رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


الكراسي العلمية .. واقع أم ضجيج!

يقال:"إن الفرنسي إذا قيل له: هذا عالم، قال: ما هي شهاداته؟ والإنجليزي يقول: ما هي معلوماته؟ والأمريكي يقول: ما هي أعماله؟" والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: ما ذا يقول العربي، لو قيل له: هذا فلان عالم؟ هل سيسأل عن شهاداته، أم عن معلوماته، أم عن أعماله؟ أم سيسأل عن شيء آخر غير هذه الثلاثة؟! في الحقيقة: لا أدري!!
ولا أشك أن لدينا نحن العرب من الاستعداد العقلي والذهني ما قد نفوق به كثيراً من عباقرة الغرب، وخير شاهد على هذا ما تحفل به كثير من الدول الغربية، في شتى جامعاتها، ومراكزها العلمية، والبحثية، من عقول عربية، كان لها قصب السبق العلمي في كثير من المجالات المختلفة، بل كان لهم القدم الراسخة في كثير من المجالات العلمية المعقدة كعلم الذرة، وعلم الطب.. إلخ، ولهذا كانت تلك الدول الغربية بذكائها واهتمامها تستقطب الكثير من العقول العربية المبدعة؛ لتنتج ما لم ينتجه بعض أبناء تلك البلاد، في الوقت الذي ربما استغنينا فيه عن كثير من مبدعينا من بلادنا أو من البلاد العربية، أو ربما لم نوفر لهم التخصص المطلوب الذي يغذي ميولهم، ويشحذ طاقتهم، ويشبع نهمتهم!
وإن مما ينبغي أن يذكر فيشكر، ما قامت به بعض الجامعات السعودية من إنشاء كراسٍ علمية، من أجل دعم المناشط العلمية، واستقطاب العقول المبدعة، وحفز همم التجار والأغنياء والمؤسسات المالية للبذل والعطاء، من أجل إنجاح هذه الكراسي بكل تخصصاتها المختلفة، سواء الشرعية منها، أو الطبيعية، أو الاقتصادية، أو غيرها، والمرجو بإذن الله تعالى أن تسهم هذه الكراسي في توظيف الطاقات العلمية المبدعة لدينا، ولكن متى نجح القائمون على هذه الكراسي في استقطاب هذه العقول المتميزة، وأحسنوا استغلالها، مع استقطاب ما يحتاج إليه من الجنسيات الأخرى، ولكن لابد هنا من رسم الأهداف بدقة، ومن وضع الخطط الممكنة التطبيق، لا التي يرسمها الخيال، وتنسجها الأحلام، وإن مما يقلق الغيورين في هذا البلد أن تكون بعض هذه الكراسي مجرد موضة علمية، أو مجرد ضجيج إعلامي للفت الأنظار، ليس إلا!! ولقد تسلل إلي هذا الهاجس منذ سمعت بهذا الكم الهائل من الكراسي في وسائل الإعلام المختلفة، والتي تذكرنا بكراسي الفصل الدراسي، حيث يجتمع في الفصل الواحد أكثر من أربعين كرسياً! وأكَّد هذا الهاجس ما ذكره لي أحد الإخوة المسؤولين، نقلاً عن مسؤول كبير في إحدى الجامعات، أن هذه الموجة العارمة من الكراسي لم تلبث عاصفتها أن تهدأ بهدوء ذلكم الضجيج الإعلامي!! ومن هنا، ولأن أصحاب الأموال بادروا ببذل أموالهم الطائلة لما يعلَّق على هذه الكراسي من آمال عريضة، لذا فإنه يجب عند تأسيس كراس علمية مراعاة الأمور الآتية:
1- يجب أولاً- وقبل كل شيء - رسم الأهداف للكراسي العلمية، ووضع خططها، وصياغة آلياتها، وأن تقوم بذلك لجان علمية متخصصة، وشخصيات إدارية ناجحة، لا أن يتم اختيار اللجان بشكل عشوائي، أو مرتجل، أو بشكل مصلحي، لا سمح الله.
2- يجب أن يتحسس القائمون على رسم الأهداف، وعلى وضع الخطط، وعلى صياغة الآليات، أن يتحسسوا حاجة المجتمع، وجوانب الثغرات التي تحتاج إلى دراسة وعمل، وذلك لتكون هذه الكراسي منتجاً محلياً، محققاً للآمال، وملبياً للطموحات.
3- أن تعلن الجهات المعنية بالكراسي العلمية عن الخطة الاستراتيجية لكل كرسي، وعن آلية العمل، وبكل وضوح وشفافية، بعيداً عن الغموض والضبابية.
4- أن تعلن الجهات المعنية بها عن المنجزات العلمية التي تحققت من خلال هذا الكرسي في نهاية كل عام دراسي، حتى يمكن تحديد النجاح من عدمه، وحتى يكون هذا دافعاً لتفعيل دور الكرسي بما يحقق أهدافه المرسومة بإذن الله تعالى.
5- أن تضع الجهات المعنية جهة محاسبية خاصة بالكراسي، تقوم بجرد الإيرادات والمصروفات بشكل دقيق، وتصدر هذه الجهة تقريراً مفصلاً بالإيرادات، وبالمصروفات التي دفعت على مناشط الكرسي في نهاية كل عام دراسي، ويعلن هذا التقرير في الجرائد الرسمية، وذلك لأن هذه الأموال قد دفعت بالملايين، وأحياناً بعشرات الملايين، وحسب علمي المحدود فإن وزارة المالية لا تشرف على هذه الميزانية الخاصة بالكراسي، وإذا لم تكن هناك آلية دقيقة وشفافة تبرز إيراداتها ومصروفاتها، فإنها قد تكون عرضة لصرفها في غير ما دفعت لأجله. وبهذه المناسبة أحب أن أوجه بطاقة شكر وتقدير لكل من أسهم في دعم هذه الكراسي، وهي بادرة إيجابية يجب أن تذكر فتشكر، ويبقى على الجامعات المعنية أن تحول هذه الكراسي العلمية إلى واقع ملموس، لا تقف عند حد الضجيج الإعلامي، والله ولي التوفيق.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي