البنوك الغربية تعمل على تعديل منتجاتها المهيكلة لتكون متفقة مع أحكام الشريعة الإسلامية
تعمل البنوك الاستثمارية الغربية الآن على أن تجعل أكثر ما يمكن من برامج المنتجات المهيكلة لديها تتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية، في مسعى منها لاجتذاب المستثمرين الساعين للاستثمار في المنتجات الإسلامية ذات الدخل الثابت نحو قطاع يتنامى على نحو متزايد.
حيث ساهمت الآثار الجانبية والأضرار التي أحاطت بالمستثمرين بفعل أزمة القروض السكنية لضعيفي الملاءة، ساهمت في حدوث زيادة كبيرة في حجم التمويل المهيكل الإسلامي، لأن المنتجات المهيكلة وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية تقدم ملاذاً آمناً للاستثمارات.
هذه المنتجات تؤمن العوائد المرتفعة نفسها التي تؤمنها المنتجات المهيكلة التقليدية، ولكنها تَفْضُلها من حيث القدر الأعلى من الشفافية في تسيير معاملاتها، وتقل عنها في المخاطر الائتمانية، لأنها لا تتعامل إلا بالسلع الملموسة، وليس بالمنتجات التي تُشتق أسعارها من تقييمها الائتماني، مثل سندات الشركات.
حتى يتم إصدار أحد المنتجات ليكون وفق الأحكام الشرعية، فإن هذا يعني ضمان أن يكون التعامل أو الاستثمار المالي ملتزماً بالأحكام الشرعية الواردة في القرآن. ولا يحل لمستثمر أن يتداول في الاستثمارات التي تستقي أرباحها من الخمر أو الدخان. وحين ينتهي البنك من هيكلة أحد المنتجات، يقوم أحد الفقهاء بدراسة المنتج وتقرير مدى التزامه بالأحكام الشرعية، وبعد أن يتأكد من التزام المنتج بذلك فإنه يجيزه.
وقال مصدر من أحد البنوك الاستثمارية: "من الأسهل علينا تطوير أي عدد نشاء من المنتجات المهيكلة الملتزمة بالأحكام الشرعية، لأنها أكثر كفاءة وتستطيع الحصول على عدد أكبر من التعاملات".
ويعتبر بنك باركليز ودويتشه بانك وبنك HSBC من البنوك الرائدة في إدماج فروعها في المصرفية الإسلامية ضمن مجموعة استثماراتها الرئيسية. إن إدماج عمليات المصرفية الإسلامية مع العمليات الأخرى للبنوك جعل من الأيسر بالنسبة إليها أن تؤمن عدداً كبيراً من التداولات في المنتجات المهيكلة وفق الأحكام الشرعية.
وهناك زيادة قوية في مبيعات المنتجات الإسلامية المهيكلة المعروفة مثل الصكوك، التي تشبه السندات التقليدية، وعقود المرابحة، التي تتألف من تبادل سلعة ملموسة مملوكة بالفعل لجهة معينة، عادة بين بنكين مثل عقود التبادل، والعقود الثنائية من المستثمرين المسلمين وغير المسلمين. وأدى هذا إلى تحقيق رقم قياسي في التعاملات الأساسية تصل قيمتها إلى ملياري دولار (1.4 مليار يورو) و 500 مليون دولار على الترتيب.
وحيث إن تحديد التزام المنتجات بالأحكام الشرعية يجب أن يخضع لعملية من التوثيق والتحقيق المتين، فإن ذلك يعني الحصول على مستوى أعلى من الشفافية. فضلاً عن ذلك فإن جميع التداولات تتضمن الامتلاك الفعلي لسلعة معينة، مثل السكر أو القمح، ويتم إطلاع المستثمر، والجهة التي تقوم بالهيكلة، والوسطاء الماليين والوكلاء بكل تفصيل من تفاصيل العملية في جميع مراحلها.
وقال روبرت فارلي، وهو شريك لدى مكتب شركة ووكرز في دبي: "تستطيع أن ترى النمو في التمويل المهيكل الإسلامي من خلال حجم المنتجات. قبل بضع سنوات كانت صكوك الشركات العادية في حدود 100 مليون دولار، وقبل 12 شهراً كان النطاق المألوف بين 200 إلى 500 مليون دولار، ولكن لم يتفوق على هذه الأرقام إلا الصكوك الحكومية أو المرتبطة بالحكومة".
ويواصل "أما الآن فإننا نشهد برامج لصكوك الشركات تزيد قيمتها على مليار دولار. ويجتذب التمويل المهيكل الإسلامي قدراً كبيراً من الاهتمام من عالم البنوك التقليدية، وتصمد المنتجات بوضوح للتمحيص الفني شأنها في ذلك شأن برامج السندات التقليدية ذات الأجل المتوسط. والمنتج الذي من هذا القبيل هو منتج شفاف يتمتع بتوثيق جيد لا يخر منه الماء".
وقد دمج بنك باركليز دراسات وتنفيذ الصكوك ضمن برنامجه في سندات الأسواق الرأسمالية، بما في ذلك السندات متوسطة الأجل، التي تسمح بقدر أكثر انتظاماً وعائدا أعلى للمنتجات المهيكلة الإسلامية.
وقال آرول كانداسامي، رئيس قسم التمويل الإسلامي في بنك باركليز كابيتال: "نعمل على ترتيب المنتجات الملتزمة بالأحكام الشرعية، مثل الصكوك، من خلال هيكلة المنتج وفق برنامجنا التقليدي في السندات متوسطة الأجل، الذي تم إدماجه بالكامل مع قسم التمويل الإسلامي في البنك. ونحن نركز على التقارب." ويتابع "إننا نجعل معظم منتجاتنا المهيكلة التي تباع بصورة منتظمة ملتزمة بالأحكام الشرعية، على اعتبار أن هذه المنتجات يمكن إعادة إنتاجها، مثل السندات وسندات الأسهم القابلة للتحويل."
وقال دنيسون: "في أعقاب الأزمة الائتمانية في الصيف الماضي، يطالب المستثمرون الآن بقدر أكبر من الشفافية في التعاملات المهيكلة. وإن التمويل الإسلامي بطبيعته يؤمن هذه الشفافية إلى درجة كبيرة، وهذا إلى حد ما جزء من جاذبيته. وبالتالي يعلم المستثمرون بالضبط أية موجودات يمتلكونها والمخاطر التي يتخذونها".
وقال فارلي: "في النهاية لن ينظر إلى التمويل الإسلامي المهيكل على أنه أمر جديد أو منطقة متخصصة لجهة معينة، وإنما سيعتبر مكوناً منتظماً في جميع الاستراتيجيات الاستثمارية العالمية، وبطبيعة الحال فإن هذا سيكون تطوراً إيجابياً للغاية".
صحيفة فايناشيال نيوز البريطانية