"بيرن ستيرنز" يزيد من قوة "الاحتياطي الفيدرالي"
في كانون الثاني (يناير) من عام 2007 استمتع مالكو الأسهم في البنك الاستثماري بيرن ستيرنز Bear Stearns بأحلى أيامهم عندما تجاوز سعر السهم 170 دولاراً. لكن ذلك الانتعاش لم يدم طويلاً عندما أعلن البنك الصيف الماضي عن تعرض صندوقي تحوط Hedge Funds يملكهما البنك لخسائر كبيرة بسبب سندات الرهن العقاري، ومن ذلك الحين بدأت عملية التدهور التدريجية. حينها ظل سعر السهم لـ "بيرن ستيرنز" يراوح لما فوق المائة دولار بالنظر إلى التطمينات التي تلقاها المستثمرون بسيطرة البنك على الوضع المتأزم. ظلت الرؤية بشأن وضع "بيرن ستيرنز" تتدهور مع تفاقم أزمة الرهن العقاري ومن ثم أزمة أسواق الائتمان، مما أدى إلى ورود شائعات في منتصف آذار (مارس) الماضي بعدم قدرة البنك على إعادة أموال مودعيه، الأمر الذي حدا بالمودعين الآخرين إلى الجري لسحب استثماراتهم. على أثر ذلك هب الاحتياطي الفيدرالي في خطوة غير مسبوقة في تاريخه للتدخل بترتيب عملية استحواذ كاملة للبنك المتعثر من قبل جي بي شيز مورجان JP –Chase Morgan"، بحيث يقوم الأخير بشراء "بيرن ستيرنز" بسعر منخفض قدره دولاران للسهم، وفي الوقت نفسه يقوم "الاحتياطي" بضمان استثمارات "بيرن ستيرنز" المتعثرة في سندات الرهن العقاري والبالغة قيمتها 30 مليار دولار (لكن قيمتها الحالية أقل بكثير بسبب عدم توافر مشترين لها). أي في حالة حدوث خسائر من جراء بيع السندات سيتحملها "الاحتياطي الفيدرالي"، وفي حالة تحقيق مكاسب سيحصل عليها أيضاً "الاحتياطي الفيدرالي". هذا الترتيب جرى تعديله برفع سعر السهم لـ "بيرن ستيرنز" إلى عشرة دولارات للسهم وتحمل "جي بي شيز مورجان" للمليار دولار الأولى من الخسائر الناتجة عن عمليات تصفية أصول "بيرن ستيرنز"، بينما يتحمل "الاحتياطي الفيدرالي" الـ 29 مليارا المتبقية.
الآلية التي سيتم بها تنفيذ العملية هي تأسيس شركة استثمارية ذات مسؤولية محدودة (يؤسسها جي بي مورجان) في ولاية ديلوير تقوم بعملية شراء أصول "بيرن ستيرنز" بتمويل قدره 29 مليار دولار من الاحتياطي، بحيث تقوم هذه الشركة بعملية البيع التدريجي للأصول، ويتحمل "الاحتياطي" بموجب الضمان المقدم أية خسائر كما سيتحصل على أي أرباح تنتج عن عملية البيع تلك. والخطوة المسبوقة التي قام بها "الاحتياطي الفيدرالي" أنه بدا وكأنه مشتر لتلك الأصول لحسابه الخاص، الأمر الذي يتنافى مع القواعد والقوانين التي يعمل على أساسها "الاحتياطي الفيدرالي". لكن على الرغم من ذلك لاقت خطوة الاحتياطي قبولاً واسعاً حتى من الكونجرس الذي لم تتم الحصول على موافقته على عملية الترتيب تلك. لكن لماذا كل ذلك القبول؟ السبب هو الخشية من تكرار مسلسل الكساد الكبير الذي حدث عام 1929 وكان أحد أسبابه، حسبما يراه رئيس "الاحتياطي الفيدرالي" الحالي بيرنانكي من خلال أبحاثه المنشورة، أن "الاحتياطي الفيدرالي" آنذاك لم يتدخل لإنقاذ القطاع المصرفي من الفشل بسبب عدم قدرة المقرضين على السداد. مما أدى إلى سلسلة من انهيارات البنوك بلغت خمسة آلاف بنك آنذاك. لذلك كان تدخل "الاحتياطي" الأخير إشارة إلى أن "الاحتياطي" سيكسر كل القيود ليمنع حدوث ذلك مرة أخرى، مما عزز الثقة بين المستثمرين بشكل كبير.
ونتيجة لأزمة الكساد الكبير برزت على الساحة المؤسسة الفيدرالية لتأمين الودائع FDIC التي تؤمن الودائع في البنوك بحد أقصى 100 ألف دولار عند انهيار أي بنك. لكن هذه الميزة لا تشمل مودعي البنوك الاستثمارية بسبب اختلاف طبيعتهم. حيث يقبل البنك الاستثماري ودائع صناديق التقاعد وصناديق الاستثمار والمستثمرين الكبار فقط، بينما لا يقبل الودائع من الأفراد، مما يقلل من مخاطر الفرع لسحب الودائع. وبحكم أنه بنك استثماري فلا تسري عليه أيضاً القيود التي يفرضها "الاحتياطي" على البنوك التجارية مثل متطلبات السيولة الدنيا، مما يوفر له حرية أكبر في التحرك الاستثماري. لكن معارضي عملية تدخل "الاحتياطي" في عملية الاستحواذ تلك يخشون من بروز مشكلة الخطر الأخلاقي Moral Hazard، حيث سيتصرف كل بنك بطريقة استثمارية لا مسؤولة بسبب معرفته بتدخل "الاحتياطي" في حالة الحدوث الأسوأ. هذا الأمر سيفرض مزيداً من الضغوط لأجل إخضاع جميع المؤسسات المالية للإشراف المباشر من قبل "الاحتياطي الفيدرالي" لضمان حد أدنى من الملاءة الائتمانية. لذلك قدم وزير الخزانة الأمريكي هنري بولسون مشروعه الأسبوع الماضي لإعطاء "الاحتياطي الفيدرالي" المزيد من الحرية والقوة للتصرف خلال الأزمات، وفي الوقت نفسه فرض المزيد من القيود على عمل المؤسسات المالية بمختلف أطيافها للتقليل من احتمالات حدوث أزمات مالية مستقبلية.