تخفيض الفائدة الأمريكية ومؤشر الأسعار يدعمان الدولار ويهبطان بالأسواق المالية
في تقرير هذا الأسبوع عدد من الأحداث المهمة على المسرح الاقتصادي الأمريكي. أول هذه الأحداث وأهمها هو نتيجة الاجتماع الدوري للجنة سياسات السوق المفتوحة FOMC للاحتياطي الفيدرالي، الذي يقرر فيه السياسة النقدية المستقبلية حيث توجه خلاله اللجنة الاحتياطي الفيدرالي لمدينة نيويورك بعمل اللازم لتحقيق أهداف السياسة النقدية المرسومة خلال اجتماع اللجنة من خلال عمليات السوق المفتوحة. وقد أسفر اجتماع اللجنة عن تخفيض آخر لسعر الفائدة وبواقع ربع نقطة مئوية لم تكن على ما يبدو كافية لدعم الأسواق المالية، التي حققت ارتفاعات جيدة بنهاية الأسبوع ما قبل الماضي، حيث كانت التوقعات تشير إلى احتمال خفض سعر الفائدة بواقع نصف نقطة مئوية. وقد اتخذ القرار بناء على غالبية الأصواب، حيث صوت تسعة في صالح القرار مقابل واحد هو محافظ الاحتياطي الفيدرالي لمدينة بوسطن الذي أيد خفضاً قوياً بمقدار نصف نقطة مئوية لتحفيز الاقتصاد المتراجع. وعلى أثر هذا التخفيض الذي جاء أقل من تطلعات وتوقعات المستثمرين تراجع مؤشر داو جونز بما يقارب ثلاثمائة نقطة وليقفل يوم الثلاثاء الماضي الذي عقد فيه الاجتماع المشار إليه على مستوى 13432 نقطة. وبلغ سعر الفائدة المستهدف الذي تقترض به البنوك من بعضها البعض للمحافظة على الاحتياطيات التي يتطلبها نظام الاحتياطي الفيدرالي بعد التخفيض 4.25 في المائة في حين سيبلغ سعر الخصم الذي تقترض به البنوك من الاحتياطي الفيدرالي 4.75 في المائة. والملاحظ هنا أن الاحتياطي أبقى على الفرق بين سعر الفائدة وسعر الخصم عند مستوى 50 نقطة أساس دون تغيير وذلك بهدف دعم أسواق الائتمان بتخفيض تكاليف الاقتراض على البنوك ومن ثم تشجيعها على ضخ المزيد من السيولة في أسواق الائتمان. علاوة على ذلك ناقش المجتمعون وسائل أخرى لدعم أسواق الائتمان في حال تعثرها مرة أخرى من ضمنها استخدام تخفيض سعر الخصم الذي أشرت إليه كوسيلة لتشجيع الائتمان، مما يعني أن الاحتياطي قد يعمد إلى تخفيض الفرق بين سعر الفائدة المستهدف وسعر الخصم إلى مستوى خمسة وعشرين نقطة أساس. هذا مع العلم أن تغيير سعر الخصم لا يتطلب موافقة لجنة سياسات السوق المفتوحة، بل يمكن تمريره عن طريق مجلس حكام الاحتياطي الفيدرالي مما يعني أن حدوث ذلك في أي وقت قريب ممكن مما سيكون له أثر إيجابي في الأسواق المالية. ويعطي هذا التخفيض إشارة على أن أعضاء لجنة سياسات السوق المفتوحة لم يكونوا ينظرون إليه على أنه تأمين ضد تدهور متوقع في الوضع الاقتصادي كتخفيض تشرين الأول (أكتوبر)، ولكنهم ينظرون إليه على أنه تصرف لدعم اقتصاد متجه فعلاً إلى التراجع. بمعنى آخر، إن تخفيض تشرين الأول (أكتوبر) كان تخفيضاً احترازياً لما هو متوقع في حينه بينما هذا التخفيض هو تدبير لتحويل مسار الاقتصاد أو الحد من تراجعه.
من ناحية أخرى، أظهر تقرير وزارة العمل بشأن المؤشر العام للأسعار ارتفاعه خلال تشرين الثاني (نوفمبر) بمعدل 0.8 في المائة وبمعدل ارتفاع مقداره 0.3 في المائة عن تشرين الأول (أكتوبر). وقد كانت التوقعات قد أشارت إلى احتمال ارتفاعه بمعدل 0.6 في المائة مما شكل صدمة للأسواق المالية، حيث ستزيد القلق بشأن وقوع الاقتصاد بين رحى تضخم متزايد وتراجع في النمو الاقتصادي. وتأتي الزيادة خلال تشرين الثاني (نوفمبر) بشكل أساسي من الزيادة في تكلفة الطاقة التي بلغت أرقاما قياسية خلال ذلك الشهر. ويشير محللون إلى أن ذلك يفسر إقدام لجنة سياسات السوق المفتوحة خلال اجتماعها المشار إليه على تخفيض سعر الفائدة بمعدل ربع نقطة مئوية فقط بدلاً من نصف نقطة مئوية الذي كانت أغلب التوقعات تشير إليه، مما يعني أن الاحتياطي الفيدرالي كانت لديه مؤشرات ودلائل على تزايد معدل التضخم خلال تلك الفترة مما جعله يتروى في عدم الإقدام على تخفيض من شأنه أن يرفع معدل التضخم إلى معدلات يصعب التحكم بها بعد ذلك. وكان الاحتياطي الفيدرالي قد أشار في تقرير آخر إلى أن الإنتاج الصناعي قد ارتفع خلال تشرين الثاني (نوفمبر) عن معدله خلال تشرين الأول (أكتوبر)، حيث بلغ معدل الزيادة 0.3 في المائة خلال تشرين الثاني (نوفمبر) متجاوزة التوقعات التي بلغت 0.2 في المائة. تأتي هذه الزيادة بعد انخفاض حاد بلغ 0.7 في المائة خلال تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، مما يضيف بعض العوامل الإيجابية التي تدفع بالرؤية المتفائلة للاقتصاد نحو الأمام قليلاً.
وعلى أثر تخفيض سعر الفائدة الأمريكية بأقل من التوقعات، ارتفع الدولار الأمريكي أمام اليورو بأعلى مستوى منذ عام 2004 وذلك بمعدل 1.5 في المائة وليبلغ 1.4415 دولار لكل يورو خلال يوم الجمعة الماضي مرتفعاً من معدل 1.4633 دولار لكل يورو خلال يوم الخميس. وأتت بيانات المؤشر العام للأسعار لتضيف إلى الضغط الذي سببه تخفيض سعر الفائدة الذي جاء أقل من التوقعات باتجاه رفع سعر صرف الدولار حيث يقلل الارتفاع المشار إليه من احتمالات لجوء الاحتياطي الفيدرالي إلى تخفيض آخر لسعر الفائدة أو في حالة اللجوء إليه فإنه لن يتجاوز التخفيض بمعدل ربع نقطة مئوية. وتراجعت الأسواق المالية في نهاية الأسبوع على أثر ذلك حيث يتوقع أن يؤدي ارتفاع المؤشر العام للأسعار إلى تراجع النمو الاقتصادي، حيث إنه، وكما أشرت، لن يتيح مجالاً واسعاٌ للاحتياطي للتحكم بتخفيض سعر الفائدة لدعم النمو الاقتصادي مما سيؤدي بدوره إلى تقليل الثقة في أداء الاقتصاد بشكل عام. إضافة إلى ذلك فإن خطط الشركات الأمريكية للتوظيف خلال مطلع العام المقبل ليست بالقدر الذي يثير التفاؤل مما يتوقع معه أن يتراجع نمو عدد الوظائف بشكل أكبر خلال بداية العام المقبل.