثل أفضل المصادر للوقود الأحيائي. في الولايات المتحدة يستخرج الإيثانول من الذرة التي يمثل إنتاجها ميزة نسبية هناك لكنه أقل بكثير من الإيثانول المستخرج من قصب السكر. وقد ازداد إنتاج الإيثانول في الولايات المتحدة من 38 إلى 154 مليون برميل، فيما بين عامي 2000 و2007 مما يدل على تزايد الاعتماد عليه كمصدر للطاقة. المشكلة التي برزت وستؤدي إلى تقلص الاعتماد على هذا النوع من الطاقة هو تأثيرها الكبير في إنتاج الغذاء، إذ أدت إلى ما يشهده العالم من ارتفاع في أسعار السلع الغذائية.
المصادر الأخرى تزداد أهميتها أيضاً لكن لكل منها إما آثاره السلبية في البيئة أو أن هناك مشاكل تقنية تعوق عملية التوسع في الاعتماد عليه. مثال ذلك الطاقة الشمسية التي تتميز بأنها تأتي من مصدر متجدد غير محكوم بمنطقة جغرافية محددة، ولا يقع تحت تحكم أي شخص. لكن المشكلة في أن التوسع في الاعتماد على الطاقة الشمسية يعتمد بشكل كبير على التقدم في تقنية الخلايا الضوئية التي تستخلص هذه الطاقة. إذ تصنع هذه الخلايا من مادة السيليكون التي تستخدم بشكل واسع في صناعات أخرى مما يعني اعتماد هذه التقنية على مصدر غير متجدد. الطاقة النووية مشكلتها أنها لا تحقق الاستقلالية بسبب الحاجة إلى استيراد الوقود النووي المخصب، كما أنها تتميز بالتكاليف الرأسمالية العالية ومخاطر التشغيل الكبيرة. إذاً حتى الآن لا تشكل مصادر الطاقة تلك تهديداً حقيقياً للنفط لأنه يمثل في مواجهتها المصدر الأمثل للطاقة، لكن تزداد جدوى الاعتماد عليها كلما ارتفعت أسعار النفط.
لكن هناك حالياً مصدرا جديدا تحت التجربة إن كتب له النجاح فإنه سيغير وجه التاريخ وستنتج عنه طاقة بكميات كبيرة وبموارد طبيعية متوافرة في الطبيعة بشكل كبير وهو الهيدروجين كما أن الناتج عنه هو عبارة عن مادة الهيليوم التي يمكن ضخها في الهواء مرة أخرى دون أن تسبب ضرراً على البيئة. والمشروع الذي تعمل عليه أوروبا منذ 15 عاماً عبارة عن معمل فيزيائي ضخم بشكل حلقة مغناطيسية يبلغ طولها قرابة الـ 27 كيلو مترا وبعمق 100 متر تحت الأرض ويمتد في كل من الأراضي الفرنسية والسويسرية. وتتمثل فكرة المشروع بمحاولة إحداث اصطدام لبروتونات الهيدروجين بعد ضخها بسرعة تقارب سرعة الضوء بهدف حل أكثر الألغاز تعقيداً في علم الفيزياء، فيما يطلق عليه الجانب المظلم من المادة والكون والذي يشكل 96 في المائة من علم الفيزياء. هذه التجربة إن نجحت ستقفز بعلم الفيزياء إلى مرحلة جديدة بالكامل وستؤدي إلى إحداث ثورة في جميع المجالات العلمية. ومن أهم المجالات التي يمكن أن تتأثر بهذه التجربة مصادر الطاقة إذ يتوقع أن ينتج عن ذلك الاصطدام طاقة كبيرة جداً يمكن استخدامها كمصدر آمن ومتوافر للطاقة، الأمر الذي يمثل تهديداً فعلياً لكل مصادر الطاقة الأخرى وأولها النفط. هذا يعني أن البديل للنفط مقبل خلال الـ 20 سنة المقبلة على أكثر تقدير، مما يطرح علامة استفهام كبرى حول ما سيؤول إليه موقعنا على الخريطة الاقتصادية للعالم خلال العقود القليلة المقبلة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي