رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


في مجتمعنا .. الآن إدارة الرأي مشكلة!

[email protected]

مع تعقد القضايا في مجتمعنا، وأيضا مع تعدد مصادر ومشارب الآراء المطروحة على الرأي العام .. وأيضا مع ارتفاع عدد الراغبين في إبداء الآراء والأفكار، وأيضا مع التوجه إلى دعم مبدأ الحوار وتداوله في المجتمع، وهو المبدأ الذي تتبناه الدولة ويضعه خادم الحرمين الشريفين في قائمة الأولويات، ويسعى - حفظه الله - إلى توسيعه وآخر مساعيه في هذا الإطار دعوته إلى الحوار بين الأديان .. مع كل هذه المتغيرات، ألا تصبح (إدارة الرأي) في مطبوعة يومية أو أسبوعية مهمة صعبة تتطلب المتابعة الدقيقة والحكمة والصبر وتقديم المصلحة العامة بدون مساومة، حتى لو كان في ذلك مخاطر وأضرار وتهديد ووعيد!
أن تكون وسائل الإعلام عموماً، والصحافة خاصة، مصدراً مهماً ومطلوباً لإبداء الرأي، فهذا توجه إيجابي جميعاً ندعمه، وما يحتاج إليه المجتمع من وسائل الإعلام هو أن تكون قادرة على الضبط الموضوعي لتداول الرأي، والموضوعية في الطرح تقود إلى مهمة مطلوبة من وسائل الإعلام وهي (الضغط الموضوعي) المحفز وليس الموتِّر بالذات للقطاع العام، ونخص الجهاز الحكومي لأنه ما زال المؤثر الأكبر في حياة الناس فهو مقدم الخدمات وراعي المشروعات والمُوَظِّف للعاملين والعاملات.
وهذا الدور التنويري الضاغط لوسائل الإعلام مهم لولي الأمر، فالجهاز الحكومي عليه متطلبات حيوية تجاه رعاية مصالح الناس ودعم الاستقرار الاجتماعي، ولهذا تصبح الآراء الناقدة (نقداً إيجابياً) لأداء القطاع العام ضرورة يتطلبها الأمن الوطني والمصلحة العليا للبلد، وهنا تكمن الإشكالية والمعضلة لمن يتولى إدارة الرأي في مطبوعة يومية، إذ يصبح السؤال الدائم المطروح هو: كيف تضمن سلامة ومصداقية (الأهلية العلمية والعملية) ما يُطرح .. وما هي الحدود بين المصلحتين العامة والخاصة؟
هذا الموضوع إشكالية لأننا في مرحلة تنزع إلى حدة الاستقطاب في الآراء، ولأن ثقافتنا لم تستعد بعد للتعامل مع الآراء الناقدة على أنها (رأي فني)، والرأي الفني طبيعي أن يطرح في قضايا معقدة فنياً وعلمياً، والنقد الفني العلمي لا يعني الانتقاص والنيل من الأشخاص والمؤسسات، طبعاً هكذا يفهم المهنيون المحترفون الذين تعلموا وتثقفوا في بيئات تتربى الأجيال فيها على تداول الرأي وتقديمه بالموضوعية التي تفصل بين الذاتي والمجرد.
وفهم وإدراك هذا الإطار المرجعي هو الذي يساعد على استيعاب موجات الغضب والتذمر التي يبديها البعض من المسؤولين تجاه الآراء التي تتناولهم وتتناول مؤسساتهم، وقد تعذرهم لأن ما يطرح من آراء (بعضه) لا يرقى إلى الموضوعية ولا تدعمه المهنية، فهو (ردة فعل) أو استجابة لما (تحب) الناس أن تسمعه وترضاه، وأيضا تتفهم ردة فعلهم الغاضبة لأن تفسيرهم الثقافي المحلي يقول لهم إن الناس عندما ترى هذا النقد فإنه يعني انتقاصاً للأشخاص وربما يتجاوز الأشخاص إلى مرجعيات اجتماعية وأسرية وقبلية وربما ما هو أكبر.
ومما تتطلبه إدارة الرأي هو ضرورة إدراك أن ثمة حالة شائعة في الجهاز الحكومي، فـ (فوقية القطاع العام) المعروفة سواء في مجتمعنا وفي غيره، تحد من تنمية التوجهات الإيجابية للتواصل مع وسائل الإعلام وقادة الرأي، وهذا مرجعه نفسي وفكري فالعاملون في القطاع العام عادة يقولون للناس (نعلم ما لا تعلمون) أو أحياناً: (لا نريكم إلاّ ما نرى)، ومن هذه الذهنية لا تتطور آليات التواصل المحترف المنظم الذي (يثري الخلفيات) عن الأحداث والتطورات الجارية، وهنا تتسع دائرة الغموض، ومن هذا تتطور حالات الاحتقان والتذمر والتوتر.
في الجانب الآخر، قادة الرأي في المجتمع ممن يغذون وسائل الإعلام أيضا تسري بينهم حالة خاصة وهي نزعتهم المثالية الأخلاقية التي تقول لهم: (أنتم صوت الناس لذا أنتم على حق دائماً) وإحساسهم أنهم أصحاب الحق المطلق قد يدفعهم إلى (الحدة) في تداول الرأي وإبداء (النقد) في القضايا العامة، وهذه النزعة المثالية قد تدفعهم إلى عدم الدقة أو التسرع في تقييم الأمور، ومن ثم الخطأ في حق الآخرين.
هذا المشهد سوف يستمر وسوف يظل يوجد مشكلة لقادة الرأي، ولمن يتولون إدارة الرأي وحتى للأجهزة الحكومية، ونقول يستمر إذا لم يكبر دور مؤسسات الوسط التي تجمع الناس إلى كلمة سواء، وأصوات الوسط المستقلة لن تأتي إلاّ من مؤسسات المجتمع المدني ومن مراكز الأبحاث والدراسات المتخصصة والمستقلة .. وما أحوجنا إليها!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي