رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


أمريكا لم تحتل العراق لإرواء عطشها من النفط

[email protected]

لم تحتل الولايات المتحدة العراق للسيطرة على نفطه بهدف إرواء عطشها من النفط. النفط ليس هدف الاحتلال، ولكنه وسيلة لتحقيق الهدف. للنفط دور، ولكنه ليس الدور الذي يتصوره أصحاب نظرية المؤامرة كما ذكر في المقال السابق, أصحاب هذه النظرية لا يرون فينا إلا نفطاً، لذلك يتم اختزال كل ما يحصل حولنا بالنفط. وقد تم في مقال الأسبوع الماضي تفنيد بعض ما يدعيه هؤلاء حيث تبين أن ما حصل في السنوات الخمس الماضية هو عكس ما قالوه. الولايات المتحدة لم تقم بزيادة إنتاج النفط العراقي بطريقة تخفض أسعار النفط إلى مستويات تؤدي إلى تدمير منظمة "أوبك". بل على العكس، ارتفعت الأسعار، ولم يرتفع اعتماد الولايات المتحدة على النفط العراقي بشكل ملحوظ، ولم تدخل أي شركة نفطية أمريكية كبيرة قطاع النفط العراقي حتى الآن، ولم يتم تخصيص احتياطيات النفط. أما "أوبك" فأصبحت أقوى من قبل حيث زادت قوتها وارتفع عدد أعضائها. وسيتم في مقال اليوم والمقالات القادمة تفنيد العديد من الادعاءات التي يتبناها أنصار الرأي القائل إن الولايات المتحدة تهدف إلى إرواء عطشها للطاقة من النفط العراقي، حيث إن الأمر، كما ذكر سابقاً، أكبر من النفط، وأكبر من العراق، وربما أكبر من الوطن العربي. المشكلة في بعض أنصار نظرية المؤامرة أنه إذا تمت مواجهتهم ببعض الأدلة والحقائق التي تعارض وجهة نظرهم لا يناقشون الفكرة، ولكنهم يلجأون إلى الهجوم الشخصي على حامل الفكرة، وهذا أكبر دليل على سطحية "التفكير التآمري".

واشنطن مسيطرة على النفط العراقي منذ عام 1991
من غير المعقول أن تشن واشنطن حرباً شعواء كلفتها مليارات الدولارات وآلاف القتلى للسيطرة على شيء تسيطر عليه منذ زمن بعيد. فالولايات المتحدة سيطرت على النفط العراقي منذ عام 1991 عندما أخرجت قوات صدام حسين من الكويت، وفرضت شروط استسلام قاسية على العراق، وعززت من العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الأمم المتحدة. ثم تعززت سيطرة الولايات المتحدة على النفط العراقي عام 1996 بعد توقيع الحكومة العراقية برنامج النفط مقابل الغذاء مع الأمم المتحدة. فالولايات المتحدة لم تسيطرعلى أي نفط في العالم، بما في ذلك النفط الأمريكي، كما سيطرت على النفط العراقي منذ عام 1991، وبالتحديد منذ عام 1996 عندما تم التوقيع على "برنامج النفط مقابل الغذاء". وأمريكا لم تسيطر على كميات النفط التي ينتجها العراق ويصدرها فحسب، بل سيطرت على أسعاره وتحكمت في إيراداته وكيفية إنفاقها، كما حددت الشركات التي يمكن للعراق التعامل معها. فكيف لأمريكا أن ترغب في السيطرة على نفط هو أصلاً بين أيديها؟ أضف إلى ذلك فإن الولايات المتحدة حصلت من الأمم المتحدة على معلومات تفصيلية عن جيولوجيا العراق وكل بئر نفطية فيه، وهي أمور لا يمكن أن تحصل عليها في المستقبل من حكومة عراقية حرة مستقلة. إن وجود حكومة عراقية، حتى لو كانت موالية لواشنطن، لن يمكن واشنطن من التحكم في بغداد كما تحكمت فيها في أثناء فترة "برنامج النفط مقابل الغذاء"، خاصة إذا كانت هذه الحكومة ديموقراطية ناتجة عن انتخابات حرة ونزيهة. فلا يمكن لحكومة نزيهة أن تقف صامتة ونفطها يسرق أمام أعينها، ولا يمكن لها أن تترك المعلومات المهمة المتعلقة بصناعة النفط الوطنية في أيدي الأجانب. إن سيطرة الولايات المتحدة على النفط العراقي، وتحكمها في إيرادات النفط وصادراته، وقطع الغيار اللازمة لآبار النفط، وتحديد الآبار التي تحتاج إلى الصيانة وقطع الغيار، من خلال برنامج "النفط مقابل الغذاء" تدل على أن النفط ليس الهدف الرئيس من احتلال الولايات المتحدة العراق، خاصة أن الولايات المتحدة كانت أكبر مستورد للنفط العراقي ضمن كل دول العالم من خلال برنامج النفط مقابل الغذاء، وأن وارداتها من النفط عندما كان الرئيس صدام حسين عدوها في التسعينيات أكبر منها عندما كان صدام حسين صديقها في الثمانينيات.
في هذا السياق لا بد من ذكر حقيقة مهمة وهي أن العراق لم يشارك في المقاطعة النفطية التي فرضتها الدول العربية على الولايات المتحدة وهولندا أثناء حرب رمضان، ولم يخفض الإنتاج كما فعلت الدول الأخرى لجعل المقاطعة أكثر فاعلية، بل على العكس، انسحب من الاجتماع الذي قررت فيه المقاطعة وقام بزيادة الإنتاج بمقدار 30 ألف برميل يومياً رداً على تخفيض الدول العربية الأخرى له.

الشركات الأمريكية موجودة منذ عهد صدام
وحتى قبل الغزو العراقي للكويت، كانت الشركات الأمريكية في طريقها للسيطرة على جزء كبير من النفط العراقي عندما وقعت عقوداً ضخمة مع حكومة الرئيس صدام حسين في عام 1987. هذه العقود كانت مغرية جداً للشركات الأمريكية لدرجة أن عوائدها كانت ستحقق ثلاثة إلى أربعة أضعاف ما تحققه هذه الشركات في مناطق أخرى من العالم. إلا أن الغزو العراقي للكويت أوقف عمل هذه الشركات، والتي حصلت على تعويضات ضخمة فيما بعد. وكان الرئيس العراقي صدام حسين قد أعلن قبل أسابيع من الاجتياح الأمريكي للعراق، ظناً منه أن الأمريكيين يريدون النفط، أن عقود عام 1987 ما زالت سارية المفعول وأنه يمكن للشركات الأمريكية العودة إلى العراق وفقاً لهذه العقود. لقد كان صدام مستعداً لتقديم أي شيء مقابل بقائه في السلطة، بما في ذلك النفط العراقي، ولكن حتى ذلك لم يوافق عليه البيت الأبيض. إن التحدي الذي يواجهه أنصار الفكر التآمري هو إثبات أن شركات النفط العالمية، بما في ذلك الأمريكية المنشأ، شجعت الإدارة الأمريكية على اجتياح العراق. أين هي الأدلة على ذلك؟
وهنا لا بد من ذكر حقائق مهمة وهي أن عدداً من الشركات الأمريكية أسهمت في بناء جزء من البنية التحتية للعراق أثناء حكم حزب البعث، وكانت شركة هالبيرتون من أهم تلك الشركات. إن حصول هذه الشركة على عقود بناء ميناء البصرة وبعض المنشآت النفطية لم يكن بمحض الصدفة، فهي الشركة نفسها التي بنتها في عهد صدام، وهي الوحيدة التي لديها كل المخططات.. و الخبرات!
تقرير تشيني
يركز أصحاب فكرة المؤامرة النفطية عادة على ما يسمى "تقرير تشيني", الذي يمثل استراتيجية إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش في الطاقة لإثبات وجهة نظرهم، ويا ليتهم قرأوا التقرير، الذي صدرت النسخة الأولى منه في ربيع عام 2001، قبل أن يستشهدوا به، لأن التقرير ينقض أفكارهم كلها. إن التقرير المذكور نفسه يقتضي تخفيف الاعتماد على نفط الشرق الأوسط وإيجاد مصادر بديلة له، وهي السياسة الحالية. فإذا كان هدف الاحتلال هو إرواء عطش أمريكا من النفط العراقي فإن هذا يتناقض مع "تقرير تشيني" ومع مبادئ استراتيجية الطاقة الأمريكية! وهذا ما سيتم طرحه في المقال المقبل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي