رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


بين السياري والمصرفية الغربية

معالي محافظ مؤسسة النقد السعودي الأستاذ حمد السياري يؤكد أن التضخم سوف يتراجع في النصف الثاني من العام عندما يبدأ تأثير الإجراءات التي اتخذتها الحكومة، فيما قالت بيانات مصرفية غربية أن التضخم في السعودية لن يتراجع خلال فترة قريبة، وأنه من المحتمل اقتراب معدل التضخم من الخانتين في الأشهر التسعة المقبلة.
بيننا وقراءة معالي الأستاذ حمد السياري نحو ثلاثة أشهر ليبدأ النصف الثاني من العام موعد تراجع التضخم كما أكد معاليه، وبيننا وقراءة الجهة المصرفية الأوروبية الأمريكية بما فيها بنك جولدمان ساكس قرابة المدة نفسها لمعرفة صحة أو خطأ هذا التوقع، أيضا وإلى أن تحين فترة الحسم لصالح هذه القراءة أو تلك, يظل باب الأسئلة مفتوحاً على مداه.
فأولاً كيف يمكن قياس أثر الإجراءات التي أقرتها الدولة طالما أن بعضها لم يجد طريقه للتنفيذ (مراقبة الأسعار .. حماية المستهلك مثلاً)؟ علاوة على أن الدعم الذي قدم للسلع التموينية لم يسكن متحركاً، بل زاد تحريكاً، فبدلاً من لجم الأسعار شقت الأسعار طريقها صعوداً على مزاج البائع، فيما الفائزون بالدعم أضافوا دخولاً إلى دخولهم بسببها بلا عناء!
الأسوأ من ذلك, أن زيادة الأسعار ولدت إلى جوارها ظواهر معيبة موجعة مثل اختفاء الرغيف والدقيق وضياع دمه بين وزارة التجارة ووزارة الزراعة وصوامع الغلال والموزعين والتجار، ومثلهما حدث للأسمنت والحديد وأخواتهما.
في الجانب الآخر, وبعد النقاش الطويل العريض حول فك الارتباط بالدولار, وميل القاسم المشترك من الآراء إلى التوافق على عدم فعل ذلك, فقد بقيت سياسة سعر الصرف كما هي ولم يتم بعد لا التحرير التدريجي لسعر الصرف ولا رفع قيمة الريال بما يحدث على الأقل أثراً لصالح السياستين المالية والنقدية، بحيث يؤدي ذلك إلى أن تكون تلك السياستين فاعلتين في الحد من تفاقم نسبة التضخم.
وإذا نحن عدنا إلى ما يواجه اقتصادنا السعودي من مظاهر سلبية عدا موجة الغلاء وعدا التضخم وعدا تواضع معدل النمو الاقتصادي في ظل ضخامة الإنفاق المالي دون خريطة طريق تحدد نمط هذا الإنفاق بالتركيز على التوسع في الطاقات الإنتاجية، لجابهتنا ظاهرتان لا تسران الخاطر هما أزمة سوق الأسهم السعودية وأزمة العقار.
فسوقنا المالية ما زالت تكبو ثم تكبو ثم تكبو رغم فتح بوابة الاكتتابات على مصراعيها ورغم هطل أمطار قوانين وتشريعات وإجراءات هيئة سوق المال بين حين وآخر للجم دوار هذا العثار المستمر، وبالتالي فأزمة سوق الأسهم لا تعاضد هي الأخرى نفحة التفاؤل بتراجع التضخم طالما سوقنا أشبه بثقب أسود يمتص الثروات ولا نرى لها أثراً اقتصادياً على أرض الواقع, بل آثار سلبية لجموع من المواطنين يخسرون كدح عرق جيبهم ليخلفهم قوم آخرون وهكذا دواليك.
أما أزمة العقار فهي من الناحية الظاهرية أبرز تعبير عن التضخم، فقد بلغت أسعار الأراضي والبيوت والإيجارات حدوداً قصوى ليست في متناول قدرات ذوي الدخول المتوسطة، فيكف بذوي الدخل المحدود؟ ما يعني بلوغ القطاع العقاري مرحلة قريبة من "الاحتباس العقاري" أو التجمد بين أيادي أقطابه فقط يتبارى فيه المستأثرون بملكيته فيبيع هذا لذاك والعكس صحيح، وحتماً فاستثمار الـ (بينج بونج) هذا لا يدعم تراجع معدل التضخم وإنما يزيده سوءاً.
ناهيكم عن ارتفاع تكاليف التعليم والصحة في القطاع الخاص جراء عدم قدرة هذين القطاعين في الشق الحكومي على تلبية الطلب على خدماتهما وتدني الكفاءة فيهما.
تلك مجرد إشارات (انطباعية) عابرة لحصاد بيدر اقتصادنا الوطني، وصورة بانورامية موجزة لحراكنا الاستثماري، فهل تمنحاننا تلك المسحة من التفاؤل التي يميل إليها معالي محافظ مؤسسة النقد عن قرب تراجع التضخم؟
إننا نتمنى ذلك, لأن فيه إصابة عصفورين بحجر واحد: فمن ناحية سيكون الوطن أول المستفيدين من قراءة معاليه لو تحققت، فتراجع التضخم يعني انكشاف غمته التي يفرح لها الغني والفقير, كما أنه من الناحية المعنوية يعزز فينا الثقة والفخر بخبراتنا الوطنية, في حيازة قصب السبق على المصرفية الغربية المتقدمة .. وعلى أية حال .. يفصلنا عن ذلك شهور قلائل .. وإن غداً لناظره قريب.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي