رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


السياسة المالية.. التجربة الأرجنتينية (2 من 2)

[email protected]

فجوات السياسة المالية كفيلة بتغيير حالة اقتصاد وطني طموح من مرحلة نهضة تنموية شاملة إلى مرحلة ركود اقتصادي عام في غضون سنوات قليلة. تلك هي تجربة الاقتصاد الأرجنتيني خلال عقد التسعينيات الميلادية من القرن الماضي.
تطرق المقال في قسمه الأول إلى إسهام برنامج الإصلاح الاقتصادي الشامل الأرجنتيني في تذبذب نمو الاقتصاد الأرجنتيني خلال عقد التسعينيات الميلادية من القرن الماضي على الرغم من طموح أهداف البرنامج بسبب ثلاث فجوات في السياسة المالية و انعكاسات هذه الفجوات على ربحية السلع الأرجنتينية الموجهة للأسواق المحلية، الإقليمية، والعالمية.
الفجوة الأولى منهجية مجلس العملة النقدية الإشرافية والتنفيذية في إدارة ارتباط البيسو الأرجنتيني بالدولار الأمريكي. والفجوة الثانية تراجع قيمة الدولار الأمريكي مقابل العملات العالمية الأخرى. والفجوة الثالثة تواضع التنسيق التجاري البيني مع جارة الأرجنتين وشريكها التجاري الرئيس، البرازيل.
وضعت هذه الفجوات الثلاث برنامج الإصلاح الاقتصادي الشامل الأرجنتيني أمام تحديين. التحدي الأول بلوغ الحكومة الأرجنتينية حدها الائتماني لدى المصارف الأرجنتينية بسبب استنفاد هذا الحد في تمويل برنامج التوسع في الإنفاق الحكومي. والتحدي الثاني امتداد للتحدي الأول والمتمثل في عدم تجاوب المصارف الأجنبية لتوفير التمويل اللازم لدعم الصادرات الأرجنتينية للأسواق العالمية.
انعكست هذه التحديات الاقتصادية بالسلب على ثقة المواطن الأرجنتيني والمستثمر الأجنبي في متانة الاقتصاد الأرجنتيني. فبدأ المواطن الأرجنتيني حملة تحويل ما يقرب من 15 مليار دولار أمريكي من سيولته في المصارف الأرجنتينية إلى مصارف خارجية أكثر أمناً، ومهدداً بهذا التحويل مستوى السيولة النقدية في المصارف الأرجنتينية. وبدأ في الوقت ذاته المستثمر الأجنبي في تحويل استثماراته من الاقتصاد الأرجنتيني إلى اقتصاديات أخرى أكثر تنافسية، مهدداً بهذا التحويل مستوى البطالة.
شكل هذان السلوكان من المواطن الأرجنتيني والمستثمر الأجنبي تحديا ثالثا أمام برنامج الإصلاح الاقتصادي الشامل الأرجنتيني. تمثل التحدي في توقف برنامج معالجة الدين العام والمقر مسبقاً بالتنسيق مع المصارف الأرجنتينية بسبب عدم وجود السيولة الكافية.
لم تجد الحكومة الأرجنتينية أمام هذه التحديات الثلاثة سوى إقرار سياستين ماليتين جديدتين. السياسة الأولى اللجوء إلى صندوق النقد الدولي لترتيب تمويل مناسب يساعدها على مواجهة هذه التحديات.
حصلت الأرجنتين نهاية 2001 على تمويل بقيمة 14 مليار دولار أمريكي من صندوق النقد الدولي شريطة أن تخفض الإنفاق الحكومي على مشاريع تطوير البنى التحتية والطاقة والاتصالات مع إعادة النظر في معدلات الضرائب. والسياسة الثانية تعليق عمل مجلس العملة وفك ارتباط البيسو الأرجنتيني بالدولار الأمريكي.
انعكست هاتان السياستان في المدى القصير على مستوى معيشة المواطن الأرجنتيني مطلع 2002. فسجلت السلع ارتفاعاً ملحوظاً وصل قرابة 40 في المائة، وزاد معدل البطالة حتى قارب 25 في المائة، و بلغ الدين العام 155 مليار دولار أمريكي، وانخفضت قيمة البيسو الأرجنتيني إلى 3.5 مقابل الدولار الأمريكي الواحد بعد أن كانت تساوي بيسو أرجنتينيا واحدا فترة التسعينيات الميلادية من القرن الماضي.
يعيش الاقتصاد الأرجنتيني هذه الأيام مرحلة نقاهة تبدوا كأنها مرحلة نمو جديدة بعد أن اجتاز بصعوبة مرحلة ركود اقتصادي استمرت أربعة أعوام كانت كفيلة بالقضاء على اليابس ناهيك عن الأخضر. فتحسنت قيمة البيسو الأرجنتيني إلى ثلاثة مقابل الدولار الأمريكي الواحد، ونما مستوى الصادرات على حساب الواردات الأرجنتينية، وتراجع معدل البطالة إلى 18 في المائة، وعاد ثقة المواطن الأرجنتيني والمستثمر الأجنبي بمتانة الاقتصاد الأرجنتيني.
تحمل تجربة برنامج الإصلاح الاقتصادي الشامل الأرجنتيني وانعكاساتها على طبيعة نمو الاقتصاد الأرجنتيني خلال عقد التسعينيات الميلادية من القرن الماضي في طياتها العديد من الدروس والعبر في أهمية التنسيق الفعال ضمن منظومة الاقتصاد المحلي بين السياسات المالية الرئيسة على المستويات: المحلي، الإقليمي، والدولي.
تقودنا هذه التجربة إلى الربط بين السياسة المالية الأرجنتينية ومثيلاتها السعودية، ولا سيما الاقتصاد السعودي يمر بمرحلة متشابهة لمرحلة نمو الاقتصاد الأرجنتيني خلال التسعينيات الميلادية من القرن الماضي. كما يقودنا هذا التشابه إلى التساؤل حول مستقبل الاقتصاد السعودي، وإمكانية حذو المؤثرات الخارجية عليه كما حذت على الاقتصاد الأرجنتيني من قبل؟
إجابة هذا التساؤل تستأنس حضور ثلاثة أمور. الأمر الأول تصريحات المسؤولين الماليين السعوديين المتعاقبة حول السياسة المالية السعودية. والأمر الثاني نظرة شمولية لإيجابيات وسلبيات ارتباط الريال السعودي بالدولار الأمريكي منذ 1977 وحتى اليوم وما تخلل هذا الارتباط من تطورات في الاقتصاد السعودي. والأمر الثالث الميزة التنافسية للاقتصاد السعودي بوجود النفط، وكمياته الاستراتيجية، وعلاقته بالصادرات السعودية مقارنة بالاقتصاد الأرجنتيني.
خلاصة نتائج هذه الأمور الثلاثة تعطي ملامح متفائلة نحو دخول الاقتصاد السعودي في مرحلة نمو مستديمة. تستأنس هذه المرحلة التركيز على تطوير إمكانات الاقتصاد السعودي لضمان تحقيق أمثل الأهداف، بعون الله تعالى وتوفيقه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي