رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


ارتفاع النفط واسترخاء العقول والهمم ..

[email protected]

في عقد التسعينيات انهارت أسعار النفط إلى أرقام مخيفة أثرت سلبا في الوضع الاقتصادي، وهو ما أدى إلى ارتفاع الدين العام لأرقام غير مسبوقة، وهو ما جعل الحكومة تفكر جديا بتنويع قاعدة الاقتصاد الوطني لكي لا يكون رهين أسعار النفط التي تتأثر بمتغيرات خارج سيطرتنا، ويتحكم فيها آخرون قد تتقاطع مصالحهم مع مصالح المنتجين.
النفط سلعة ناضبة، والنفط سلعة متذبذبة الأسعار، والنفط سلعة يبحث المستهلكون عن بديل لها، خصوصا في مجالات الطاقة، وهم يحرزون تقدما نسمع عنه هنا وهناك في وسائل الإعلام المختلفة، وكل ذلك يشير إلى أننا لا يمكن أن نركن للنفط كمصدر رئيس للدخل في بلادنا التي تتمتع بموارد بشرية، وبيئات جغرافية متنوعة وموارد طبيعة مهمة ومميزات سياحية متفردة (السياحة الدينية).
إذا أدركنا ذلك أصبح من البديهي أن نعيد هيكلة الاقتصاد الوطني لتنشيط القطاعات الاقتصادية الأخرى لرفع نسبتها على حساب نسبة النفط في الناتج المحلي الإجمالي الذي ينتفخ وينكمش بطريقة غير معقولة تزامنا مع ارتفاع وانخفاض أسعار النفط (قطاع النفط يشكل نحو 50 في المائة من إجمالي الناتج المحلي السعودي GDP ولا شك أن قدرتنا اليوم كبيرة جدا لإعادة هيكلة الاقتصاد الوطني في ظل الوفرة المالية الكبيرة التي حبانا الله بها.
نسمع عن استراتيجيات متعددة تعمل على تعظيم نسبة بعض القطاعات في الناتج المحلي الإجمالي مثل الاستراتيجية السياحية، واستراتيجية العلوم والتقنية، واستراتيجية الصناعة إلى غير ذلك من الاستراتيجيات، كما نسمع عن نية الحكومة لدعم تخصيص قطاعات الإسكان والصحة والتعليم والنقل، ولكن وللأسف الشديد مازالت هذه الاستراتيجيات وهذه التوجهات غير مدعومة بميزانيات كبيرة تمكنها من اختصار الزمن لتحويلها لقطاعات إنتاجية تسهم بشكل كبير في تصحيح معادلة إجمالي الناتج المحلي في بلادنا، بل إن الأمر يسير باتجاه معاكس كما يبدو لنا في بعض القطاعات مثل الصحة والتعليم حيث ترصد الدولة عشرات المليارات لتقديم الخدمات دون تخصيص جزء منها لدعم القطاع الخاص "أو التخصيص" للنهوض بهذين القطاعين كما نتوقع ونريد.
الحكومة مازالت تركز على تطوير قطاعي النفط والغاز والبتروكيماويات، وهذا توجه لا غبار عليه لأنه سيسهم في الاستفادة المثلى من الثروات الطبيعية، ولكن ما أود أن ألفت النظر إليه أن هذه القطاعات لا تسهم في حل معالجة البطالة التي قد تتفاقم بشكل كبير، حيث تشير التوقعات المتحفظة لحاجة بلادنا إلى وظائف جديدة تزيد على 70 في المائة من الوظائف الحالية في السنوات العشر المقبلة، وهو وضع صعب جدا ما لم يتم تداركه بتنشيط القطاعات المولدة للفرص الوظيفية بخلاف النقط والغاز والبتروكيماويات التي تعتمد على التقنية بشكل كبير بدلا من الموارد البشرية. و للعلم، فإن التقنية في تقدم مستمر، وهو ما يعني المزيد من الاستغناء عن الموارد البشرية (شركة بمليار دولار توظف 100 موظف)، كما أن التركيز على تطوير قطاعي النفط والغاز والبتروكيماويات دون القطاعات الأخرى لن يعالج مشكلة الاعتماد على النفط على كمصدر رئيس للموازنة (النفط يشكل نحو 85 في المائة من الميزانية).
