مشروع تعويض ضحايا الرهن العقاري في أمريكا يثير الجدل

مشروع تعويض ضحايا الرهن العقاري في أمريكا يثير الجدل

صدرت عدة تقارير هذا الأسبوع تتعلق بأداء الاقتصاد الأمريكي. التقارير في مجملها تعطي إشارات إيجابية نوع ما بشأن أداء الاقتصاد على الرغم من أنها لا تزيل مخاوف الركود الاقتصادي بشكل كامل. سنبدأ بتقرير الوظائف الذي صدر في نهاية الأسبوع والذي أشار إلى أن الاقتصاد أضاف 94 ألف وظيفة خلال تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي. وعلى الرغم من هذه الزيادة إلا أنها تقل بكثير عن معدلها الذي بلغته خلال تشرين الأول (أكتوبر) الماضي والذي زاد خلاله عدد الوظائف بمعدل 170 ألف وظيفة. ومع ذلك فتعد هذه الزيادة مؤشراً إيجابياً على تحسن أداء الاقتصاد نوعاً ما مما سيحافظ على القدرة الاستهلاكية للأفراد التي تعد عاملاً حاسماً في تحديد توجهات النمو الاقتصادي الأمريكي، إضافة إلى ذلك فقد أشار تقرير الوظائف المشار إليه إلى أن معدل البطالة قد استقر عند معدله السابق والبالغ 4.7 في المائة مما يعني أن هناك حاجة إلى التحرك لضمان عدم تزايد هذا المعدل خلال الشهر المقبل. مؤشر آخر مهم صدر في بداية الأسبوع الماضي وهو مؤشر الـ ISM الصناعي الذي يتابع أداء نشاط القطاع الصناعي باستبيان ما يقرب من 400 منشأة صناعية في مجالات متعددة والذي أظهر تراجعاً طفيفاً خلال تشرين الثاني (نوفمبر) مقداره 0.1 وليبلغ معدل 50.8 نقطة وهي على الرغم من ذلك تبقى في المجال المتعلق بالتوسع في النشاط الاقتصادي. ومع ذلك فاقترابها شيئاً فشيئاً من مستوى الخمسين نقطة والذي يشير إلى الانكماش الاقتصادي في القطاع الصناعي يشكل قلقاً بالنسبة للمحللين والمستثمرين على حد سواء. أما فيما يتعلق بمبيعات التجزئة فقد أظهرت البيانات لكبرى المتاجر إشارات متضاربة، ففي حين سجلت متاجر Wal-Mart - كبرى متاجر التجزئة في العالم - زيادة في مبيعاتها، انخفضت مبيعات متاجر Target أقل من التوقعات مما يتوقع أن تنخفض معها مبيعاتها خلال كانون الأول (ديسمبر). ومع ذلك فقد أظهرت متاجر أخرى كـ Macy’s و Nordstorm ارتفاعا في مبيعاتها بمعدل 13 و 8.7 في المائة على التوالي مما جعل المبيعات الفعلية تتجاوز التوقعات خلال إجازة عيد الشكر والتي عادة ما تكون مؤشراً على ثقة المستهلكين وإقبالهم على الشراء. إضافة إلى ذلك ينتظر أن تحدد مبيعات إجازة أعياد الميلاد التوجه الاقتصادي العام، وفيما إذا كان المستهلكون قد تأثروا بشكل كبير من جراء التراجع الاقتصادي الحالي والمترافق مع ارتفاع أسعار النفط أم أنهم لا يزالون قادرين على امتصاص المزيد من الارتفاعات في أسعار النفط.
وهنا تتضارب التكهنات بشأن ما إذا كان الاحتياطي الفيدرالي سيستمر على نهجه المتعلق بتخفيض تدريجي لسعر الفائدة من أجل تحفيز النمو الاقتصادي الذي تراجعت رؤية النمو المتعلقة به خلال العام المقبل بسبب تراجع الثقة الكبير سواء بين المستثمرين أو المستهلكين نتيجة للآثار السلبية التي تركتها أزمة قطاع الإسكان. حيث تراوح التكهنات حول قرار لجنة سياسات السوق المفتوح FOMC والمتعلق بسعر الفائدة المستهدف الذي تقترض به البنوك من بعضها Federal Fund Target بين خفض مقداره 25 نقطة أساس (0.25) وبين خفض قوي آخر مقداره 50 نقطة أساس (0.50) خلال الاجتماع الدوري الذي سيعقد الأسبوع المقبل. وحسب بيانات الأسواق المستقبلية Future Markets فالتوقعات تصب في اتجاه خفض مقداره خمسون نقطة أساس، وذلك على الرغم من صعوبة تصور ذلك في ظل بيانات الاحتياطي التي لم يمض عليها شهر واحد والمتضمنة أنه لا يتوقع أن يكون هناك خفض آخر. الجانب الآخر من المحللين يتوقع خفضاً مقداره 25 نقطة أساس وذلك بالنظر إلى البيانات المتعلقة بالوظائف التي تم الإشارة إليها والتي سيشجع تراجعها على تقوية وجهة النظر القائلة بزيادة مخاطر الركود الاقتصادي في مقابل التضخم والتي رأى الاحتياطي الفيدرالي في بداية الشهر أن الرؤية بشأن هذين العاملين متوازنة. أي أن تراجع الوظائف، إضافة إلى تراجع النشاط الصناعي وذلك بالنظر إلى مؤشر الـ ISM الصناعي سيرجح عامل الضعف في الاقتصاد على عامل مخاوف التضخم مما سيحفز مسؤولي الاحتياطي لتخفيض آخر في سعر الفائدة. عامل آخر يزيد من احتمالات خفض سعر الفائدة هو التراجع الذي شهدته الأسواق المالية والذي يأتي انعكاسا طبيعياً لرؤية المستثمرين المتشائمة وللنتائج السيئة التي شهدتها البنوك التي تأثرت بأزمة الرهن العقاري والتي أدت إلى زيادة مخاطر الإقراض بشكل كبير حتى بين البنوك بعضها بعضا. ويدلل على ذلك انخفاض معدلات الإقراض بين البنوك وارتفاع تكاليفها في الوقت نفسه في سوق لندن للإقراض قصير الأجل.
من ناحية أخرى، قدم كل من الرئيس الأمريكي ووزير خزانته مشروعاً لتعويض الأفراد الذين أدت أزمة الرهن العقاري إلى تزايد إمكانية إفلاسهم وبيع منازلهم من قبل مقرضيهم من المؤسسات المالية. وهذا المشروع يتضمن تجميد سعر الفائدة على قروضهم عند مستوى معين سابق مما يعني تنازل المقرضين عن الفوائد المتغيرة التي كانت السبب الرئيس وراء إفلاس الكثير من الأشخاص. ويتوقع أن يبلغ عدد المستفيدين من هذا المقترح 1.2 مليون شخص، حيث يتضمن المقترح شروطاً محددة من أجل الاستفادة من هذا البرنامج. وقد أدى هذا المقترح إلى الارتفاع الذي شهدته أسواق الأسهم خلال الأسبوع الماضي. ويثور جدل كبير في منطقية المقترح الذي لم يتم إقراره بعد، حيث إنه يتضمن مكافأة الأشخاص عديمي المسؤولية المالية بتجميد أسعار الفائدة على قروضهم، بينما يُعاقب الأشخاص الملتزمون بالسداد في الوقت المحدد بحرمانهم من الاستفادة من مزايا هذا المقترح. إضافة إلى ذلك يتعارض هذا المقترح مع أبسط شروط وقواعد الاقتصاد التي يقوم عليها الاقتصاد الأمريكي.
في أوروبا التي تتأرجح بين معدلات نمو متراجعة وبين معدلات تضخم متزايدة أقدم بنك إنجلترا على خفض سعر الفائدة المستهدف بواقع ربع نقطة مئوية وذلك بهدف تخفيض تكاليف الائتمان المتزايدة بسبب تراجع رغبة البنوك في الإقراض التي تعكس بشكل أو بآخر التزايد في مخاطر الائتمان والتي أشرت إليها سابقاً. وبذلك يبلغ سعر الفائدة المستهدف في بريطانيا 5.5 في المائة بينما أبقى البنك المركزي الأوروبي على سعر الفائدة المستهدف دون تغيير عند مستوى 4 في المائة. ويواجه الاقتصاد الأوروبي مشكلات تراجع النمو الاقتصادي وتزايد معدلات التضخم مما يشكل حرجاً كبيراً للبنوك المركزية التي تسعى لموازنة عامل التراجع في النمو مع مخاطر التضخم لتحديد سياستها المتعلقة بسعر الفائدة المستهدف. وقد أدى خفض بنك إنجلترا لسعر الفائدة وإبقاء البنك المركزي الأوروبي على المستوى نفسه إلى تراجع العملات الأوروبية في مقابل الدولار، مما يعطي مؤشراٌ عن انتهاء شهر عسل اليورو الذي استمتع فيه بمعدلات قياسية أمام الدولار. ومع ذلك فيتوقع أن يؤدي التخفيض المتوقع لسعر الفائدة المستهدف على الدولار إلى ارتفاع اليورو أمام الدولار مرة أخرى.

[email protected]

الأكثر قراءة