رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


حوار الحضارات والمرجعية التربوية

[email protected]

خلال الأيام الماضية استضافت العاصمة الرياض المنتدى السادس لحوار الحضارات بين اليابان والعالم الإسلامي، وذلك بحضور لفيف من العلماء والمفكرين والمثقفين من العالم الإسلامي ومن اليابان، وتأتي قيمة هذا المنتدى في زمن يندر فيه الحوار، وتتغلب فيه لغة التهديد والوعيد واللغة الفوقية، ونبذ الآخر في ثقافته وخلفيته الحضارية. وغني عن التأكيد أن الحوار شكل من أشكال التفاوض، لكنه تفاوض فكري في البداية، وقد يترتب عليه فوائد مادية فيما بعد في حال نجاح المتفاوضين أو المتحاورين، ومع زيادة الاتصالات بين المجتمعات، وتبادل المعارف والمعلومات، ونمو المجتمعات بشرياً واقتصادياً، تأتي الحاجة إلى مثل هذه اللقاءات والمنتديات. ترى ما الأهداف التي تتوخاها مثل هذه المنتديات؟ وهل تسهم في التقريب بين الثقافات والحضارات المختلفة؟ لا شك أن الحوار يسهم في تحقيق أهداف كثيرة، ولا يمكن تصور حوار كحوار الطرشان، وأول الأهداف التعارف بين أبناء الحضارات المختلفة، وهذا ما أكدته الآية الكريمة "وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا" وإذا ما تحقق التعارف، فإن الهدف الآخر هو التفاهم، وتقريب وجهات النظر المختلفة، وهذا سيقود فيما بعد إلى تبادل المصالح على شكل بضائع وتجارة وخبرات إدارية وفنية وغيرها، ما يزيد الثقة المتبادلة بين أبناء المجتمعات ذات الحضارات المتباينة ويذيب الفروق والاختلافات في بعض الجوانب، وهذا يجعل المجتمعات كما لو أنها جبهة واحدة في مواجهة المشكلات والأخطار التي تعانيها المجتمعات الإنسانية حالياً أو ربما تحدث مستقبلاً، ولا أدل على ذلك من تلوث البيئة الذي أصبح مشكلة عالمية يعانيها جميع المجتمعات. إن التنسيق بين المجتمعات وتفادي المشكلات على الصعد السياسية، الاقتصادية، السلوكية، والنفسية, أصبح مطلب الجميع، وهذا لا يتأتى دون الحوار الذي يسهم في تشكيل المنظومات المعرفية حول الآخرين، ومن ثم الإسهام في طريقة التفكير وتشكيل المشاعر والاتجاهات. إن من الأمثلة على التعاون والتكاتف بين المجتمعات ومنسوبي الحضارات المختلفة هو ما نشاهده في بعض الأحيان، خاصة في زمن الكوارث الطبيعية كالزلازل والبراكين والأعاصير، حيث يهب الجميع للوقوف بجانب البلد أو المجتمع المصاب.
الحوار يتأثر بمجموعة من العوامل سلباً وإيجاباً، وإذا ما أريد للحوار أن ينجح فلا بد من أخذها في الحسبان من قبل المتحاورين، وأول هذه العوامل الأفكار المسبقة التي يحملها كل طرف عن الآخر، ما يؤثر في نظرة المتحاورين نحو بعضهم بعضا، ومن ثم يؤثر في مسيرة الحوار، ولذا ومن أجل ضمان نجاح الحوار يلزم فحص الأفكار المسبقة، ومعرفة مدى صدقيتها، وصحتها، إذ إن بعض الأفكار المسبقة قد تكون غير صحيحة، كما أن من العوامل المؤثرة التنافس بين المتحاورين على المصالح والنفوذ، وهذا ما حدث في السابق بين الاتحاد السوفياتي، والولايات المتحدة فبجانب الاختلاف الحضاري يوجد تنافس اقتصادي، وسياسي يتمثل في الهيمنة وبسط النفوذ, وتحقيق المصالح بعد ذلك.
ويضاف إلى ما سبق من عوامل الهوية الاجتماعية التي تميز المجتمعات في نظم الحياة والعادات والتقاليد، حيث يتحزب المتحاورون لمجتمعاتهم، لأنها تمثل الهوية الحضارية التي يفتخر بها أبناء كل مجتمع لأنها تحقق التميز الذي يتطلع إليه الجميع.
التركيبة النفسية التي يتمتع بها كل متحاور تسهم بدورها في إنجاح الحوار أو فشله, فالنظرة الفوقية لطرف ربما تؤدي إلى سوء التعامل أثناء الحوار، ومن ثم إفشاله، كما أن التعامل مع الطرف الآخر على أساس أنه متهم، وعليه إثبات براءته, يؤدي بالتالي إلى فشل الحوار وعدم تحقيق أهدافه، وهذا ما تمارسه بعض الدول مع العالم الإسلامي، حيث ينظر إليه بالريبة والشك، وأنه يستهدف تغيير المجتمعات الأخرى، والتأثير في بنائها الحضاري، وهذا ما عبر عنه أكثر من مرة الرئيس بوش, حيث كرر قوله إنهم يريدون تغيير نظام حياتنا، فكيف يتم للعالم الإسلامي إثبات براءته من هذا الاتهام الذي كثيراً ما يتكرر على مسامع العالم أجمع؟
السلوك والممارسة على أرض الواقع يمثلان حجراً أساسيا في منظومة العوامل التي تؤثر في مسار الحوار، والنتائج المترتبة عليه. وبإلقاء نظرة على الساحة الدولية نجد أنها تعج بالصراعات والحروب، والتدخل في الشؤون الداخلية للدول، والتعدي على حقوقها، ولذا فإن التخلي عن النزعة العدوانية واحترام حقوق الآخرين يشكلان مدخلاً أساسياً، للحوار, حيث يوجدان مناخاً للثقة بين المتحاورين. إن انعدام الاحترام المتبادل لقيم ورموز المتحاورين يشكل عامل هدم وفشل للحوار, وفي هذا السياق ما نلاحظه من ممارسات الغرب تجاه العالم الإسلامي، فالحروب على الأراضي الإسلامية، والدعوة لضرب المقدسات, كما طالب بذلك القس الأمريكي حين طلب من الغرب هدم الكعبة، ونشر الرسوم المسيئة للرسول, صلى الله عليه وسلم, وطرح مفهوم صراع الحضارات ونهاية التاريخ التي تتنبأ بسيطرة الرأسمالية، ومثل الديموقراطية الغربية محل مثل وقيم المجتمعات الأخرى. وفي هذه الممارسات وغيرها عوائق جمة في وجه الحوار ومن ثم التقارب بين الحضارات.
العالم الإسلامي يمتلك منظومة فكرية أساسها التسامح، والاعتراف بالآخر واحترامه، كما أكد ذلك الكثير من الآيات الكريمة في قوله تعالى "لكم دينكم ولي دين"، "لا إكراه في الدين" وقوله تعالى "لا نفرق بين أحد من رسله" إن أمة هذه مرجعيتها من شأنها إنجاح الحوار مع أي طرف آخر إذا ما توافرت النية الصادقة لدى الطرف الآخر في إنجاح الحوار، وليس بغرض استخدام الحوار كمعبر يتم من خلاله تمرير مفاهيمه الحضارية وفرضها على الآخر باسم الحوار.
ومن أجل ضمان نجاح الحوار وتحقيقه أهدافه التي تمت الإشارة إليها فيما سبق، يلزم معرفة خلفية دقيقة حول المتحاور معه، وهذه المعرفة من شأنها التقليل من الأخطاء أثناء الحوار، ويمكن تجنبها إذا ما تم الابتعاد عما يثير حساسية الطرف الآخر، أو يشعره بالمهانة. إن الرغبة في النجاح والإصرار عليه يمثل خطوة أساسية في أي حوار، أما أن يطرح الحوار لذر الرماد في العيون، والظهور أمام العالم بمظهر المتحضر الساعي للتقارب وحل المشكلات بالحوار، فهذا لا يجدي نفعاً في التقريب بين المجتمعات، وهذا ما يقوم به الغرب, حيث ينادي بالحوار لكنه يجعل من منظومته الحضارية والثقافية المرجع والإطار الذي يجب أن يحتكم إليه أثناء الحوار, وفي هذا إغفال، بل إسقاط لمرجعية الآخر ومنظومته الحضارية. الغرب في حواره مع العالم الإسلامي يتصرف بصفته القاضي والحكم، حيث يتهم العالم الإسلامي بإساءة معاملة المرأة، ويطرح موضوع حقوق الإنسان، ويناقش تعدد الزوجات مغفلاً بذلك الممارسات السلبية التي تعج بها مجتمعاته.
الإطار التربوي بمفهومه الشامل الذي يدخل فيه المدرسة، والمنزل والإعلام، وأحداث التاريخ، والثقافة العامة يمثل عاملا مهماً مساعداً على إنجاح الحوار, خاصة إذا علمنا الدور البارز للتربية في تشكيل الكثير من الخصائص النفسية وطريقة التفكير، والإدراك الذي يتمتع به الفرد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي