رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


هل ثقافة العمل تحدث تميز المجتمع؟

[email protected]

العمل والمحافظة عليه وجودة الإنتاج من عدمها كثيراً ما تكون محل حديث ونقاش الكثير من الناس خاصة في المجالس العامة, فما أن تكون في مجلس من المجالس العامة إلا ويتحدث البعض عن الأداء في جهة من الجهات الحكومية, أو في شركة أو بنك, إما ممتدحين تلك الجهة وانضباط موظفيها, وأداءهم, وإنجازهم, وإما ذامين ومنتقدين الأداء مشيرين إلى قلة الانضباط والتسيب. وما من شك أن ما يسمعه الفرد في مثل هذه المجالس قد لا يمثل الحقيقة سواء كانت الملاحظات إيجابية, أو سلبية, إذ إن كل فرد يتحدث عن خبرته الشخصية, وما واجهه في ذلك المكان, أو الدائرة. وحيث إن الانضباط في الأداء, وسرعة الإنجاز, ودقته, وسلامته, وتوافقه مع الأنظمة, وتحقيقه لمصالح الناس يعد أحد السمات, والخصائص التي تميز المجتمعات المتحضرة, لذا فإن مناقشته, ومعرفة عوائق العمل الجيد ومحفزاته يعد أمراً مهماً.
عند مناقشة العمل, والانضباط تكون المقارنة واردة بين الأداء في الدوائر الحكومية أو ما يعرف بالقطاع العام, والأداء في القطاع الخاص, وكثيراً ما يشار إلى أن انضباط القطاع الخاص أكثر وضوحاً منه في القطاع العام, ترى ما الأسباب وراء هذا التباين؟ لقد امتدح الله سبحانه وتعالى العاملين والجادين في أعمالهم وأكد أنهم مقدرون منه, ومن رسوله, ومن المؤمنين حيث يقول تعالى "وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون" وفي هذا حث على العمل سواء كان عملاً دنيوياً أو أخروياً, مما يعني قيمة العمل في الإسلام وأهميته في حياة الأمة, وبغض النظر عن مكان العمل أو جهة الانتماء سواء حكومي أو خاص طالما أنه يتسق مع الضوابط الشرعية,  إذ إن الأمة دون عمل, ونشاط وكدح, وإنتاج تخمل, وتكسل, ومن ثم تضعف, وتفقد كينونتها بين الأمم, حتى يضيع شأنها وقيمتها. وإذا كان العمل شأنه عظيم وبهذه الدرجة فإن إتقان العمل وجودته والإخلاص فيه يعد عنصراً أساساً عند الحديث عن معادلة العمل, ورد في الحديث الشريف "إن الله يحب أحدكم إذا عمل عملاً أن يتقنه" ترى ما الذي يدفع البعض للإخلاص والحرص على العمل وإنجازه في أفضل صورة ممكنة بينما البعض يتعمد الإهمال, وهمه الأول, والأخير التخلص من العمل, والفكاك منه سواء كان بالتهرب من المهمة وإحالتها للزملاء, أو تنفيذ المهمة ولكن بصورة رديئة تفتقد خصائص الجودة ولا تلتزم بأية معايير.
هل هناك مؤشرات على إتقان العمل؟ البعض يرى أن الحضور للعمل منذ أول الدوام والمكوث فيه حتى آخر دقيقة مؤشر على الانضباط, لكن الأمر يحتاج لتجلية ووضوح, ماذا يقدم هذا الفرد خلال هذه الساعات وماذا ينجز؟ شرائح كثيرة من العاملين سواء في القطاع العام, أو القطاع الخاص يحافظون على الوقت, لكن الإنجاز ضعيف جداً فهم يحضرون لمكان العمل, ولكن لا يعملون إذ يتلهون إما بقراءة الجرائد, أو الحديث مع الزملاء, أو بالهاتف, أو يتنقلون بين المكاتب, وهذا هو ما يسبب تعطل المصالح وشكوى الكثير من الناس من تأخر معاملاتهم, أو عدم تقديم الخدمة لهم في مرفق من المرافق, أو تقديمها بصورة غير جيدة. إن رضا الناس بشكل عام من هذا المرفق, أو تلك الجهة قد يكون أحد المؤشرات إذا ما توافر أسلوب علمي يقيس رضا الناس الحقيقي وليس مجرد الاعتماد على ما يقولونه أو يكتبه البعض في الجرائد, أو المدونات الشخصية  وعلى الإنترنت, كما أن عدم وجود ملاحظات كثيرة ومهمة من الجهات الرقابية يعد أحد المؤشرات على جودة الأداء, إضافة إلى عنصر الوقت المستغرق لإنجاز المهمة, والذي قد يؤخذ كمؤشر على الإنجاز إذ إن بعض المهمات قد لا تحتاج إلا إلى ساعات, أو يوم أو يومين بينما نجدها تأخذ أياماً, وأسابيع بل شهوراً في مرفق من المرافق. وقد صدرت في هذا الشأن تعليمات قوية أكدت ضرورة عدم تأخير معاملات الناس ومصالحهم في ماله علاقة بالقطاع العام. إن العلاقات مع الزملاء, والجمهور, وقلة الأخطاء وتنفيذ المهمات بأقل وقت, وأقل جهد, وتكلفة, وبأحسن صورة تمثل مؤشرات جيدة على الأداء الجيد, والإتقان في العمل.
أسباب الحرص على العمل, وإتقانه متعددة منها ما هو مرتبط بالفرد كالشعور بالمسؤولية, ووجود الرقابة الذاتية, والدافع القوي, والشعور بالانتماء للمنظمة, وتقدير الجهد, والاعتراف بإنجازاته, وتمييزه عن غيره من الزملاء المهملين, وتوافر المهارات اللازمة لإنجاز المهمة, كل هذه عوامل ذات أهمية, إن افتقاد الفرد المهارات اللازمة تعوقه عن القيام بما يوكل له, ومن ثم يؤثر ذلك سلباً في من يفترض أنه يخدمهم, وهذا ما يلاحظ على بعض العاملين, ولذا فإن إعادة تأهيل هؤلاء يعد أمراً ضرورياً إذا ما أردنا إنجازاً يتسق مع المفهوم الحضاري للمجتمع. الحديث الشريف الذي سبق الإشارة إليه هو عبارة عن تأكيد على أهمية الرقابة الذاتية في منظومة العمل, وهذا يمثل مكسباً للمنظمة التي يتوافر فيها أفراد على هذه الشاكلة، فهم يراقبون أنفسهم ويحاسبونها على أي تقصير ولا ينتظرون أحداً ينبههم إلى أخطائهم أو تقصيرهم فهم يكتشفون ذلك ويعالجون الموقف بأنفسهم.
إن إخفاق الفرد في القيام بأعماله وإتقانه لها لا يعني ترك الأمر, بل إن المنظمة يقع على كاهلها مسؤولية كبيرة فقيامها بواجبها من خلال استخدام قاعدة الثواب والعقاب يترتب عليه انتظامها وأداؤها لمهماتها بالصورة المطلوبة.
تقديم الحوافز المادية والمعنوية للموظف المخلص, سواء بزيادة راتبه أو إعطائه فرص التدريب, أو الانتداب, أو العمل خارج الدوام, إضافة إلى الشكر وخطابات التقدير, والثناء تعد ممارسات أساسية للارتقاء بإنجاز المنظمة, كما أن ممارسة الدور النظامي ومعاقبة المقصر يعد أمراً لازماً إذا فشلت جميع الأساليب والإجراءات الأخرى التي تحفظ للمنظمة توازنها. ممارسة الصلاحيات وتطبيقها في حق المقصرين ينسجم مع الحديث الشريف "إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن" فصاحب الصلاحية مطالب بالقيام بواجبه حتى تستقيم الأمور ولا تتحول إلى فوضى تحدث الخسارة على المستوى الفردي والاجتماعي. إن ترسيخ ثقافة عمل تقوم على ممارسة الدور بانضباط وإتقان وشعور الموظف أو العامل في المنظمة بانتمائه التنظيمي والمهني هو الأسلوب الأمثل والأرخص والأكثر مناسبة لتقدم المجتمع ومحافظته على إمكاناته وثرواته. إن المرحلة التي نتوصل فيها إلى الرقابة الذاتية بدلاً من رقابة الرئيس أو المسؤول ستكون إيذاناً بدخول المجتمع مرحلة الإنتاج المتميز.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي