لتتفضل الشركات الأجنبية بالدخول ولكن مع مراكز البحث والتدريب

[email protected]

بناء على قوانين قوى السوق وهيمنة العولمة بجانب ديناميكية قطاع الأعمال العالمي، فإن نشاطات الاستثمار للشركات عموماً والكبرى خصوصاً تركز على البحث عن الفرص ورسم استراتيجيات تطوير الأعمال بناء على منهجية فلسفة الأعمال الجديدة من خلال النظر إلى خريطة العالم كسوق استثمارية واحدة، لدرجة أن استراتيجية الاستثمار لشركة في كوالالمبور في ماليزيا أو شتوتجارت في ألمانيا تقيم فرص النمو والاستثمار في الأسواق المستهدفة عالمياً بالموضوعية نفسها واعتماداً على متغيرات تؤدي إلى الوصول لمقارنة عادلة بين استراتيجيات الاستثمارات الدولية ونظيرتها المحلية دون التحيز لمنطقة جغرافية معينة، حتى ولو كانت تلك المنطقة وطنها الأم ومقرها الرئيس. كما أن سلوك قطاع الأعمال الذي يأخذ خريطة العالم كأفق استثماري مبتعداً عن التقوقع المحلي يعد سلوكاً منطقياً وأمراً طبيعياً أيضاً بالنظر إلى تطور فكر الأعمال والتغيرات الاقتصادية التي تدفع باتجاه التحرير وفتح الحدود وإزالة المعوقات التجارية التي تهدف كلها إلى رفع مستوى الرفاه الكلي مقاساً بنماذج اقتصادية ليس هنا المجال لتفصيلها، ولكن معظمها مبني على المدرسة النيوكلاسيكية في الاقتصاد وغيرها من المدارس العلمية الحديثة المرتبطة بنظريات التسويق والإدارة والتمويل.
وعليه، فالشركات والمستثمر العالمي أياً كان يأخذ قراره تبعاً لخطوات محسوبة ومتوقعة تتضمن مسحا شاملا للأسواق العالمية لترتيبها تبعاً للنمو، الأنظمة والقوانين المتحكمة في الاستثمار، حجم العائد المتوقع، مقدار المخاطرة المالية والاقتصادية والسياسية المتضمنة بجانب ميزتها النسبية المستقبلية مقارنة بالخيارات الاستثمارية الأخرى في غيرها من المناطق الجغرافية. وتأكيداً على النقطة الأخيرة، فإدارة الاستثمار عموماً تعد شأناً نسبياً وليس مطلقاً أولاً وأخيراً، سواء بني القرار الاستثماري على تقييم شركة معينة أم منطقة استثمارية جغرافية، حيث يبنى التقييم على أداء متغيرات بالنسبة لمتغيرات أخرى. فالفيصل بين خيار استثماري في شركة معينة وغيرها مثلاً، لا يبنى على المبيعات فقط دون أخذ المصروفات في الحسبان، كما لا يبنى خيار الاستثمار في دولة معينة على نموها فقط، بل بحساب نسبة النمو والعلاقة بين متغيرات العائد ومتغيرات المخاطرة جميعاً ومدى مساهمتها في القرار الاستثماري النهائي الذي يرجح دولة مستهدفة بالاستثمار على أخرى بالدرجة نفسها التي يتم بها تفضيل الاستثمار بشراكة استثمارية أو تجارية أو صناعية على أخرى.
وبإلقاء نظرة سريعة على خريطة الاقتصاد العالمي في العام الحالي، فمنذ ظهور بوادر أزمة الرهن العقاري الأمريكي في آب (أغسطس) الماضي 2007 وتبعاتها التي أخذت تكبر ككرة الثلج لتصير إلى مشكلة ائتمان عالمي، ما زالت أرقام الخسائر تتصاعد والضحايا يتزايدون لتصل توقعات صندوق النقد الدولي ببلوغ الخسائر نحو تريليون دولار أمريكي. بيد أن بعض الأوساط الاقتصادية تعول على نمو الاقتصادات الناشئة كاقتصادات البرازيل، روسيا، الهند، والصين (البريك) بجانب اقتصادات الدول المصدرة للنفط كدول الخليج، إيران، فنزويلا، وكندا للنهوض بالاقتصاد العالمي. ولكن الواقع يخالف ذلك، حيث إن أغلب الاقتصاديين والأبحاث التطبيقية لم تشر إلى إمكانية تحقيق توازن عند تراجع نمو الاقتصاد الأمريكي بتقدم اقتصادات الدول الناشئة للوصول إلى نمو في الاقتصاد العالمي كمحصلة نهائية من خلال سد الفراغ بين العرض والطلب الكلي العالميين، وهنا نذكر بوصف الملقب بمفترس العملات جورج سوروس لأزمة الرهن العقاري والائتمان الحالية أنها "لا مثيل لها".

وبإسقاط منهجية الأعمال الحديثة التي تنظر إلى خريطة العالم كسوق واحدة على الأوضاع الاقتصادية العالمية حالياً والمتوقع استمرارها في المدى المتوسط، فإن الدول الخليجية والنفطية, خصوصاً تعد من الجهات ذات الأولوية للمستثمرين العالميين الباحثين عن تطوير الأعمال. فمن طرف المتأثرين بأزمة الرهن العقاري والائتمان، قام بعض مسؤولي البنوك العالمية المتضررة من الأزمة بجولات مكوكية في دول الخليج خلال الأشهر الماضية لضمان الحصول على موارد مالية تستهدف رفع رأس المال لتجاوز الخسائر وشح الائتمان، وكان لها ما أرادت، في حين امتنعت مؤسسات الائتمان ورجال الأعمال في الغرب لأسباب منطقية عن ضخ الاستثمارات لضبابية النتائج. وقد يكون أحد التفسيرات ارتفاع متطلبات الاستثمار على الهامش أو وجود مواقع مالية للمستثمرين الغربيين قد تكون منكشفة سلفاً على قروض واستثمارات ذات معامل ارتباط إيجابي مع الأزمة تمنع المخاطرة بضخ المزيد من الاستثمارات. أما من طرف حبل الإنقاذ المتمثل في دول الخليج والدول النفطية ودول البريك، فإن الموارد المالية والاستثمار ليست بمشكلة أبداً في ظل أسعار النفط وظروف التجارة الدولية في السنوات الماضية، ما يسمح بالاستثمار في العروض التي تم تقديمها.
وعلى الرغم من توافر الموارد المالية والاستثمارية للدول الخليجية، إلا أن تحقيق عائد اقتصادي حقيقي يتطلب حتماً الرقي بالأهداف الاقتصادية العامة التي يطول نفعها المجتمع والاقتصاد المحلي من خلال رفع مستويات التوظيف والرفاه العام. لذلك، فقد تم توجيه وتخصيص مبالغ متنامية عن طريق رفع مستويات الإنفاق الحكومي للاستثمار المحلي في مشاريع استثمارية مختلفة ترتبط بتحسين البنية التحتية وتحسين الخدمات الصحية والتعليمية والاجتماعية. ومع ارتفاع الإنفاق الحكومي والنمو الاقتصادي المتسارع، فإن الشركات العالمية التي تواجه تراجعا في الأسواق الغربية ستتجه بلا شك إلى دول الخليج ودول النمو الاقتصادي للحصول على عقود ومشاريع تضمن لها تجاوز مرحلة تباطؤ نشاط الأعمال في أسواقها التقليدية. وخير دليل على هذا التوجه هو ما وافتنا به وسائل الأنباء من قيام وفد ألماني من ممثلي شركات المقاولات والإنشاءات برفقة رئيس قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في وزارة الاقتصاد والتكنولوجيا الألمانية بعقد لقاءات مع عدد من رجال الأعمال والمهتمين بغرفة تجارة وصناعة الرياض في الأسبوع الماضي. وتهدف مثل هذه اللقاءات كما هو واضح إلى حصول هذه الشركات على حصة سوقية في قطاعات النمو السريع المحلية.
ختاماً، إن مرحلة النمو الاقتصادي الحالي في دول الخليج ستستمر في جذب المزيد من الشركات والمستثمرين الأجانب للاستفادة من الطفرة الحالية. وعلى الرغم من العوائد الاقتصادية المتوقعة لدخول الشركات والمستثمرين الأجانب، إلا أن الاستفادة الكاملة تكمن في قيام شراكات استراتيجية تضمن توطين التقنية التي يملكها المستثمر الأجنبي وتطويرها محلياً من خلال إنشاء مراكز عمليات بحث وتطوير وتدريب للموارد البشرية الوطنية مستنسخة من المراكز التي تملكها الشركات في بلدانها الأصلية.

* كاتب وباحث سعودي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي