من يحدد سعر برميل النفط؟
في تعقيب لها حول النتيجة التي خلص إليها الاجتماع الدوري لمنظمة الأقطار المصدرة للنفط (أوبك) الأسبوع الماضي في أبو ظبي، قالت صحيفة "فاينانشيال تايمز" في إحدى افتتاحياتها، إن القرار الأساسي الذي اتخذته المنظمة قام على عدم اتخاذ أي قرار بشأن زيادة الإنتاج والإبقاء على السقف الحالي، وأرجعت هذا الوضع إلى الخلافات الداخلية التي تعصف بالمنظمة بين الحمائم والصقور، مشيرة إلى ارتفاع مكانة وأسهم الأخيرين وتأثيرهم القوي في قرارات (أوبك)، الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى حالة من عدم الاستقرار السعري. واختتمت بالتساؤل حول المعدل الذي ترغب في رؤيته فيما يتعلق بسعر برميل النفط.
يقوم منطق هذه الافتتاحية على أساس أن (أوبك)، التي أصبحت تقريبا تسيطر على قرابة ما يزيد على 40 في المائة من حجم السوق والإمدادات إليها، خاصة بعد انضمام كل من أنجولا والإكوادور، تسيطر بالتالي على تحركات الأسعار، وليس هناك ما هو أبعد من الواقع عن مثل هذا الانطباع.
(أوبك) تؤثر في السوق من ناحية الإمدادات رفعا وخفضا، وبالتالي يمكنها إحداث بعض التأثير في الأسعار، لكن ليس إلى درجة السيطرة وتوجيه سعر البرميل إلى أعلى أو أسفل كما ترغب. وسجل المنظمة واضح في هذا الصدد.
فإذا استبعدت فترة السبعينيات التي تلازمت مع تعديل سعر البرميل، ما عكس جهد عقود من الزمان قامت به الشركات التي كانت تسيطر على صناعة النفط، فإن سعر البرميل كان مدفوعا إلى حد كبير بالفترة السابقة التي كان السعر فيها منخفضا بصورة غير طبيعية، وبرغبة المستهلكين في الحصول على الإمدادات بأي سعر، بعد سيادة انطباع غير مبرر أنه ينبغي الحصول على برميل النفط بأي ثمن، وهو الوضع الذي عززته تجربة الثورة الإيرانية.
فترة خمود الطلب في مطلع عقد الثمانينيات أوضحت بجلاء عجز المنظمة عن رفع السعر إلى أعلى، وحتى عندما خاضت السوق حرب الأسعار التي أطلق عقالها المنتجون الخليجيون، فإن آخر أمر كان يجري الاهتمام به هو السعر، لأن حرب الأسعار قامت على استراتيجية تكبير الحصة في السوق على حساب استراتيجية تعظيم المكاسب المالية من خلال رفع الأسعار.
وبعد وقف تلك الحرب قبل تحقيق أهدافها ولأسباب متعددة، فإن المنظمة ومنذ نهاية عام 1986 ولفترة تقارب خمس سنوات ظلت تستهدف سعرا يراوح بين 20 و22 دولارا للبرميل، ولم تستطع تحقيق هدفها ذلك، بل إن سعر البرميل الفعلي كان يقل في واقع الأمر عن السعر المستهدف بقرابة خمسة دولارات في كل برميل.
وظل الأمر على هذا النحو طوال عقد التسعينيات واستمرار استراتيجية زيادة حصة المنظمة في السوق، التي تمثل نجاحها في زيادة تلك الحصة بنحو مليون برميل يوميا كل عام طوال عشر سنوات.
مطلع هذا العقد قامت (أوبك) بعكس استراتيجيتها والعودة مرة ثانية لتعظيم العائدات المالية من خلال العمل على رفع سعر البرميل، وهو ما نجحت فيه، لكن لأسباب تتعلق بزيادة الطلب خاصة من الصين والدول الآسيوية عموما، التي فاجأت العالم كله بما فيه المؤسسات التي يفترض أن تكون الأكثر انشغالا بتوقعات العرض والطلب مثل إدارة معلومات الطاقة الأمريكية أو الوكالة الدولية للطاقة، ما أدى إلى تجاوز فكرة النطاق السعري الذي اعتمدته المنظمة لفترة من الوقت لإكساب تحركاتها بعض المرونة المطلوبة في التعامل مع متغيرات السوق.
ثم تداخلت العوامل الجيوسياسية والأوضاع الأمنية في بعض الدول المنتجة، ليصبح الانطباع العام عن السوق ومزاجها الذي تحكمه إلى حد كبير عناصر أخرى إلى جانب عاملي العرض والطلب. وهكذا أصبحت (أوبك) عاملا من بين عدة عوامل تؤثر في سعر البرميل.
في هذا الإطار تتباين المواقف ولأسباب تتعلق بالنظرة الخاصة والظروف الداخلية لكل دولة، فالكل يرغب في الحصول على سعر مجز لصادراته النفطية، حيث لا تزال القناعة سائدة أنه سلعة ناضبة، وهذا ما يفضل البعض تقسيمه إلى معسكري الحمائم والصقور ودون تفسير واضح ومقنع على أي أساس يكون هذا التوصيف.
النقطة التي لا تزال تحتاج إلى توقف عندها من قبل المنظمة تتمثل في أنها لم تحدد فعلا المدى السعري الذي ترغب فيه، وعلى هديه يمكن تحديد حجم الخفض أو الرفع للسقف الإنتاجي.
في الاستراتيجية التي وضعتها المنظمة تناولت موضوع التسعير لكنها لم تحدد الآلية التي يمكن من خلالها وضع تلك الاستراتيجية موضع التطبيق. ويبدو أنه بسبب حالة الغموض وعدم الوضوح وغياب اليقينيات القاطعة في ميادين مثل الطلب والطاقة البديلة وغيرها، وجدت المنظمة أن الوسيلة العملية في التعامل مع قضايا سعر البرميل التحرك بمرونة وفي مدى مستقبلي قصير، وذلك حتى إشعار آخر.