وزاره المالية ومن خلال تجربة السنوات العجاف في عقد التسعينيات من القرن الماضي أدركت خطورة الاعتماد على النفط كمصدر رئيس للدخل فوضعت مجموعة من الإجراءات المالية للتعامل مع هذه القضية، ولكنها لم تتخذ إجراءات لعلاج تلك القضية من جذورها بحيث نستفيد من ثروة اليوم والسيولة الكبيرة التي تعاني شح القنوات الاستثمارية في تنمية القطاعات الاقتصادية بشكل يجعلها قطاعات قادرة على إنتاج السلع والخدمات من خلال دورات مالية متتالية بعيدا عن التأثر بأسعار النفط، وبما يجعل تلك القطاعات ذات مساهمة كبيرة في الناتج المحلي الإجمالي.
إن عدم وجود غاية واضحة وأهداف عامة تتحرك الحكومة لتحقيقها من خلال مجموعة من المشاريع والبرامج والآليات لا يمكن لمكونات القطاعين العام والخاص من العمل بشكل متكامل ومتناسق، كما أنه دون تلك الخطط تبقى العقول راكدة، وخاملة لانعدام المحفز المحرك للفكر والإبداع، وأعتقد لو أن الحكومة وضعت خطة للوصول بإجمالي الناتج المحلي لنحو ثلاثة تريليونات ريال خلال عشرة أعوام على سبيل المثال، ثم وضعت أهدافا عامة لكل قطاع لكي يشارك في الوصول لهذا الرقم من خلال نسبة مشاركة معينة قائمة على استقراء دقيق للحاضر والمستقبل والإمكانات المتاحة وكيفية تفعيلها، لأصبحت الأمور واضحة لدينا جميعا، ولوضعنا أيدينا في أيدي بعض لتحقيق ذلك، ولحصلنا على أفكار ابتكارية لم تخطر ببال أي منا.
فلو قالت الخطة إن نسبة القطاع الصحي في إجمالي الناتج المحلي يجب ألا تقل عن 10 في المائة ومثلها بالنسبة لقطاع التعليم، وثلاثة أضعافها لقطاع العقار والأنشطة ذات الصلة ثم السياحة والمعادن والنقل ... إلخ، ثم طورنا حوارات فكرية بين المعنين في كل قطاع لمعرفة متطلبات الوصول إلى هذه النسبة لتوفيرها ومعرفة العوائق المثبطة لإزالتها لأصبحت الأمور أكثر من واضحة، ولعرفنا من يعمل وفق الخطة بهمة، ومن لا يعمل أو من يخالفها، ولعرفنا مدى تحقيق كل قطاع الأهداف المناطة به ومدى انحرافه، وأسباب هذا الانحراف، وفيما إذا كانت أسباب الانحراف منطقية أو غير منطقية، ولأصبحت المؤشرات سيدة الموقف في كشف المبدع من المقصر من أجل التكريم أو المساءلة.
ختاما، أعتقد أنه لا بديل أمامنا من وضع خطة شاملة تبين إجمالي الناتج المحلي المستهدف، ونسبة مشاركة كل قطاع في تحقيقه، وتوجيه وتحفيز الجهات الحكومية والخاصة وغير الربحية للتعاضد في تحقيق هذه النسبة المستهدفة، أما أن تبقى الأوضاع على ما هي عليه فكلي ثقة بأننا سنواجه مشكلات لا حصر لها حال انتكاس أسعار النفط لأي سبب كان خارج عن إرادتنا، وما أصعب أن نضع مصيرنا الاقتصادي في يد غيرنا أو ما يسمى لعنة المواد الأولية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي