مصفاة جازان والقطاع الخاص: خطوة مهمة في الطريق السليم (1 من 2)
تعد المملكة العربية السعودية أكبر بلد مصدر للنفط في العالم، وتمتلك أيضا أكبر احتياطي نفطي يقدر بربع احتياطي العالم. تطمح المملكة إلى تعزيز طاقتها التكريرية المحلية إلى 3.6 مليون برميل يوميا في 2012 من 2.1 مليون برميل يوميا، أي بزيادة تفوق 70 في المائة.
وتعد مصفاة جازان واحدة من أربع مصاف جديدة تعتزم المملكة بناءها بمشاركة القطاع الخاص، إذ سمح له بالاستثمار في هذه الصناعة المكلفة والمعقدة لأول مرة.
تم الإعلان عن النية لإنشاء المصفاة أثناء زيارة خادم الحرمين الشريفين إلى منطقة جازان في شهر ذي القعدة من العام الهجري الماضي. وقالت "أرامكو السعودية" في وقت سابق إنه سيتم طرح حصة من المصفاة للاكتتاب العام، ويتوقع أن تصل تكلفة إنشاء هذه المصفاة إلى أكثر من 10 مليارات دولار، بحسب تطورها وحداثة التقنية التى ستستخدم فيها، وعليه ستشهد مدينة جازان في القريب العاجل إنشاء مصفاة لتكرير النفط على ساحل البحر الأحمر.
ومن المتوقع أن تراوح قدرة مصفاة جازان ما بين 250 و400 ألف برميل يومياً. وأما طريقة تزويد المصفاة بالنفط الخام فستكون عن طريق ينبع، إما بمد أنبوب من ينبع إلى جازان، وإما عن طريق النقل البحري من ميناء ينبع إلى ميناء جازان، وفى كل الحالات فإن تكلفة نقل النفط الخام إلى جازان يجب أن تؤخذ في الاعتبار في دراسات الجدوى وفى الاعتبارات الاستراتيجية للمصفاة، وقد يكون بعد مدينة جازان عن الأنبوب الذي يمد ينبع بالنفط من العقبات التى يجب أن تؤخذ بالحسبان.
تم تأهيل ثماني شركات وطنية للمشاركة في المشروع، وسيتم إخطار شركات النفط العالمية للمشاركة في إنشاء وتشغيل هذه المصفاة أيضا، إذ من المتوقع أن يتم إشعار عدد من شركات النفط العالمية المؤهلة وذات القدرة على تنفيذ مثل هذه المشاريع لدعوتها للمشاركة كشريك في المشروع، بحيث تقوم شركة أو أكثر من القطاع الخاص السعودي بالاشتراك مع شركة أو أكثر من الشركات النفطية العالمية بالتنافس للحصول على رخصة إنشاء وتشغيل المصفاة، وستمنح الشركة الفائزة الرخصة بعقد المشروع في نهاية عام 2007.
وتشمل الشركات التي أبدت الرغبة في بناء المصفاة: شركة بتروناس الماليزية Petronas، شركة فورموزا للبتروكيماويات التايوانيةFormosa Petrochemicals، شركة ريليانس إندستري الهندية Reliance Industries، مؤسسة أوفشور النفطية الصينية Offshore Oil Corp، وشركة بتروبراس البرازيلية Petrobras. وفي الوقت نفسه لم تبد الشركات النفطية الغربية الكبرى، مثل "شيفرون"، أي رغبة في المشاركة في هذه المصفاة.
أسعار المشتقات في المملكة مدعومة من الدولة وتعد من الأرخص في العالم، وبالتالي فمن الطبيعي أن يكون هدف هذه المصفاة التصدير الخارجي مدفوعة بنمو الطلب العالمي الهائل على المشتقات النفطية، خاصة في ظل وجود عزوف غربي عن تشييد مصاف للنفط في البلدان الغربية.
ومع هذه النهضة النفطية المزمع إقامتها في مدينة جازان يتبادر إلى الذهن عدة أسئلة، ومن أهمها:
1) طاقة المصفاة: يجب أن تحدد إما 250 وإما 400 ألف برميل، وإن كان المنطق الاقتصادي يرجح طاقة 400 ألف برميل للارتفاع الهائل في الطلب على المشتقات النفطية، الذي من شأنه أن يعد بأسعار مغرية لهذه المشتقات في المستقبل القريب.
2) أسعار الخام: هل سيباع الخام بالأسعار العالمية أم أن هنالك أسعارا تشجيعية لجذب الشركات النفطية الكبرى وإغرائها بالاستثمار في المملكة؟ على كل حال قد يكون من المناسب ألا تكون الأسعار بعيدة كثيراً عن الأسعار العالمية.
3) نوعية الخام المستعمل: هل هي من الخفيف أم من الثقيل؟ خاصة وأن بعض الآبار الجديدة مثل منيفة سوف تنتج نحو مليون برميل يومياً من النفط الثقيل، وقد لا يكون من السهل تسويقه لأن الكثير من مصافي العالم غير مؤهلة لتكرير هذه النوعية من النفط. وعليه فإن تصميم مصفاة جازان على أساس النفط الخام الثقيل، وهو عمل حكيم واستراتيجي وقد يصيب أكثر من عصفور بحجر واحد.
4) دور "أرامكو السعودية" في هذا المشروع: يوجد الكثير من التكهنات لهذا الدور، وهل سيكون لـ "أرامكو السعودية" دور في تشغيل المصفاة بحكم خبراتها الهائلة في هذا المجال وعدم وجود خبرات مماثلة لدى الآخرين في صناعة التكرير. ونفت وزارة البترول والثروة المعدنية في وقت سابق أي توجيه للوزارة لـ "أرامكو السعودية" بتنفيذ مشروع مصفاة جازان، مؤكدة أن الوزارة تعمل حسب برنامجها الذي أعلنته مسبقاً في ترخيص وإنشاء وتشغيل مشروع المصفاة، وأكد البرنامج أن الوزارة ستقوم بطرح وثائق المشروع للشركات السعودية الثماني المؤهلة بالمشاركة مع شركات نفط عالمية، والذي من المتوقع أن يكون في الربع الأخير من هذا العام.
5) المعايير والمقاييس: لا بد من إيجاد صيغة واضحة للمعايير، خاصة فيما يتعرض لأمور السلامة ومواصفات المنتجات. وتعد حالياً معايير "أرامكو السعودية" من الأفضل في العالم، وقلما نسمع عن أي حوادث مؤسفة في مصافي المملكة، بعكس بعض الدول المجاورة التي تعاني حوادث متكررة في المنشآت النفطية والتكريرية.
وأخيراً، لا شك أن هذا المشروع سيسهم في إحداث نهضة صناعية ونقلة نوعية في مدينة جازان، إذ حيث سبق بناء المصفاة إنشاء مشاريع البنى التحتية اللازمة، وكل هذا من شأنه إيجاد عشرات الآلاف من الوظائف لأهالي منطقة جازان، وأيضاً من شانه إنعاش صناعة النقل البحري والبري من المصفاة وإليها، إذ من الممكن نقل النفط الخام يومياً بحدود 400 ألف برميل، وسينقل من المصفاة ما تنتجه من المشتقات النفطية إلى مختلف أرجاء العالم.
إن إعطاء القطاع الخاص هذه الفرصة للاستثمار والمساهمة في الصناعات النفطية يجب أن يفهم على أنه مسؤولية كبيرة وليس ترفا اقتصاديا. وعلى هذا الأساس، يجب على هذا القطاع أن يجعل من أمور السلامة أولية قد تسبق أحيانا المكاسب المادية أحيانا، لأن للمصافي دورا كبيرا في تهديد البيئة وسلامة المدن المحيطة بها.
ويجب أن ندرك أن نجاح هذه التجربة مع القطاع الخاص قد يكون خطوة مهمة في الطريق السليم، إذا ما فكرت الدولة بتخصيص قطاع التكرير كما خصصت قطاع البتروكيماويات من قبل.