رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


الإبداع المالي وتنويع الاستثمارات والتخطيط المالي

[email protected]

قديماً قيل (لا تضع بيضك في سلة واحدة) وإن بدا هذا المثل بسيطاً وبديهياً إلا أنه مثل الأساس الذي تستند إليه نظرية إدارة الأصول الاستثمارية Asset Management. لذلك ، فإن من أهم الوسائل التي يسعى المستثمر إليها سواء كان بنكاً استثماريا أو رجل أعمال أو فردا يسعى إلى الادخار لتوفير تدفقات مالية مستقبلية هي عملية تنويع الاستثمارات. وتنويع الاستثمارات يقتضي توزيع الاستثمارات بين مستويات استثمار Asset Classes مختلفة وذات ارتباط خطي عكسي مع بعضها. وهذا بحد ذاته ليس مشكلة كبيرة إذا ما توافرت أمام المستثمر خيارات استثمارية متعددة يستطيع المفاضلة فيما بينها. لكن المهمة الأصعب تكمن في عملية اختيار المزيج الاستثماري من هذه الأصول الذي يعظم أرباح المحفظة الاستثمارية من جهة ويخفض من مخاطرها إلى الحد الأدنى من جهة أخرى. وهذا يتطلب تعديل أوزان هذه الأصول من يوم إلى آخر لأجل ضمان تحقيق معادلة العائد – الخطر المشار إليها. هذه العملية بالذات تتطلب جهداً ووقتاً كبيرين إذا ما توافرت للمستثمر الخلفية العلمية والخبرة اللازمة، مما يجعلها تنطوي على تكاليف عالية بالنسبة للمستثمر الفرد.
لذلك ظهرت صناديق الاستثمار المشتركة Mutual Funds لتوفر على المستثمر الفرد العناء والجهد لأجل إدارة استثماراته. إذ إنه وبسبب اقتصاديات الحجم الكبير Economics of Scales فإن تكلفة الاستثمار، المتمثلة بالنسبة للفرد في الوقت والجهد المضحى به، سوف تتناقص مع تزايد حجم أصول المحفظة. مشكلة صناديق الاستثمار المشتركة هي القيود الكثيرة التي تفرض على عملية تداولها والرسوم العالية التي تستقطعها قبل عملية توزيع الأرباح والخسائر. هذا أدى إلى ظهور ما يسمى بـ ETF’s أو Exchange Trading Funds لتوفر للمستثمر خيارات متعددة للاستثمار في أي نوع من أنواع الأصول ولتحاكي أي من المؤشرات المالية العالمية وبتكلفة أقل من صناديق الاستثمار المشتركة، وفي الوقت نفسه يمكن تداول السهم المملوك في الـ ETF’s بشكل يومي وكأي سهم آخر. فمثلاً إذا رغبت في الاستثمار في الذهب أو النفط أو محاكاة مؤشر النيكاي ولديك رأسمال محدود فيمكنك شراء وحدات ETF’s والتي تتميز بمرونة في عملية بيعها وشرائها وانخفاض تكلفتها، وفي الوقت نفسه تمكن المستثمر من الاختيار بين مجموعة من الصناديق المتنوعة الاستثمارات. لذلك ارتفعت أعداد هذه الصناديق في الولايات المتحدة بشكل سريع جداً ولتبلغ في نهاية شباط (فبراير) من العام الحالي 634 صندوقاً بقيمة أصول بلغت 559 مليار دولار أمريكي.
إن إتاحة الفرصة للإبداع المالي هو السبب وراء هذا التنوع من الاستثمارات الذي يتوافر في أسواق الدول المتقدمة بينما لا يتوافر ذلك في أسواق الدول النامية. إذ توفر عملية الإبداع المالي للمستثمر مزيداً من الخيارات التي تحقق أهدافه المالية. لذلك فإن إتاحة الفرصة لمزيد من الإبداع المالي هي ضرورة اقتصادية ملحة خصوصاً في اقتصاد مثل اقتصاد المملكة تتوافر لديه عوائد نفطية كبيرة ويرتفع فيه مستوى الدخل، لكن تظل مجالات الاستثمار محدودة التنوع. إن عملية التنوع في مجالات الاستثمارات المالية مهم لسبب أساسي، أن المجتمع يشهد نمواً كبيراً في المهنيين المتخصصين في مجالات مختلفة كالطب والمحاسبة والهندسة والحاسب الآلي. لكن في الوقت نفسه فإن هؤلاء سيحتاجون إلى تنوع في الفرص الاستثمارية التي يمكن لهم توظيف مدخراتهم المالية فيها. ولأننا لا نريد أن نجعل كل أفراد المجتمع ، مضاربين في سوق الأسهم أو في سوق العقار بشكل يومي، فإننا نحتاج إلى توفير مثل تلك الفرص الاستثمارية لهم لكي نحقق هدفين مهمين للاقتصاد. الأول مساعدة هؤلاء على التركيز على الإبداع في تخصصاتهم بشكل يؤدي إلى زيادة عوائدهم المادية منها، وهو ما يؤدي إلى قيمة مضافة للاقتصاد. والثاني مساعدتهم على الادخار المستقبلي مما يزيد فرص التوظف والدخل للاقتصاد في المستقبل. لذلك تبرز وظيفة المخطط المالي Financial Planner، كإحدى الوظائف التي تدر دخلاً عالياً للعاملين فيها في الدول المتقدمة. والمخطط المالي مهمته الأساسية مساعدة هؤلاء المهنيين الذين يحققون دخولاً عالية من خلال المهن التي يمارسونها، لكن لا يتوافر لديهم الوقت والخبرة الخلفية العلمية في إدارة مدخراتهم، على تحقيق أهدافهم المالية بتوزيعها بين مدخرات تقاعدية واستثمارية وتأمين على الحياة وأقساط شراء المنزل وبطريقة تقلل تكاليف ضريبة الدخل المفروضة عليهم.
المشكلة أن عملية الإبداع المالي في مجال الاستثمار والتخطيط المالي تتطلب تكييفاً لها مع المتطلبات الاجتماعية والدينية في كل بلد. فمثلاً في المملكة نحتاج إلى أن نكيفها بشكل كبير مع قواعد الشرع الحنيف ومع متطلبات الزكاة الشرعية. مما يعني أن صانعي القرار الاقتصادي يجب أن يدفعوا بكل قوة نحو تشجيع الاستثمارات المتوافقة مع الشرع الحنيف التزاما في الدرجة الأولى، واستجابة لمتطلبات المواطن (والسوق) في الدرجة الثانية. كما أن صانعي القرار الاقتصادي يجب أن يشجعوا عملية الإبداع المالي بتوفير خيارات استثمارية متعددة وعبر قنوات مصرفية مختلفة وفي متناول المواطن. وبشكل يساعد المواطن على الاختيار الاستثماري الصحيح والذي يحقق له أهدافه المالية من جهة، ويساعد على الإبداع المهني المتخصص والذي يمثل محور عملية التنمية الاقتصادية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي