عام 2008: بترول ودولار وانتخابات أمريكية

[email protected]

يعيش العالم فترة من التردد والتوتر والنقاش حول مستقبل الاقتصاد العالمي في ظل متغيرات اقتصادية لم يشهدها الاقتصاد العالمي منذ 1930. من الناحية العملية، فإن العوامل الظاهرة لما يعيشه الاقتصاد العالمي تأتي على أشكال مختلفة سواء على المستوى السياسي أو الجيوسياسي أو الاقتصادي، فالسياسات الأمريكية حول العالم، ومستقبل الانتخابات الأمريكية، وازدياد الطلب على الطاقة، وظهور القوى الاقتصادية الجديدة، وانخفاض الدولار، وأزمة الرهن العقاري الأمريكي، والتحديات التي تواجه الأسواق المالية العالمية، وارتفاع معدلات النمو الاقتصادي لمنطقة الخليج العربي مع ارتفاع كبير لمعدلات التضخم.
جميع هذه العوامل ترتبط ارتباطا وثيقا وتتناسب طرديا في أغلب الأحوال لتصل بنا إلى ما نحن عليه الآن، فعلى سبيل المثال ازدياد الطلب على الطاقة من القوى العالمية الجديدة رفع أسعار النفط التي تأثرت أيضا بوقف أو قلة التصدير من بعض الدول بسبب بعض السياسات الأمريكية، كذلك فإن ارتفاع أسعار النفط زاد من تكاليف الإنتاج لجميع المنتجات وخفض من قيمة الدولار الأمريكي أمام العملات الرئيسية، ما أدى إلى ارتفاع معدلات التضخم العالمي.

على مستوى دول الخليج، فإن الأسباب أعلاه رفعت دخل دول الخليج، ما أدى إلى زيادة الإنفاق الحكومي ورفع مستوى السيولة النقدية الذي بدوره ضاعف معدلات التضخم، وتعالت الأصوات بتخفيض معدلات التضخم عن طريق فك الارتباط بالدولار على أساس أنه السبب الرئيسي للتضخم. وقامت بعض الدول كالإمارات مثلاً بإنشاء لجنة اقتصادية عليا لتقييم الوضع والتوصية بالخطوات التالية. وجاءت توصية تلك اللجنة بعدم فك ارتباط الدرهم بالدولار، كذلك فإن المملكة أكبر اقتصادات المنطقة أعلنت وأكدت على لسان المسؤولين عن السياسات النقدية على عدم فك الارتباط خلال المستقبل القريب، خصوصا أن هناك توازنا إلى حد كبير بين معدلات التضخم وزيادة الدخل القومي من خلال تخطي البترول حاجز 114 دولارا للبرميل، حتى في ظل التوقعات التي تشير إلى إمكانية هبوطه تحت مستويات 100 دولار خلال الأشهر المقبلة.
وإذا نظرنا إلى المعطيات التي أدت إلى الوضع الاقتصادي العالمي الراهن، فإن هناك تطلعا كبيرا للانتخابات الأمريكية في نهاية هذا العام 2008 على أنها الأمل الأخير في تغير الوضع الاقتصادي العالمي المهدد بتباطؤ كبير للنمو، وتخوف كبير من دخول اقتصاد الولايات المتحدة في نفق الركود الاقتصادي وتأثيراته على الاقتصاد العالمي. إن فوز الديمقراطيين سواء باراك أوباما أو هيلاري كلينتون مخرج الاقتصاد العالمي من سياسات الحزب الجمهوري التي يخشى البعض أن يكون جون ماكين امتدادا لسياسة الجمهوري جورج بوش. من ناحية أخرى، فإن انخفاض أسعار النفط سيعيد إلى الدولار عافيته، وعليه فإن معدلات التضخم العالمي ستنخفض. هذه الفرضية قد تدعم التوجه بإبقاء سعر صرف الريال مع الدولار على الأقل للأشهر السبعة المقبلة ريثما يتحدد مصير انتخابات الرئاسة الأمريكية، وهذا بلا شك سيجنب الريال شراسة مضاربي العملة ومخاطرة تذبذب سعر الريال أمام العملات العالمية الأخرى، خصوصا أن المملكة تجني عائداتها من البترودولار.
وفي رأيي الشخصي أن بعض العمليات الاقتصادية والتجارية على مستوى اقتصادات الدول ستكون في إجازة مؤقتة لحين انتهاء انتخابات الرئاسة الأمريكية. إن صحة هذا الطرح من خلال فوز الحزب الديمقراطي بالرئاسة وتأثير ذلك في مستقبل الاقتصاد الأمريكي سيكون مربط الفرس فيما يخص مخططي السياسة النقدية الخليجية، وذلك سيتحدد أواخر العام الحالي، وفي حالة صحة هذه الفرضية، فإن ذلك يعد إنجازا وطنيا على مستوى التخطيط الاستراتيجي السليم، وسيجدد الثقة بصناع السياسة النقدية والاقتصادية، وسيجنى الاقتصاد فوائده على المدى الطويل، أما عكس ذلك فهو عكس ذلك.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي