رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


مبادرة لتخصيص أمانات المناطق

المجهودات التي تقوم بها أمانات المناطق أخيراً في أرجاء المملكة من أنشطة ترفيهية وخدمية، إضافة إلى مبادراتها الإبداعية لتحويل تلك الأمانات من عبء على ميزانية الدولة إلى مورد مالي يعود على الدولة بموارد مالية هائلة. آخرها حصول أمانة منطقة الرياض على عقد للإعلانات على جسور طريق الملك فهد وبعض الطرق الأخرى وبمبلغ يصل إلى مليار ريال. مورد مالي كبير من طريق واحد، فماذا ستكون الموارد من بقية الطرق الأخرى والمباني والخدمات؟ وقد تكون أمانة منطقة الرياض هي الرائدة في هذا الماراثون. فهي أخذت زمام المبادرة في جلب الموارد المالية وتحقيق رفاهية المواطنين فهي حتى تعدت ذلك لتلعب أدوارا غيرها. بدءا من مشروع مؤشر السلع الاستهلاكية، الذي كان من مسؤولية وزارة التجارة إلى بدء المهرجانات الثقافية والمسرحية والترفيهية وعيد الرياض عيدين ومهرجان الزهور والربيع ومراكز الأحياء. لتصبح مثالا احتذت به أمانات المناطق الأخرى. ولتساعد تلك الأمانات على تحقيق هدفها لإحياء مدننا، التي هي شريان الحياة لجميع أنشطة الحياة الاقتصادية، الاجتماعية، والسياسية في المجتمعات المتحضرة. وبدونها لا يمكن تحقيق أي تطور أو رفاهية حضارية للمجتمع. وهذه الحقيقة تؤكدها الدراسات والأبحاث القديمة والحديثة، كما تؤكدها الرؤية الواقعية والراشدة لما تؤدي إليه تطوير خدمات المدن من دعم وتكامل وربط لمقومات الاقتصاد وما تجنيه من قيمة مضافة عالية.
هذه المبادرات والتحول الرائع لأماناتنا من جهات روتينية كانت تعطل التنمية وتأخر تصاريح ومصالح المواطنين إلى جهات تبحث عنهم وعن راحتهم وتتعدى ذلك إلى توفير متطلبات الترفيه، حتى أصبحت تلك المهرجانات تغني الكثير من العائلات عن السفر وجعلت سكان القرى ينجذبون إليها في الإجازات والأعياد. وهي مبادرات تجعلنا بحق نفتخر، ولكن في الوقت نفسه تدعونا لإعادة التفكير في مدى جاهزية تلك الأمانات للخروج من سيطرة وزارة المالية التي قد تجعل تلك الأمانات تتأخر عن تحقيق أهدافها وخططها الإبداعية في مواعيدها لخدمة المواطن، الذي هو أساس التنمية ومحور اهتمام الجميع. لقد آن الأوان وأثبتت تلك الأمانات أنها قادرة على أن تتحول إلى طريق التخصيص لتكون لها استقلاليتها بحيث تكون لها مواردها المستقلة لتقوم بجني الرسوم على اللوحات الإعلانية للمحلات التجارية أو اللافتات ورسوم البناء والتراخيص والغرامات، ومستقبلاَ رسوم على النفايات وعدادات مواقف السيارات، وغرامات التلوث والمخالفات البيئية. وأن يتم تخصيصها تحت إشراف وزارة الشؤون البلدية كمشرف ومراقب ومن خلال مجلس إدارة مكون من أمين المنطقة وحقيبة من مساعديه وضم المجلس البلدي للمنطقة وبعض المهنيين المؤهلين للمهنة. وأن يعطى القطاع الخاص دوره للمشاركة كراع وممول لنشاطات الأمانة بشفافية وروح المنافسة الشريفة والربح المعقول. وقد تحتاج الأمانات بعد التخصيص إلى البحث عن طرق مناسبة لتمويل مشاريعها على غرار ما تقوم بع بعض الأمانات أو الحكومات المحلية لبعض دول العالم من إصدار سندات حكومية أو الاقتراض والتمويل من الدولة والبنوك والصناديق. مع احتفاظ الدولة بدورها الريادي في التقنين وفي التحكم والتوجيه والرعاية ووضع المعايير ومراقبة الأداء.
إن ظاهرة تخصيص الأمانات أو ما تسمى الحكومة المحلية للمدن أو المناطق، معروفة عالميا وأثبتت نجاحها في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا وبعض دول آسيا. وهناك أبحاث ودراسات متعددة في الموضوع يمكن الاستفادة منها ومن تجارب من سبقونا لنكون على بينة ولنختار الأسلوب الذي يناسبنا. كما أن التخصيص ليس جديدا علينا. وقد يكون نجاح خطة تخصيص قطاع الاتصالات خير مشجع للدخول في موضوع تخصيص الأمانات وطرحه على طاولة النقاش والتمحيص وفق دراسات للجدوى الاقتصادية وآثارها الاجتماعية. فالتخصيص أثبت أن القطاع الخاص أقدر وأكثر كفاءة على إنجاح المهمة. كما أنه أقدر على توظيف الكفاءات المؤهلة وصناعة أو خلق الفرص الوظيفية للمواطنين.
وقد لوحظ خلال القرن الماضي وجود نقص كبير في حجم إنفاق الدولة في تمويل أمانات المدن. مما اضطرها إلى التخصيص وتشجيع القطاع الخاص على المشاركة في إدارة وتشغيل بعض الجهات الخدمية، وأنجح مثال هو قطاع الاتصالات في المملكة. وذلك بعد نجاح التخصيص والثاتشرية في بريطانيا ثم في بقية أوروبا وأستراليا، أصبح هذا التوجه أكثر إغراء للقطاع الخاص للاستثمار فيه كنوع جديد من الأنشطة المجدية استثمارياً، خاصة على المدى الطويل. وقد أبدع عالميا في ذلك قطاع البنوك ومؤسسات التقاعد والتأمينات الاجتماعية، التي هي الأقدر على توفير الاستثمار طويل المدى في هذا المجال. وما تجنيه من فوائد مادية إيجابية من هذا النوع من الاستثمار الذي يساعد على تحضر المجتمع، وبالتالي يعود ريعه الإيجابي على تلك المؤسسات. وقد تطورت هذه الظاهرة أخيرا بظهور سوق ثانوية تبيع من خلالها تلك البنوك والمؤسسات المالية المختلفة، ما لديها من سيولة لجهات وصناديق استثمارية. وهي لا تلغي دور الدولة، بل تسمح لها بالاحتفاظ بالتحكم في السياسات العامة ووضع المعايير والإشراف والمتابعة، بينما يتم تحويل المخاطر الاقتصادية إلى القطاع الخاص وتكسبه نوعاً من الكفاءة والرشد المهني، إضافة إلى توفير فرص العمل وتطوير الموارد البشرية للدولة. وتتم ضمن أطر ومحددات تحكمها وتربطها اتفاقيات ومذكرات تفاهم وفق مخططات شاملة حالية ومستقبلية، وضوابط تقنية وفنية متكاملة لتخطيط وتطوير وتنفيذ وتشغيل وصيانة المدن على مستوى الدولة.
وتبرز أهمية الاهتمام بالمدن، خاصة في تخطيط وتطوير وتمويل وتنفيذ الخدمات البلدية والبنية التحتية في أنها تساعد على زيادة الناتج الاقتصادي بطريقة مباشرة من خلال زيادة فاعلية وإنتاجية رأس المال وزيادة جاذبية مدننا للاستثمار الأجنبي ونمو الاقتصاد الوطني وزيادة فاعلية المالية، وما يؤديه التخصيص من إعطاء المدن فرصة أكبر ومرونة عالية للتصرف في تمويل مشاريعها. ما يؤدي إلى تطوير خدماتها وأثرها الإيجابي في الاقتصاد الوطني. وهي حقائق مبنية على معلومات متراكمة فيما يتعلق بتطوير خدمات المدن. وهذا التوجه والاهتمام بتخصيص الأمانات ودوره في مساندة التنمية المستدامة يدعو إلى التساؤل عن مدى توافر هذا الاهتمام لدينا. خاصة أننا نواجه منافسة متزايدة من المدن العربية والأجنبية لجذب واستقطاب الاستثمارات الأجنبية، بكل ما يرتبط بذلك من تقنيات ومعرفة بالأسواق، التي تسهم في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي