إلى أصحاب نظرية مؤامرة "النفط العراقي" .. ما رأيكم الآن؟

[email protected]

لم تحتل الولايات المتحدة العراق للسيطرة على نفطه بهدف إرواء عطشها من النفط. النفط لم يكن هدف الاحتلال، وإنما وسيلة لتحقيق الهدف. إن أهم درس تعلمناه من تاريخ النفط هو أن من يتحكم في تدفق النفط في بلد ما، يحدد مستقبله! هذا المنطق يتنافى تماماً مع ما ينشره أصحاب نظرية المؤامرة، وهم أفراد متعددو الأطياف والمشارب، بأن سبب الاحتلال الأمريكي للعراق هو:
1- الحصول على النفط العراقي لإرواء عطش الولايات المتحدة من النفط.
2- تمكين شركات النفط الأمريكية من تملك الاحتياطيات الضخمة للعراق.
3- زيادة إنتاج العراق بشكل كبير وتخفيض أسعار النفط.
4- تدمير منظمة "أوبك" عن طريق خفض أسعار النفط وإجبار العراق على الخروج منها.
وقرأنا المقالات الصحافية وبعض الكتب، وسمعنا الخطب، التي تدور في فلك هذه الأفكار، فاختزلوا أمتنا وتاريخها العريق المضيء، ذي الرائحة العطرة، في سائل يشوبه السواد رائحته تزكم الأنوف عده العرب القدماء من "أوضع المعادن"، ونسوا أن الأوروبيين غزونا واحتلونا لمئات السنيين ولم يكن عندنا نفط، وأن إسرائيل احتلت دولة عربية ليس فيها نفط، وأن الأمريكان حرروا كسوفو وأعلنوا استقلالها وليس فيها نفط، وأن أفغانستان التي احتلها الأمريكيون فيها كميات لا تذكر من النفط. نحن أكثر من نفط، وأبناء جلدتنا الذين لا يرون فينا إلا النفط يحققون للعدو أهدافاً لا تقدر بثمن. والأنكى من ذلك كله هو أن نسمع خطبة عصماء يحاول أن يقنعنا الخطيب فيها بأن أمريكا احتلت العراق لإرواء عطشها من النفط، ثم ينسى ذلك في الخطبة الثانية ويقول إن أمريكا جاءت للمنطقة خوفا من "صحوة إسلامية" تعيد لبغداد مجدها الغابر، لذلك فهَمُّ أمريكا الوحيد الذي تنام وتستيقظ عليه هو منع هذا الدين من أن يسيطر على العالم. هذا التناقض في التفكير مشوش، والتشويش من أهداف الأعداء، ونحن نقدم لهم هذه الخدمة مجاناً. الآن، لنتصور لو كان هناك نفط في لبنان، ماذا سيحدث؟ هل سيتم تفسير الأحداث "نفسها" بطريقة مخالفة لطرق التفسير الحالية؟ وهل سيتم تفسير الحرب بين إسرائيل وحزب الله كما يتم تفسيرها الآن؟

بعد 5 سنوات
الآن، وبعد خمس سنوات من احتلال العراق، أعلن الرئيس الأمريكي الحالي جورج بوش، الرجل الذي تفترض نظرية المؤامرة أنه جاء للعراق من أجل النفط، على الملأ أنه سيلغي اعتماد أمريكا تماما على النفط. ثم قام بإنفاق مليارات الدولارات على تطوير مصادر الطاقة البديلة وخاصة الوقود الحيوي. الآن، وبعد خمس سنوات، يعاني العالم أزمة نفطية خانقة بعد أن تضاعفت الأسعار بأكثر من ثلاث مرات عما كانت عليه قبل الغزو. الآن، وبعد خمس سنوات، تبدو "أوبك" أكثر تماسكاً وقوة من فترة ما قبل الغزو.
أين هو إنتاج النفط الضخم الذي تكلم عنه أصحاب نظرية المؤامرة؟ وأين هي الأسعار المنخفضة التي قالوا إن الولايات المتحدة تبحث عنها؟ وأي "مصدر آمن" أصبح النفط العراقي؟ والمثير في الأمر أن "أوبك" لم تتفكك كما زعم أصحاب نظرية المؤامرة، بل زاد عدد أعضائها خلال هذه الفترة وتحسنت علاقاتها السياسية مع الولايات المتحدة بشكل كبير حيث تم تتويج هذه العلاقات بزيارة للرئيس الأمريكي جورج بوش للمنطقة، تلتها زيارة لوزير الطاقة الأمريكي سامويل بودمان، ثم تلتها زيارة لوزيرة الخارجية كوندوليزا رايس، ثم زيارة لنائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني. وعندما تمت الإطاحة بحكومة الرئيس صدام حسين وتعيين حكومة جديدة، كان المفروض أن تكون الخطوة الأولى لواشنطن هي مطالبة الأمم المتحدة بالاعتراف بالحكومة الجديدة، ولكنها لم تقم بذلك. وكان المفروض أن تكون الخطوة الثانية هي مطالبة الجامعة العربية بالاعتراف بها، ولكنها لم تفعل ذلك أيضاً. الخطوة الأولى كانت مطالبة "أوبك" بالاعتراف بوزير النفط الجديد من الحكومة الجديدة!
الآن، وبعد خمس سنوات، لم تدخل أي من كبريات شركات النفط الأمريكية العراق! بل على العكس، أول من استثمر في العراق هي شركات نفطية "خليجية" صغيرة. أما واردات أمريكا من النفط العراقي فإنها الآن في حدود 3 في المائة من إجمالي وارداتها النفطية، وأقل من 2 في المائة من إجمالي استهلاكها للنفط.
ويستمر التفكير التآمري في تفسير الأحداث، ولكن بطريقة مناقضة تماماً لما سبق: الهدف من احتلال العراق هو منع تطوير طاقته الإنتاجية بهدف رفع أسعار النفط! أنصار هذا الفكر يعتقدون أن ارتفاع أسعار النفط هو أيضاً مؤامرة أمريكية لتدمير اقتصادات الصين ودول الاتحاد الأوروبي. المضحك في الأمر أن الحقيقة عكس ذلك لأن انخفاض الدولار جعل النفط رخيصاً نسبيا في الدول الأوروبية والآسيوية، الأمر الذي جعل شركاتها تستفيد بشكل كبير مقارنة بالشركات الأمريكية. ففي الوقت الذي وصل فيه سعر النفط إلى 111 دولارا للبرميل، كان سعر النفط في حدود 72 يورو في الأسواق الأوروبية. لقد ارتفع سعر النفط في الأسواق الأمريكية بمقدار أربعة أضعاف منذ ربيع عام 2002، بينما ارتفع أكثر من الضعف قليلاً في الأسواق الأوروبية. أما في اليابان، فما زال سعر النفط فيها الآن أقل مما كان سعره في النصف الأول من السبعينيات!
باختصار، لم تحتل الولايات المتحدة العراق للسيطرة على نفطه بهدف إرواء عطشها للنفط. لم يكن النفط هو الهدف، ولكنه كان الوسيلة لتحقيق الهدف، وهذا ما سيتم شرحه في حلقات قادمة. وهنا لا بد من الاعتراف بأنه عند الانتهاء من كتابة المقال انتابني إحساس بأن بعض محبي التفسير التآمري للتاريخ يرون فيما كتبته أعلاه مؤامرة أخرى، بينما يرى آخرون أنني جزء من "المؤامرة". حتى أنا أصبح تفكيري تآمرياً من كتابة بعض الكلمات، ويبدو أنه مرض معد ينتقل عبر القراءة أيضاً، فيرجى توخي الحذر!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي