رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


طغى الغلاء والسيطرة مطلوبة

 [email protected]

 
الغلاء ينهك جسدنا الاقتصادي، المنهك أصلا بالبطالة وعدم كفاية الخدمات التعليمية والصحية والبلدية، وضياع مدخرات الناس في كارثة انهيار سوق الأسهم. في السنوات الأخيرة، أمست الأزمات الاقتصادية تلاحقنا بشكل متواصل واحدة تلو الأخرى، فأرهقت الناس وأتعبتهم، حتى بات المرء يظن أننا لا نعرف للتخطيط سبيلا، ولا للحلول منفذا وطريقا، وكأننا نسير بلا هدى ولا كتاب منير.
نشتكي اليوم من الغلاء مر الشكوى، وكنا قبلها ومازلنا نشتكي من انتشار البطالة وسط أبنائنا. وبينما تؤثر البطالة عادة في حياة فئة العاطلين في المجتمع، يؤثر التضخم في حياة الجميع! فكيف إذا اجتمعت المشكلتان معا؟ لذلك لا غرابة أن نسمع عن زيادة حوادث السرقة والسطو، حتى وصلت إلى حديد أبراج الكهرباء، وأغطية الصرف الصحي، وقضبان السكك الحديدية! وكلما طال أمد هذه المشكلات واتسع نطاقها وتأخر حلها، كانت الأضرار أكثر والتكاليف اقتصاديا واجتماعيا أكبر! لذا كان الغلاء من أكبر المظالم بين الناس، لأنه يؤثر في الضعفاء أكثر من الأقوياء، ويأخذ من الفقراء ويزيد في ثراء بعض الأثرياء. وقد جاء في المأثور من جوامع الدعاء الاستعاذة من الوباء والغلاء، ومن المحن ما ظهر منها وما بطن!
 
في عام 2006م حذرت من خلال عدة مقالات، من الاستهانة ببوادر مشكلة التضخم ولم يلق تحذيري حينها آذانا صاغية، بل لقي أصواتا نافية ومستنكرة! وها نحن نجني حصاد عدم توقع ما كان متوقعا .. غلاء يضرب في كل اتجاه، في الغذاء والكساء ومختلف السلع والخدمات، حتى وصل أثره إلى مواد البناء، فزاد من مشكلات قطاع العقار والإسكان. وهو القطاع المصاب أصلا بعدد من المشكلات الهيكلية والتنظيمية القديمة، حتى بات حالنا اليوم ينذر ببوادر أزمة إسكانية محققة إن لم نسارع بإنقاذ الموقف.
من مضار التضخم الخطيرة أنه يحدث تخريبا في العلاقات والتعاقدات الاقتصادية فيؤدي إلى تعطيل المشاريع. لاحظنا أخيرا كيف أصبح المستحقون لقرض صندوق التنمية العقاري يعزفون عن تسلم قروضهم، لأنهم صاروا غير قادرين على مجاراة ارتفاع أسعار مواد البناء. ولحق بهم المقاولون الذين باتوا يواجهون خطر الإفلاس والخروج من المهنة، لتعثر كثير من مشاريعهم مع هذه التغيرات الحادة والعنيفة في أسعار الحديد ومواد البناء الأخرى، بسبب عدم وجود آلية لمعالجة مشكلة زيادة الأسعار بعد التعاقد. وبدأنا نسمع أن بعض المقاولين يعانون بالفعل خسائر قد تتجاوز 30 في المائة بعد أن كانوا يأملون تحقيق أرباح في حدود 15 في المائة! 
أما سوق العقار، فإنها تنذر بكارثة شبيهة بكارثة سوق الأسهم، كما أشارت "الاقتصادية" الأسبوع الماضي. إذ يعتقد بعض الخبراء أن سوق العقار قد يصاب بخسائر تصل إلى أكثر من 25 في المائة من حجم السوق البالغ نحو ثلاثة تريليونات ريال، إذا حصل تراجع سريع في الأسعار، بعد خروج هوامير سوق العقار منه.
مازلت أعتقد أن تضافر هذه العوامل يدفع نحو ضرورة إعادة النظر في مسألة زيادة المرتبات والأجور، وكذلك في مسألة رفع سعر صرف الريال مقابل الدولار. لا أحبذ التدخل في قوى السوق طالما أنها تعمل بكفاءة وحرية، لأن ضرر التدخل قد يكون أكبر من نفعه. لكن في مثل هذه الظروف الاستثنائية وفي ظل وجود درجات من الاحتكار في أسواق بعض السلع، فقد نحتاج مضطرين إلى إجراءات استثنائية مؤقتة، خاصة في السلع المهمة المؤثرة في حياة الناس. ونحن نأمل أن تتوصل اللجنة الوزارية التي شكلت أخيرا من خمس وزارات، إلى سياسات وآليات معقولة وعملية للسيطرة على الأسعار، وسد النقص في عرض بعض السلع، ومنع تصدير ما تشتد إليه الحاجة المحلية منها، ولو بصفة مؤقتة. طغي الغلاء والسيطرة مطلوبة.
 
أستاذ الاقتصاد، جامعة الملك عبد العزيز

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي