حكايتي مع كتاب

حكايتي مع كتاب

عندما هاتفني المسؤول عن هذه الصفحة مشكوراً لأكون ضيفاً على هذه الزاوية ـ وأتمنى ألا أكون ثقيلاً ـ لم أكن أعلم في البداية ما المطلوب بشكل دقيق، ففكرة كتابة ذكريات عن كتاب، بقدر ما هي فكرة جميلة، إلا أنها لم تكن بتلك السهولة التي كنت أتخيلها, لعدة أسباب، منها أن النسيان آفة الإنسان، ومنها أنه قد لا تكون هناك مواقف تستحق الذكر، أو ذكريات مناسبة للنشر, حدثت بين المؤلف وكتابه المختار.
وحتى لا أطيل وأسهب في الحديث خاصة أن حجم المادة المسموح بها في هذه الزاوية، لا يزيد على 700 كلمة، فسأدخل في صلب الموضوع.
كاتب هذه السطور له في المكتبات مجموعتان قصصيتان، هما "جنط شارع التحلية"، و"صانع الدمى". وقد وقع اختياري على الثانية, ليس تفضيلاً لها على الأولى، بل لأن الجديد له خطوة خاصة, وقد سمعت مرة طرفة تقول: إنك إذا رأيت مؤلفا يتكلم عن أحد كتبه، فإما أن الكتاب جديد أو أن المؤلف نفسه.. جديد!!
وقبل أن أدخل في تفاصيل الحكاية، أحب أن أشير إلى أن أغلب القصص الواردة في المجموعتين قد بدأت بحدث مر به المؤلف، أو قرأ عنه، أو سمع به، وهو ما أسميه بـ "اللقطة"، فالحدث الأساسي لأي قصة عبارة عن فلاش لكاميرا سريعة تومض في الذهن بتحريض من أسباب عدة، سواء بالمعاناة المباشرة، أو التأثر بمعاناة عاشها الآخرون، ثم يبدأ القلم بالكتابة مستلهما هذه اللقطة, ثم وفي لحظة ما ينطلق بحماس وسهولة لينهي بناء قصته، وهذا ما حدث بالضبط مع كاتب هذه السطور.

مجموعة قصصية قابلة للانفجار!!
من القصص الطريفة التي عشتها مع مجموعة "صانع الدمى" هو ذلك الاتصال العجيب الذي تلقيته من سكرتير دار النشر, إثر عودة المخطوط من وزارة الإعلام, فبعد التحية والسلام طلب مني الحضور نظراً لأن مقص الرقيب رأى أن هناك أشياء لا يمكن أن تنشر!!، وأذكر أنه قال لي وبالحرف الواحد: شكلك "حطيت" فيها قنابل!!
وبقدر استغرابي من هذه الجملة، حيث إني أعتقد أني لم أتجاوز الخطوط الحمراء، فقد بدأت أفكر: "ماذا لو أن الكتاب منع؟!.. ماذا سأفعل؟!.. هل أغير من لغته ومحتواه حتى يسمح بنشره؟! وهذا غير مقبول طبعا بالنسبة لي.. أم سأتجه به خارج المملكة؟!.. أم أني سأتوقف عن الكتابة مكتفياً بما أصدرته سابقاً؟! أم ماذا؟!".
وما إن وصلت إلى دار النشر بعد فترة، حتى عرفت أن ما طلب الرقيب حذفه، هو بعض الكلمات التي لن تؤثر في الفكرة العامة للقصص، ففعلت ذلك دون معارضة، بما أنها غير مؤثرة في السياق العام للكتاب, وحمدت الله على أن "القنابل" لم تكن سوى مزحة طريفة, أو أريد لها أن تكون كذلك.
أما ذكرياتي خلال فترة الكتابة فتبدأ مع قصة "أيام في باريس"، من مجموعة "صانع الدمى"، والتي ولدت فكرتها من خلال موقف طريف حدث لي مع أحد الأصدقاء في مدينة دبي، فقد كنا جالسين، كما يقال "في أمان الله لا حوالينا ولا علينا"!!، إذ بشخص سعودي الجنسية بشماغ وثوب قد هبط علينا فجأة، وبدأ يتكلم عن ظروفه وأنه بحاجة إلى المال... إلخ، وأخرج لنا بطاقة أحواله المدنية، لإعطائنا مزيداً من المصداقية، إلا أنه وعلى الرغم من جميع المواثيق التي قدمها، كان ذا هيئة لا توحي بالاطمئنان, وأذكر أننا لم نتمكن من الفكاك منه، إلا بحدوث مشكلة في بهو الفندق، انتهت بمشادة كلامية بين مجموعة من الأشخاص أدت إلى تجمهر الناس حولهم، وفي خضم هذا الوضع انتهزنا الفرصة وهربنا بعيداً عن الرجل، وبقدر ما كان هذا الحدث مزعجا ومملاً في حينه، فقد صار فيما بعد حدثا طريفاً نرويه لأصدقائنا متى ما سنحت الفرصة.
ومرت الأيام والسنون، وبقي هذا الحدث، أو ما يمكن تسميته أدبياً بـ "اللقطة" نائما بهدوء داخل عقلي، ولا أعرف كيف جاءت تلك اللحظة التي انبعثت فيها من مرقدها ثانية, فكتبت قصة "أيام في باريس"، ذات الطابع الساخر, والذي أرجو أن أكون نجحت في إيصال روحها ومحتواها للقارئ الكريم.
موقف آخر حدث لي انتهى بكتابة قصة "إليه فقط"، فقد كنت خارجاً من المنزل، وإذ بشخص يقابلني ويسألني عن أحوال الوالد ـ حفظه الله ـ شاكراً أفضاله عليه، ويوصيني بالسلام عليه، فأحسست بارتياح وفخر، إضافة إلى شعور قوي بالذنب لتقصيري تجاهه وتجاه والدتي, وتبادرت إلى ذهني قصة الرجل الذي حمل والدته على أكتافه وحج بها، فقابل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وسأله ـ أي الرجل ـ بما معناه هل بررت بها بذلك؟، فقال عمر رضي الله عنه ـ بما معناه ـ أنك مهما فعلت لم تجز ولا طلقة واحدة من طلقات الحمل.. وانتهى الأمر بي بكتابة هذه القصة.
وختاما..
أقدم شكري لجريدة "الاقتصادية" على إتاحة هذه الفرصة لي للتواصل مع القراء الكرام، وكذلك إدارة النشر في مكتبات العبيكان على جهودها معي وتشجيعها الدائم لي, داعيا للجميع ولكاتب هذه السطور بالتوفيق وحسن الختام.

خالد الذييب

الأكثر قراءة