مصفاة جازان والقطاع الخاص: خطوة مهمة في الطريق السليم (2 من 2)

مصفاة جازان والقطاع الخاص: خطوة مهمة في الطريق السليم (2 من 2)

[email protected]

من الواضح أن مصافي العالم الموجودة حالياً لن تستطيع تلبية حاجة العالم من المشتقات النفطية، وذلك لأسباب كثيرة ومتنوعة. فمثلاً لم تبن أي مصفاة في الولايات المتحدة منذ عام 1976، بل على العكس شهد العالم إغلاق 15 مصفاة في الأعوام الثلاثة الماضية.
باختصار، يبدو أن الغرب غير معني بتوسيع صناعة التكرير لديه رغم حاجته إلى الكثير من المشتقات النفطية، مثل النافثا والديزل وغاز البترول المسال. ويبدو أن الرسالة هي أن تترك الدول النفطية لتنتج وتكرر النفط بنفسها، وعلى الأرجح أنه في المستقبل قد يصبح تصدير المشتقات بعد تكريرها أكثر أهمية من تصدير الخام، وهي فرصة كبيرة لأن تتحكم الدول النفطية في أسعار الخام والمشتقات أيضا.
والحقيقة أن القدرة التكريرية ما زالت تمضي قدماً لتكون الأهم في عالم النفط، إذ ما يفيد إنتاج 100 مليون برميل يومياً إذا كانت القدرة التكريرية تقف عند 90 مليون برميل، أي أن عشرة ملايين برميل ستبقى خاما ولا توجد مصاف كافية لتكريره.
العالم بحاجة إلى المشتقات وليس للخام بعينه، ومن أجل ذلك يرى الخبراء أن ضعف قدرة العالم التكريرية في الفترة الأخيرة يمثل أحد الأسباب الرئيسية في ارتفاع أسعار النفط إلى مناطق قياسية لم تصلها من قبل.
يبلغ إنتاج المملكة من النفط حالياً نحو 12 في المائة من الإنتاج العالمي، إلا أن قدرة المملكة التكريرية الحالية لا تكاد تتجاوز 2.2 في المائة من القدرة العالمية، ما قد يشير إلى أن القدرة السعودية التكريرية ليست بحجم دورها العالمي في إنتاج النفط. وأما على مستوى دول الخليج فتبلغ قدرة دول الخليج التكريرية الآن نحو 4.5 مليون برميل يوميا، وذلك بوجود 20 مصفاة في دول الخليج الست، وهذا يشكل فقط 5 في المائة من قدرة العالم التكريرية، بينما يصل إنتاج دول الخليج من النفط إلى نحو 19 في المائة. ومن المتوقع أن تصعد هذه القدرة في السنوات الخمس المقبلة إلى نحو 7.5 مليون برميل، وذلك بتشييد سبع مصاف، أربع منها في المملكة وواحدة في كل من: الكويت، قطر، وعمان.
أعلنت المملكة عزمها على تشيد أربع مصاف في كل من رأس تنورة، الجبيل، ينبع، وجازان، وما يهمنا الآن هو مصفاة جازان، حيث سيصدر قريبا اسم الشركة الفائزة بعقد مصفاة جازان. وهنا يخطر في البال سؤال: ما الوضع الأمثل لهذه المصفاة؟
كما يعلم البعض أن المصافي (بشكل مبسط) تقوم بتحويل النفط الخام إلى منتوجات نهائية يمكن استخدامها في حياتنا اليومية، كوقود السيارات، غازات التدفئة، وغازات الطهي، وهي تنقسم بشكل عام إلى نوعين: مصاف بسيطة، وتشمل أبراج التقطير لفصل النافثا والغازات والمشتقات الأخرى من النفط، ولكن لا تحتوي على وحدات تحويلية، وهذا النوع من المصافي منتشر بكثرة في الدول الإفريقية وبعض الدول الآسيوية وحتى النفطية منها، مثل إيران، ما ساهم في إيجاد أزمة الجازولين.
أما النوع الآخر فيشمل المصافي المتطورة ذات القدرة على إنتاج كميات كبيرة من الجازولين والديزل بمواصفات عالمية، أي بنسب قليلة جداً من الكبريت والنيتروجين حتى يمكن تصديرهم للخارج. ومن هنا فإن التصميم السليم لهذه المصفاة هو العامل الأهم لنجاحها من عدمه.
يمكن تقسيم المصفاة الناجحة إلى الأقسام التالية:
* أبراج التقطير: الجوية والفراغية لفصل النافثا والغازات من الخام.
* المعالجات الهيدروجينية: وهذا القسم شديد الأهمية، لأنه كفيل بإنتاج مشتقات صديقة للبيئة، وبالتالي يمكن تصديرها لأوروبا عبر قناة السويس. ويجب الانتباه إلى المعايير الأوروبية والأمريكية ومحاولة تطبيقها إذا أريد تصدير منتجات المصفاة النفطية، ويقوم هذا القسم بشكل رئيس بانتزاع كميات كبيرة من الكبريت من المشتقات النفطية وعلى الأخص الديزل والجازولين، إذ إن كميات الكبريت المسموح بها في العالم المتطور لا تتعدى بضع وحدات في المليون.
* تهذيب وتدوير النافثا: ويجري في هذا القسم تعطير النافثا، أي تحويلها إلى مركبات عطرية من زايلين وتولوين وبنزين وغيرها، والتي من شأنها أن ترفع رقم الأوكتان في الجازولين أو استخدامها في وقت لاحق في الصناعات البتروكيماوية مثل صناعة البوليستر والبولي ستايرين وصناعة الكيومين.
* قسم التكسير والتحويل: وهنا يجري تحويل المشتقات ذات القيمة الاقتصادية غير العالية مثل زيت الوقود (يتراوح سعر طن زيت الوقود بين 400 و500 دولار) إلى منتجات أغلى وأهم مثل النافثا والديزل، إذ يتراوح سعر الطن بين 800 و1000 دولار). وعلى هذا الأساس لا يمكن لصناعة التكرير في الوقت الراهن أن تكون مجدية اقتصادياً ما لم يتم إنشاء أقسام التكسير والتحويل، لأنها تعتبر ببساطة سلة الخبز لأي مصفاة حديثة.
وهناك ثلاثة أنواع لعمليات التكسير هذه، وهي: التكسير الحراري، وهو يعتمد على التسخين إلى درجات حرارة، ويعتبر هذا النوع من التكسير قديما ولا ينتج عنه مشتقات ثمينة. والنوع الثاني هو التكسير الحفزي، وينتج عنه الكثير من الجازولين والأولفينات التي تستخدم في الصناعات البتروكيماوية. أما النوع الثالث فهو التكسير الهيدروجيني، الذي ينتج عنه الكثير من الديزل. وبناء عليه يتم اختيار تقنية التكسير المناسبة بناء على الهدف الاستراتيجي الذي صممت على أساسه المصفاة. فعلى سبيل المثال إذا كان من الأهداف إنشاء مجمع بتروكيماوي في وقت لاحق، فينصح من الآن باستخدام تقنية التكسير الحفزي لإنتاج الأولفينات اللازمة لهذه الصناعات.

الأكثر قراءة