رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


حل الأزمة الإسكانية في التنمية الشاملة

[email protected]

أشرت الأسبوع الماضي إلى أن الآمال التي يعقدها البعض على نظام الرهن العقاري للإسهام في حل أزمة الإسكان المتنامية آمال في غير محلها، وأن الدور المتوقع لهذا النظام هو مفاقمة الأزمة لا حلها، باعتبار ما سيترتب على إقراره من زيادة في حدة ارتفاع أسعار العقارات والأراضي. وحل أي مشكلة مرهون بفهمها ومعرفة أسبابها ومن ثم وضع الحلول التي تتعامل مع هذه المسببات بشكل مباشر، وأزمة الإسكان التي نعانيها حاليا تعود بشكل أساس إلى النمو المبالغ فيه في المدن الرئيسة نتيجة الهجرة الداخلية الكثيفة إليها من بقية مدن المملكة وقراها، الذي تسبب في ضغط هائل على مختلف الخدمات والبنى التحتية فيها، وفي ارتفاع خيالي في أسعار العقارات والأراضي، بحيث أصبح تأمين سكن مناسب هاجسا مقلقا لقطاع واسع من سكانها. فمعدل النمو السكاني في مدينة الرياض، على سبيل المثال، يقدر بنحو 8 في المائة سنويا، وهو دون شك معدل نمو مبالغ فيه جدا سيجعل تعداد سكان المدينة بعد أقل من ثماني سنوات يتجاوز عشرة ملايين نسمة، وليس علينا إلا تخيل حجم البنى التحتية والخدمات العامة التي يلزم تنفيذها في مدينة الرياض، ليس لتحسين تلك الخدمات، وإنما فقط للمحافظة على مستواها الحالي نسبة إلى عدد سكان المدينة.
ووفقا للاستراتيجية العمرانية الوطنية التي أقرت من مجلس الوزراء قبل ما يزيد على أربع سنوات، فإنه يتوقع أن يصل عدد سكان المملكة من السعوديين بحلول عام 2020 إلى نحو 39 مليون نسمة سيقيم معظمهم في المدن الرئيسية، فبعد أن كانت نسبة السعوديين المقيمين في المدن الرئيسية لا تتجاوز 48 في المائة عام 1974، فإن هذه النسبة ظلت وما زالت في ارتفاع مستمر بحيث وصلت عام 2000 إلى 80 في المائة, ما يعني أن هناك تفريغا سكانيا خطيرا لمعظم مناطق المملكة، خاصة تلك التي لا توجد فيها مدن رئيسة، وكذلك الأرياف والمناطق الزراعية والمدن الصغيرة ضمن المناطق التي توجد فيها مدن رئيسة، وهذا التفريغ السكاني هو السبب الرئيس لما نشاهده حاليا من ضغوط متزايدة على البنى التحتية في المدن الرئيسة رغم الاستثمارات الحكومية الضخمة فيها، وهو المتسبب في ارتفاع أسعار الأراضي والعقارات فيها بشكل حاد في ظل نمو غير الطبيعي في الطلب على الوحدات السكنية مع استمرار الهجرة الداخلية.
وفي ظل عدم تبني استراتيجية ملزمة لجميع الأجهزة الحكومية تهدف إلى وضع حد لهذا التركز السكاني في المدن الرئيسة، أصبح هناك قبول رسمي لهذا الزحف السكاني باعتباره أمرا واقعا لا مناص منه، وأضحى اهتمام مختلف الأجهزة الحكومية منصبا فقط على محاولة حل الإشكالات المترتبة على ذلك وليس حل المشكلة نفسها، بالتالي يتم تخصيص موارد هائلة لتنفيذ مشاريع ضخمة في المدن الرئيسة، الذي بدوره يشجع على مزيد من الهجرة إليها ويسهم في توسيع الهوة بين مستويات المعيشة وفرص العمل المتاحة فيها وبين ما هو متاح في بقية مدن المملكة وقراها. فلا يكفي مثلا أن تنشئ جامعة في الحدود الشمالية إذا كان خريجو هذه الجامعة لن يجدوا فرص عمل مناسبة وسيضطرون إلى الهجرة إلى المدن الرئيسة بعد تخرجهم، ويجب أن يتزامن فتح الجامعات مع خلق فرص عمل جديدة عالية النوعية في تلك المناطق تشجع أبناء تلك المناطق على الاستقرار فيها وعدم الهجرة منها، بل تشجع حتى من غادروها اضطرارا إلى العودة إليها. وليس هناك من مبرر، على سبيل المثال، أن تكون جميع أعمال شركة سابك في مدينتي الجبيل وينبع بينما مقرها الرئيس وإدارتها في الرياض، أو أن ينشأ مصنع أدوية في القصيم وتبقى إدارة ومقر الشركة في الرياض.
ومن وجهة نظر استراتيجية أمنية فإنه ليس من المناسب مطلقا أن يتركز نسبة كبيرة من سكان المملكة في مدينة واحدة كمدينة الرياض وهي تشتكي من شح في الموارد لعل أهمها وأخطرها المياه التي تنقل لها محلاة من مسافات بعيدة. والبيئة الصحراوية للمملكة تعني محدودية الموارد في أي جزء من أجزاء البلاد، استغلالها بكفاءة يتحقق من خلال استخدام متوازن لها على نطاق البلاد، وليس من خلال ضغط هائل على الموارد في مدينة أو منطقة معينة بسبب تركز السكان فيها. واتساع الرقعة الجغرافية للمملكة يعني أن تركز معظم السكان في عدد من المدن الرئيسة يترتب عليه دون أدنى شك حرمان المناطق الأخرى من موارد بشرية ضرورية لتطويرها، ويحد من جدوى المشاريع الحكومية في تلك المناطق التي جرى تفريغها من السكان بشكل متواصل، على سبيل المثال، هناك مبان مدرسية حكومية حديثة غير مستخدمة حاليا في العديد من القرى والبلدات في مختلف مناطق المملكة بعد إغلاق تلك المدارس بسبب تدني عدد الطلاب بعد هجرة معظم سكانها ممن هم في سن التعليم، وما لم توضع خطوات تنفيذية محددة صارمة تضمن التزام جميع الأجهزة الحكومية بالتقيد التام بالاستراتيجية العمرانية الوطنية، فإن مشكلات مدننا الرئيسة لن تزداد إلا تعقيدا.

أكاديمي وكاتب اقتصادي

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي