الوضع العربي في الإطار التربوي

[email protected]

الوضع العربي لا يحتاج إلى تفصيل في تعقده وتشابك المتغيرات الداخلة في تشكيله, ويكفي المرء أن ينظر نظرة عامة وعابرة, فأينما أدار بصره وفي كل زاوية من زوايا العالم العربي يجد ناراً مشتعلة هنا, وبؤساً معششاً هناك, وجهلاً يضرب أطنابه في الكثير من شعوب العالم العربي, وممارسات يصعب تفسيرها في إطار الثقافة والمنظومة التربوية ذات الجذور الإسلامية, والأخوة العربية, واللسان الواحد, والتاريخ المشترك, والعادات والتقاليد المتشابهة.
الإسلام وحدنا, وقرب بعضنا من بعض, ونزع أسباب الخلاف والاختلاف حين انصهر الجميع في بوتقة الدين الواحد وأصبح الجميع تحت لواء واحد وراية سامية "واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم وأصبحتم بنعمته إخواناً وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها" الأخوة والإخاء حلا محل العداء, والتنافر, والمحبة صارت الأساس الذي يجب أن يسود في تشكيل العلاقات بين أبناء الأمة الواحدة, لكن في العصر الحديث تبدل الحال وأصبحت الخلافات السمة الواضحة والسائدة للأسف بين العرب, حتى أن هذه الخلافات أصبحت مادة دسمة لوسائل الإعلام الأجنبية تعرضها في نشرات الأخبار, ويتناولها المحللون محاولون تفسير هذه الظاهرة الغربية التي تفتقد الأسس الموضوعية لوجودها.
إن مقارنة بسيطة بين الوضع العربي المتسم بالتشتت بغيره من الأوضاع التي توجد بين أمم أخرى, ولا أقول بين أبناء أمة واحدة, تكشف لنا الخلل الذي يميز الوضع العربي. الأوروبيون رغم أن عوامل الاختلاف فيما بينهم أكثر من عوامل الاتفاق إلا أنهم تمكنوا من صناعة وحدة اقتصادية, ومواقف سياسية موحدة في كثير من القضايا, ومنظومة عسكرية موحدة ومتكاملة.
الشعوب العربية تتطلع إلى اليوم الذي تذوب فيه الاختلافات وأسبابها, وكلما اقتربت قمة من قمم القادة العرب زاد الأمل, وارتفعت وتيرة المشاعر, لكن النتائج السابقة لهذه القمم لم تكن كما يتطلع إليه الشارع العربي, وفي كثير منها كانت مخيبة للآمال, إذ لم يلمس الشارع العربي نتيجة واضحة لبعض هذه القمم.
الوضع العربي يواجه الكثير من التحديات, ترى ما هذه التحديات وما مصدرها؟ الدكتور عمرو موسى أمين عام جامعة الدول العربية ذكر في مؤتمر صحافي أثناء القمة العربية الـ 20 والتي عقدت في دمشق أخيرا, أن تدخلات أجنبية هي السبب فيما يعانيه الوضع العربي من تأزم وظروف صعبة, وأعتقد أن من يعارضون نظرية المؤامرة لا يعجبهم مثل هذا الطرح, لأن العالم في نظرهم عالم سوي, تحفه مشاعر الإنسانية, وتوجه سلوكه القيم الإنسانية الراقية القائمة على التآلف والعدل والمحبة, وهم بهذا الإنكار لتدخلات الأجنبي يتجاهلون ويسقطون مفهوم الغرائز الذي يحرك الكثير من سلوكيات البشر ويدفعهم للإقدام على ما لا يمكن تصوره من تصرفات وأفعال. عمرو موسى وهو يشير بأصابع الاتهام إلى الخارج في الشأن العربي المتأزم يؤكد حقيقة يعلمها القاصي والداني على مساحة العالم العربي الشاسعة, لكن المهم هو أن نحدد الطرف الذي يتدخل في شؤوننا, ولماذا يتدخل, وهل العرب بقياداتهم عاجزون عن صد ومنع هذا التدخل الذي أفسد على العرب وحدتهم خلال عقود خلت؟! ما من شك أن الطرف المتدخل له مصلحة, ومصلحته منوطة باستمرار تأزم العلاقات العربية ـ العربية.
إن البوح, والتصريح بوجود تدخلات أجنبية يستوجب تحركاً عربياً لإيقافه, ومنعه من أن يستمر في إحداث آثاره السلبية, لكن الفعل العربي تجاه التدخلات الأجنبية مرهون بالميكانزم النفسي المسمى الإرادة, فمتى وجدت الإرادة وجد الفعل الذي قد يحدث تغيراً في واقع عالمنا العربي. إن اجتماعات القادة العرب في قممهم الدورية, أو الطارئة يعد فعلاً إيجابياً لكن واقع هذه القمم, وقراراتها التي تنتهي إلى عالم الأدراج يفقد الثقة بهذه القمم. الإرادة تعد الطاقة المحركة التي تدفع لتحقيق النجاح والطموحات التي توجد عند الأفراد, أو تلك التي على مستوى الأمة "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" هذا هو القانون الكوني, والطبيعي الذي يستوجب الواقع العربي المتأزم تفعيله والأخذ به إذا أراد العرب قلب المعادلة لصالحهم بدلاً من أن تكون أزمة العلاقات فيما بينهم حديث العدو والصديق. ما حدث في قمة دمشق يكشف أن التباين كبير بين العرب, وما لم ندرك هذه الحقيقة سنظل نجر مشكلاتنا خلفنا ولن نتمكن من علاج مشكلاتنا, وسيكون الأجنبي يتحكم في حاضرنا ومستقبلنا.
غرس الإرادة مطلب اجتماعي لكل العالم العربي, والمكان الصحيح لذلك هو المؤسسة التربوية في مراحل التعليم العام وفي مؤسسات التعليم العالي والجامعات, إذ من خلال المؤسسة التربوية في مناهجها ومناشطها يمكن وضع البذرة الأولى لهذه الخاصية, فهل هذه المؤسسة تعي هذا الدور, ولديها التأهيل الكافي للقيام به أم أنها تمارس الدور التقليدي الذي لا يرتبط بالواقع بل يوجد فصاماً نكداً بين ممارساتها وواقع المجتمع والأمة؟ المدرسة بما يوجد فيها من أنشطة وفعاليات وبما تقوم عليه من أسس وأنظمة, وبما تتمتع به من مناخ مشجع تستطيع أن تخلق الإرادة في نفوس الناشئة, وذلك بتشجيعهم على المبادرات الفردية وطرح الرؤى وتحليل الأحداث والمواقف التي توجد على الساحة الدولية من فترة لأخرى. المدرسة بإمكانها طرح مشاريع تفكير حرة في أي مادة من المواد تكون مجالاً للنقاش بين الطلاب بشأن مشكلة من المشكلات تكون هدفاً لتحليل أسباب وجودها وطرق حلها وتجاوزها, إذ في مثل هذه الممارسات غرس للثقة التي هي ركيزة من ركائز الإرادة.
ما الذي يمنع أن يكون الوضع المتأزم في العلاقات العربية أحد المواضيع التي تناقش ويبحث عن حلول لها؟ إذ في هذه الممارسة تحفيز على التفكير الخلاق والإبداعي, وفيه ربط للناشئة بواقع الحياة المعاش, وسبيل للتفكير في المستقبل المجهول. فهل تبادر مؤسساتنا التربوية ومحاضن التنشئة على فعل هذا الأمر كي تخرج الأمة من أزمتها الداخلية وتتفرغ لأزمتها مع الخارج والأجنبي ولو في الأجيال المقبلة؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي