كيف يمكن لمصفاة جازان أن تساهم أكثر في التنمية؟ (1 من 2)

كيف يمكن لمصفاة جازان أن تساهم أكثر في التنمية؟ (1 من 2)

[email protected]

تعد المصافي حالياً من أهم مصادر الطاقة، وتعرضها لأي خلل ولو بسيط يكون كفيلا بإشعال أسعار النفط العالمية. فمثلا في منتصف تشرين الثاني (أكتوبر) من العام الحالي تعرضت مصفاة صغيرة (لا تزيد قدرتها على 60 ألف برميل يومياً) مملوكة لـ "إكسون موبيل" في ولاية مونتانا لانفجار بسيط في المصافي، أدى هذا الانفجار إلى ارتفاع أسعار النفط فورياً.
تقوم المصافي بتحويل الخام إلى مشتقات يمكن استخدامها وقودا في حياتنا اليومية، أو كاللقائم للصناعات البتروكيماوية. وأهم هذه المشتقات هي: غاز البترول المسال LPG، النافثا (ويمكن استخدامها للصناعات البتروكيماوية)، ووقود السيارات (الجازولين، الديزل، الكيروسين، وقود الطائرات، زيوت التشحيم، زيت الوقود، والأسفلت).
تحسب ربحية المصافي ببساطة عن طريق الفرق ما بين سعر برميل الخام وسعر برميل المشتقات. طبعاً لنوعية المشتقات المنتجة من المصافي أثر كبير في هذا الفرق، إذ إن الفرق ما بين برميل الخام (العربي الخفيف على سبيل المثال) وبرميل الجازولين قد يصل حالياً إلى 30 دولارا، وكذلك الفرق بين برميل الخام وبرميل الديزل قد يصل إلى 30 دولارا، ولكن الفرق ما بين برميل الخام وبرميل زيت الوقود هو نحو -20 دولارا، أي أن زيت الوقود أقل سعراً من الخام.
وعلى هذا الأساس تعد المصافي التي تنتج جازولين وديزل أكثر وتنتج القليل من زيت الوقود ذات ربحية عالية. وعلى سبيل المثال وصل سعر برميل دبي في سنغافورة إلى نحو 55 دولارا في تشرين الأول (أكتوبر) من عام 2005م ووصلت أسعار المشتقات في المكان والزمان نفسيهما إلى النحو التالي: برميل الجازولين 70 دولارا، برميل الديزل 77 دولارا، برميل وقود الطائرات والكيروسين 76 دولارا، وأخيراً وصل سعر برميل زيت الوقود إلى 45 دولارا فقط. أي أنه كلما زاد إنتاج المصفاة من الجازولين والديزل والكيروسين (طبعاً عالي الجودة خاصة فيما يتعلق بنسب الكبريت) زادت ربحيتها، لأن الربحية تعتمد مباشرة على الفرق السعري ما بين برميل الخام وبرميل المشتقات.
إذاً المصافي الحديثة وذات القدرة التحويلية ذات ربحية أكثر من المصافي البسيطة Topping التى لا تستطيع تكسير المشتقات الثقيلة إلى جازولين وديزل. والمثال التالي يوضح الفكرة، فلو أن مصفاة قدرتها 100 برميل في اليوم، فمثل هذه المصفاة تنتج نحو 40 برميلا من المشتقات الثقيلة ذات القيمة الاقتصادية القليلة، وأما المصافي الحديثة ذات القدرة التحويلية العالية فتنتج نحو 15 برميلا فقط من المشتقات الثقيلة من كل 100 برميل خام، أي أن ربحيتها أعلى بكثير من المصافي البسيطة. وأما المصافي المتطورة جداً فهي قادرة على استغلال كل قطرة من الخام وتستطيع إنتاج برميلين فقط من المشتقات الثقيلة من كل 100 برميل خام، أي أنها استطاعت تحويل نحو 98 في المائة من الخام إلى مشتقات ثمينة، ما يعنى زيادة في الربحية.
وقد يوجد تساؤل: ما الوضع الأمثل لمصفاة جازان؟
هناك العديد من السيناريوهات لما يمكن أن يكون عليه وضع مصفاة جازان، ومنها أن تنتج وقودا خاليا من الكبريت، إضافة إلى إنتاج اللقائم الضرورية للصناعات البتروكيماوية، وعلى هذا الأساس يجب على هذه المصفاة:
* أن تكون مصفاة حديثة وتحويلية Conversion مختصة في إنتاج الوقود مثل الجازولين والديزل لتصديره إلى مختلف دول العالم، ويجب أن تكون هذه المشتقات على أعلى درجة من النظافة والمواصفات حتى تستطيع دول العالم المتطورة شراءها.
* تستهلك أوروبا الكثير من الديزل وقودا للسيارات، وعليه فإن تصميم مصفاة جازان لإنتاج كميات كبيرة من الديزل الخالي من الكبريت بهدف تصديره إلى أوروبا عبر قناة السويس هو عمل جدير بالاهتمام لما له من مستقبل تجاري في ظل ضعف قدرة الدول الأوروبية التكريرية، التي قد تواجه أزمة مستقبلية في الديزل نتيجة تواضع ربحية المصافي عندهم، وللصرامة التي تصل إلى حد القسوة بشأن التشريعات البيئية المفروضة على المصافي ومنتجاتها.
* أن يتم إنشاء مجمع بتروكيماوي إلى جانب المصفاة، وهذا يتطلب تصميم المصفاة لإنتاج اللقائم اللازمة للصناعات البتروكيماوية منذ البداية. يوجد العديد من العمليات الصناعية التي يمكن استخدامها لإنتاج اللقائم، وهذه العمليات منها ما هو معتمد على التفاعلات الحفزية، إذ يتم تكسير المشتقات الثقيلة عديمة الفائدة لإنتاج كميات كبيرة من الأولفينات مثل البروبيلين والإيثيلين، وعلى هذا الأساس فإنه من المناسب التفكير في تركيب وحدات التكسير الحفزية البتروكيماوية.
ويوجد عدة تقنيات عالمية لهذا الغرض، وتقوم هذه الوحدات بتأمين البروبيلين والإيثيلين لصناعة البولي بروبيلين والبولي إيثيلين.
وهنالك عمليات أخرى غير حفزية تتمثل في تكسير المشتقات المتوسطة الحجم بتأثير الحرارة فقط، أي لا يوجد في هذه العمليات حاجة للشراء المتكرر للمواد الحفازة الذي قد يكون مكلفاً ومزعجاً بعض الشيء. وأفضل ما يمثل هذه العمليات غير الحفزية مكسرات النافثا البخارية التي تستخدم النافثا كالقيم يتم تكسيرها لإنتاج الأولفينات والعطريات. ومكسرات النافثا من العمليات المهمة التي سوف تستخدم في مجمع رأس تنورة البتروكيماوي بالشراكة ما بين شركة داو كيميكال و"أرامكو السعودية".
وتنتشر في المملكة حالياً مكسرات الإيثان البخارية بكثرة لإنتاج الإيثيلين من غاز الإيثان، ولا تنتج هذه المكسرات كميات مهمة من البروبيلين ذلك المنتج الاستراتيجي. ومن أجل ذلك فإن إنتاج مصفاة جازان للبروبيلين يعد من الخطوات المهمة، ويأتي البروبيلين هذا بتجميع البروبيلين المنتج في كل من وحدات التكسير الحفزية ومكسرات النافثا، لأن ما تنتجه وحدات التكسير الحفزية عادة لا يكفى لإنتاج كميات تجارية من البروبيلين.
وتجدر الإشارة إلى أنه من المتوقع أن يستمر الطلب العالمي في الصعود على البروبيلين ليصل إلى نحو 120 مليون طن عام 2020م، ويعتبر هذا دافعا كبيرا للاستثمار في صناعة إنتاج البروبيلين. وكذلك فإن صعود الطلب العالمي على الإيثيلين لا يقل أهمية عن البروبيلين، إذ إنه من المتوقع أن يصل الطلب العالمي على الإيثيلين إلى نحو 180 مليون طن عام 2020م. وأما العطريات (من بنزين وزايلين وكيومين) فالعالم في أمسّ الحاجة لمثل هذه البتروكيماويات الاستراتيجية.
إن التخطيط السليم والاستراتيجي لمصفاة جازان الذي يراعى المتغيرات الدولية والصناعية كفيل بأن يجعل هذا المشروع من المشاريع العصرية الناجحة، وخاصة في ظل عطش عالمي وإقليمي للمشتقات النفطية مثل الديزل والجازولين.
أما إضافة مجمع بتروكيماوي تكاملي للمصفاة لإنتاج المواد البتروكيماوية، التي ينمو الطلب العالمي عليها بنسبة 2.5 في المائة سنويا، فيعد من العوامل الأساسية لزيادة ربحية المصفاة، خاصة في ظل التوجه العالمي لتوحيد الصناعات التكريرية والبتروكيماوية في مجمعات تكاملية عصرية، كما فعلت "أرامكو السعودية" في مجمع رابغ البتروكيماوي.

الأكثر قراءة