في انتظار أبو ظبي
يوم الأربعاء المقبل سيلتئم وزراء النفط في منظمة الأقطار المصدرة للنفط (أوبك) في اجتماع دوري في أبو ظبي، وهو اجتماع يكتسب أهمية كونه ينعقد بعد قمة الرياض التي استضافت رؤساء الدول الأعضاء في المنظمة، كما أنه يأتي في نهاية العام، وفي وقت ترسل فيه السوق إشارات متباينة وأحيانا متضاربة حول توجهات الأسعار، وفوق هذا وضع العرض والطلب، وإلى أي مدى يمكن للأسعار الحالية المرتفعة أن تؤثر في الطلب، إلى جانب تنامي احتمالات التباطؤ الاقتصادي الذي بدأت بوادره تبرز بوضوح خاصة على الساحة الأمريكية، الأمر الذي يعزز من حالة عدم الوضوح التي يمكن أن تبنى عليها التوقعات الخاصة بالعام المقبل.
وكل هذا يجعل العبء أكبر على المنظمة وقيادتها في كيفية الإبحار في هذه اللجة من عدم الوضوح ووجود عوامل مؤثرة خارج سيطرة الدول الأعضاء.
وبدأت السعودية في التحرك، لا من خلال موقعها رئيسة للدورة الحالية للمنظمة، وإنما أهم من ذلك بوضعها المتميز على الساحة النفطية، وذلك وفق خطوات محسوبة. ومن هذه الخطوات رفع معدل إنتاجها إلى نحو تسعة ملايين برميل يوميا وفق قرار المنظمة الأخير ضخ نصف مليون برميل إضافية.
والخطوة تكتسب أهمية إضافية من خلال توجيه جزء من هذه الزيادة إلى الأسواق التي تحتاج إليها أكثر، مثل السوق الصينية التي صارت تتلقى زيادات في الإمدادات النفطية السعودية إليها تصل إلى ثلث ما كانت تتلقاه من قبل. ثم هناك الخطوة الأخرى المتمثلة في الاستمرار في تعميق خطوة توسيع هامش الفروقات بين النفوط السعودية المتجهة إلى السوق الأمريكية بما يشكل إغراء للمصافي أن تتجه إلى الخامات الثقيلة، وهو ما يوفر إمدادات إضافية بإيجاد سوق لهذا النوع من الخامات، كما أن الخطوة تعطي إشارة إلى الرغبة في تقليص المعدل العالي لسعر البرميل الحالي.
لكن أهم من هذا أن قمة أوبك التي استضافتها الرياض تزامنت مع قيام شركة أرامكو بتجريب المرافق النفطية الجديدة في حقل الخرسانية، الذي يضيف نصف مليون برميل يوميا جديدة إلى الطاقة الإنتاجية للبنك المركزي لسوق النفط في العالم، بما يعزز من وضع الطاقة الإنتاجية الفائضة لدى المنظمة، رغم تركزها في السعودية، لتتراوح بين مليونين وثلاثة ملايين برميل يوميا.
وهكذا، وإذا كانت أوضاع السوق تتطلب إدارة حازمة للوضع خلال الأشهر القليلة المقبلة، فإن الخطوات السعودية التي تمت أخيرا من زيادة للطاقة الإنتاجية ورفع لحجم الإمدادات يبدو أنها تصب كلها في إطار تحقيق قدر من الاستقرار يسمح في حد ذاته في توسيع هامش الحركة أمام الدول الأعضاء للتعامل مع المتغيرات المستمرة في أوضاع السوق.
إن أكبر سؤال يفرض نفسه يتمثل في إذا كان سعر البرميل سيبدأ رحلة التراجع، خاصة بعد أن فشل في اختراق حاجز المائة دولار للبرميل والحفاظ على وضعه الحالي.
ويضاعف من هذا الاحتمال بروز مؤشرات قوية على أن المضاربين يتجهون إلى قطف ثمار أرباح العمليات التي قاموا بها في تجارة النفط، الأمر الذي يعني التخلص من جزء من الطلب الذي يبدو مرتفعا لكن لا تسنده أساسيات السوق.
وإذا حدث هذا فإن عنصرا رئيسيا من عناصر دفع سعر البرميل إلى أعلى سيضعف إن لم يختف كلية، وهو ما يعيد وضع السوق إلى حالتها الطبيعية ويجعل العناصر الأساسية فيه مثل العرض والطلب، حالة الطقس، النمو أو التباطؤ الاقتصادي هي الأكثر تحكما في تحديد مسيرة سعر البرميل.
ترى هل سيؤدي تغيير المناخ هذا إلى تراجع درامي في سعر البرميل؟ فاتح بيرول كبير اقتصاديي الوكالة الدولية للطاقة أن نفوط منطقة الشرق الأوسط يتم بيعها بخمسة أضعاف المعدل الذي ينبغي أن تكون عليه، وأن هذا الوضع ليس بالطبيعي بالنسبة لأي سلعة، الأمر الذي يعني تلقائيا أنها تعيش وضعا غير طبيعي، ولا بد لحقائق السوق أن تفرض نفسها وتعيدها إلى أرض الواقع.
والملاحظة الأولية على هذا التقدير أنه ركز على نفوط منطقة الشرق الأوسط، وكأن النفوط الأخرى مثل ويست تكساس أو برنت تباع بسعر أقل تضخما من تلك النفوط الشرق أوسطية، هذا طبعا إذا تم استبعاد العامل الخاص بكيفية الوصول إلى هذا الرقم.
وضع المعدل السعري سيفرض نفسه على اجتماع الأربعاء، وربما تكون التصريحات الأولية التي بدأت تنقل عن بعض الوزراء مؤشرا على نوع التباين المعهود في المواقف فيما اكتسب تاريخيا توصيف مجموعتي الحمائم والصقور: أي أولئك الداعين إلى الحفاظ على معدلات سعرية أعلى ومن يتوخون الاعتدال في هذا الجانب.
وبغض النظر عما يمكن أن ينتهي إليه اجتماع أبو ظبي في هذا المجال تحديدا، إلا أن الأهم أنه يمكن أن يشكل عودة لقيام أوبك بالتأثير بصورة أفضل في تحركات سعر البرميل.