رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


أعلى معدلات التضخم

[email protected]

لا تستغرب أنه في بعض الدول تتغير أسعار السلع بشكل يومي تقريباً. يضع البقالون الأسعار اليوم ثم يغيرونها في اليوم التالي ليعكسوا التغير في القوة الشرائية للنقود التي تتناقص بشكل يومي. زيمبابوي إحدى الدول التي تعاني حالياً أعلى معدلات التضخم في العالم والذي قارب الـ 100 في المائة، ما حدا بالبعض إلى القول إن استخدام النقود الورقية في التجفيف أرخص من شراء ورق التجفيف نفسه. لكن تاريخياً يعد معدل التضخم الذي شهدته ألمانيا عام 1923 أعلى معدلات التضخم العالمية. وحينها كانت الأسعار ترتفع بأربعة أضعاف كل شهر وتخيل النتائج المترتبة على ذلك. فقد تعلمت ألمانيا من الدرس الذي شهدته قبل 80 عاماً لتضع سياسة مشددة تستهدف معدل تضخم أعلى لكي لا يتكرر السيناريو مرة أخرى. دول أخرى تنضم إلى قائمة الأرقام القياسية لمعدلات التضخم منها العراق والتي تجاوز معدل التضخم فيها 60 في المائة، وقويانا والتي قارب معدل التضخم فيها 30 في المائة. من الدول العربية التي سجلت معدلات قياسية للتضخم كل من ليبيا واليمن واللتين تبوأتا المرتبة العاشرة والـ 11 بين قائمة أعلى معدلات التضخم في العالم بمعدل يقارب 15 في المائة.
لكن ماذا ينتج عن معدلات التضخم العالية Hyperinflation تلك؟ تصور أنك ترى نقودك تتناقص قيمتها كل يوم أمامك، ما التصرف الحكيم الذي ستقدم عليه؟ طبعاً صرفها وشراء سلع وتخزينها لكي لا تتناقص قيمتها، وهذا ما يحدث فعلاً في الدول التي تعاني معدلات التضخم العالية. فالعمال يجرون للأسواق لصرف ما يكسبونه من أجور لشراء السلع خشية أن تتناقص قيمتها في اليوم التالي، وهذا يؤدي إلى مضاعفة المشكلة، إذ يؤدي ذلك إلى زيادة إضافية في الطلب على السلع، ليس من أجل استهلاكها، ولكن من أجل استخدامها كمخزن للقيمة. المستثمرون أيضاً يتضررون من التضخم العالي المعدل، إذ لن يكون في إمكانهم تقدير تكاليف الاستثمار وحساب معدل الأرباح المتوقع، ما سيؤدي إلى إحجامهم عن الاستثمار.هذا بدوره سيؤدي إلى نقص في الإنتاج ومن ثم نقص في المعروض من السلع، ما سيفاقم من مشكلة التضخم.
والتعريف الشائع للتضخم هو الارتفاع في المعدل العام للأسعار، لكن هذا لا يعد تعريفاً دقيقاً للتضخم، وإنما ارتفاع الأسعار هو إحدى نتائج التضخم. والتعريف الدقيق للتضخم هو انخفاض القوة الشرائية للنقود، والتي تنتج عن الزيادة من المعروض النقدي. أي أن الدول بسعيها لطباعة المزيد من النقود الورقية تفرض بشكل غير مباشر ضريبة خفية على المواطنين تتمثل في انخفاض قيمة أجورهم ودخولهم الحقيقية. تيم ماهون أحد المتخصصين في موضوع التضخم يشبه عملية طبع النقود بقيام شخص بكتابة شيك دون رصيد يعاقب عليها القانون بالسجن والغرامة وما إلى ذلك من الجزاءات. لكن الأمر يختلف عندما تقوم البنوك المركزية بنفسها بكتابة شيكات دون رصيد تتمثل في النقود التي تقوم بطباعتها بشكل يومي. لكن هل يعني ذلك أن الدول التي تتحكم بشكل في المعروض النقدي قد لا تعاني التضخم؟ الإجابة على ذلك نعم بشرط ألا تعاني اختلالات توازنية في المعروض والمطلوب من السلع، والذي هو الآخر يعد أحد الأسباب الرئيسة للتضخم.
وطالما تمت الإشارة إلى العرض من النقود كأحد مسببات التضخم، فسأشير إلى التعريف الاقتصادي له. هناك ثلاثة مقاييس لعرض النقود: الأول M1 ويشمل النقد خارج البنوك والحسابات الجارية، وهو أكثر المقاييس تشدداً، إذ إنه يركز على أكثر أشكال النقود سيولة. أما المقياس الثاني فهوM2 ويشمل إضافة إلى M1 الودائع الزمنية والادخارية.أما المقياس الأخير M3 ويشمل إضافة إلى M2 الودائع بالعملات الأجنبية، واتفاقيات إعادة الشراء والتحويلات القائمة. والمشكلة التي تعانيها جميع الدول هو زيادة سرعة عرض النقود بأعلى من زيادة كمية المعروض (أو المنتج) من السلع، ما يؤدي بالتالي إلى زيادة معدل التضخم. بمعنى آخر أن زيادة عرض النقود بأسرع من كمية السلع سيؤدي إلى وضع تتسابق فيه نقود كثيرة على سلع قليلة، ما يعني أن القوة الشرائية الحقيقية للنقود قد تضاءلت، ومن ثم سينتج عن ذلك ارتفاع الأسعار ليعكس هذا الواقع. وفي وضع الدول التي تعاني التضخم العالي Hyperinflation تزيد سرعة الزيادة في عرض النقود بشكل كبير جداً مع ثبات أو تناقص المعروض من السلع، ما يؤدي إلى تلك المستويات من التضخم العالية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي