رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


المنتج المتمم.. مازال خيارا غير مناسب لـ "أوبك"

[email protected]

أمام التراجع المستمر في الطلب على النفط في النصف الأول من ثمانينيات القرن الماضي نتيجة الارتفاع الكبير في أسعار النفط الخام بعد الثورة الإيرانية، وجدت دول "أوبك" أنها مضطرة إلى القيام بدور المنتج المتمم لكي تحمي أسعار النفط الخام من التراجع، أي أن تنتج ما يكفي لتلبية طلب السوق فقط، وهي مستعدة لتخفيض إنتاجها بشكل مستمر لضمان استقرار الأسعار عند مستويات معينة ترى أنها مناسبة. هذه السياسة تسببت في تراجع حاد في إنتاج دول "أوبك"، وخاصة المملكة، التي تراجع إنتاجها إلى نحو ثلاثة ملايين برميل يوميا بعد أن كان يزيد على تسعة ملايين برميل يوميا، وتراجع إجمالي إنتاج دول "أوبك" من 31 مليون برميل يوميا في عام 1979 إلى نحو 16 مليون برميل يوميا فقط بحلول عام 1985. أمام هذا الوضع وجدت دول "أوبك" أنها لا تستطيع مواصلة القيام بدور المنتج المتمم في ظل هذا التراجع الحاد في إنتاجها وقررت عكس سياستها إلى سياسة تستهدف حماية حصتها في السوق بدلا من حماية الأسعار ما تسبب في انهيار أسعار النفط عام 1886 ووصولها إلى ما دون العشرة دولارات للبرميل.
نحن الآن نمر بظروف مشابهة تماما، والفرق الوحيد هو أن "أوبك"، والمملكة بشكل خاص، تقوم بدور المنتج المتمم، إنما هذه المرة ليس بهدف إنتاج الكمية التي تضمن عدم تجاوز العرض حجم الطلب، كما كان عليه الحال في النصف الأول من الثمانينيات، وإنما بهدف إنتاج ما يكفي لتلبية الطلب المتنامي على النفط تفاديا لحدوث ارتفاع حاد في الأسعار. وقيام "أوبك" بمهمة المنتج المتمم في ظل هذا الوضع يعني أنها مضطرة إلى تنفيذ خطط زيادة إنتاج مكلفة جدا، وبشكل متواصل خلال السنوات المقبلة، لتكون باستمرار قادرة على تأمين حاجة السوق المتنامية، لذا يتوقع أن تصل الطاقة الإنتاجية للمملكة بحلول عام 2009 إلى 12.5 مليون برميل يوميا، وقد تصل إلى ما يزيد كثيرا على ذلك في السنوات التالية. "أوبك" التي لم تستطع الاستمرار في مهمة المنتج المتمم في الثمانينيات، واضطرت بالتالي إلى التخلي عنها دفاعا عن حصتها في السوق، لن يكون بمقدورها النجاح بهذه المهمة الآن، وستضطر إلى التخلي عنها، إنما هذه المرة ليس دفعا عن حصتها في السوق وإنما حماية لاحتياطياتها من الاستنزاف الجائر.
فالعالم أمام معضلة قد لا يكون لها مخرج، تتمثل في صعوبة الوصول إلى بدائل للنفط، وثمن أي نجاح محدود في هذا السبيل سيكون باهظا جدا كما يتضح الآن مع خيار الوقود الحيوي، الذي كان الكثير يعقد عليه آمالا عريضة، وقيل إنه لن يكون بديلا للنفط فقط وإنما صديقا للبيئة أيضا، واتضح الآن أنه لن يكون أيا منهما، فهناك مبالغة واضحة في تقدير ما يمكن أن يحققه الوقود الحيوي كمصدر بديل للطاقة وكذلك في تأثيراته الإيجابية في البيئة، حيث يبدو أن تأثيراته البيئية لم يجري تمحيصها ودراستها بتمعن، ما تسبب في تجاهل مخل لتأثيراته السلبية في البيئة وعلى توازن الغذاء عالميا.
فأزمة أسعار الغذاء العالمية التي أصبحت تهدد استقرار عدد كبير من الدول النامية هي إحدى النتائج الكارثية لبرامج الدعم المبالغ فيها لمنتجي الوقود الحيوي، كونه منتجا من سلع زراعية أساسية كالذرة والقمح وقصب السكر، وبسبب تزايد نسبة ما يوجه من إنتاجها لإنتاج الوقود الحيوي فقد ارتفعت أسعارها بشكل حاد وتراجعت المساحة الزراعية المخصصة للسلع الزراعية الأخرى، ما تسبب في ارتفاع شامل في أسعار السلع الزراعية ومشتقاتها الغذائية. من ثم ظهرت أخيرا دعوات تطالب بمراجعة برامج دعم إنتاج الوقود الحيوي، بعد أن ثبت أن ثمن التوسع في إنتاجه قد يكون أكبر من أن يستطيع العالم تحمله، وقد اتخذ عدد من الدول، كدول الاتحاد الأوربي وأستراليا وكندا، قرارات عاجلة خفضت بموجبها الدعم المقدم لمنتجي الوقود الحيوي وهي بصدد مراجعة شاملة لسياسات في هذا الشأن.
أمام هذا الوضع الذي سيزداد تأزما مع مرور الوقت، فإنه لن ينفع العالم أن يُشبع إدمانه على النفط الرخيص بضع سنوات إضافية، ليكتشف بعدها أن منتجي النفط لا يستطيعون مواصلة ذلك أو أن النفط قد نفد، ولم يتم تطوير بدائل له. من ثم فإن الحل لا يمكن أن يكون في مواصلة "أوبك" زيادة إنتاجها، هذا على افتراض أنها تستطيع فعلا القيام يذلك، والحل الوحيد المتاح هو أن تواصل أسعار النفط الخام ارتفاعها إلى أن يظهر تأثير ذلك في مستويات الطلب، من خلال تشجيع استخدام أكفأ للنفط واعتماد أكبر على مصادر بديلة جدواها الاقتصادية ستتزايد مع كل ارتفاع إضافي في أسعار النفط الخام. واستمرار الطلب العالمي في النمو رغم وصول الأسعار إلى ما يزيد على 115 دولارا للبرميل يعني بكل وضوح أننا لم نصل بعد إلى السعر المناسب، وقد يكون هناك حاجة إلى الوصول إلى قيم قد يراها البعض خيالية الآن، لكنها لن تكون كذلك بعد فترة، فقد ظن الكثيرون استحالة وصول سعر برميل النفط الخام إلى 100 دولار، وقالوا إنه لو حدث ذلك فسينهار الطلب العالمي على النفط، إلا أن هذا لم يحدث ولن يحدث، وستدرك "أوبك" عاجلا أو آجلا أنها لا تستطيع، وليس في مصلحتها مواصلة القيام بهذه المهمة المستحيلة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي