على الطبيب ألا ينظر إلى جانب واحد في وصفته الطبية

على الطبيب ألا ينظر إلى جانب واحد في وصفته الطبية

أكد الشيخ الدكتور سعد بن ناصر الشثري عضو هيئة كبار العلماء وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء أن شريعة الإسلام صالحة مصلحة لأحوال الناس في كل زمان، ولا يمكن أن يقال إن هناك زماناً لا تصلح له شريعة الإسلام، جاء ذلك في محاضرة له أخيرا عن أخلاقيات الطب، وأضاف فضيلته أنه ورد العديد من النصوص الشرعية مبينة لذلك بياناً واضحاً جلياً، فأمرت الناس إلى قيام الساعة بالتمسك بهذه الشريعة"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ" (102) [آل عمران]·
وأضاف إن من علامة صلاحية هذه الشريعة أن جعل الله لكل زمان طائفة تقوم بهذه الشريعة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم "لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرة منصورة حتى يأتي أمر الله".
وأوضح أن هناك ضوابط شرعية جاءت بها الشريعة فيما يتعلق بالأخلاقيات الطبية وهذه الأخلاقيات نوعان:
الأول: أخلاقيات عامة يراعيها الإنسان في جميع أحواله، ومن أمثلة ذلك إخلاص النية لله عزَّ وجلَّ، فإن الطب فيه خدمة للناس، وخدمة الناس مأمور بها شرعاً، فمتى أخلص الإنسان النية في هذا المجال كان مأجوراً مثاباً "والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه"، فينبغي للطبيب أن ينوي بأعماله أن يحصل على أجر أخروي من عمله. ومما يتعلق بالإخلاص زيارة المريض سواء من الطبيب أو من غيره، فمن زار المريض نال أجراً عظيماً، والنصوص في فضل هذه الزيارة كثيرة·
وذكر من أخلاقيات الطب العامة الصدق يقول تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ" (119) (التوبة)· وفي الحديث "عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة"، فالطبيب عليه أن يصدق مع المريض أو مع أهل المريض أو غيرهم، كذلك الطبيب لا يتكلم بأمر إلا وهو واثق منه فلا يتعجل بالكلام في شيء إلا بعد التأكد من صحته، ولا يكون الكلام مع المريض لمجرد الظنون والاحتمالات لأن هذا قد يوهن من عزيمته، وقد جاءت الشريعة بالحث على التثبت بما يتكلم به الإنسان·
وقال: إن من الأخلاقيات العامة في الطب، الحرص على المصلحة العامة وتقديمها على المصلحة الخاصة، فلا يهمل الطبيب وهو يعالج مريضه المصلحة العامة للمسلمين كأن يكون مرض الشخص معدياً فيسكت الطبيب ولا يبلغ عنه فتحدث العدوى لغيره؛ فهذا من أنواع الخيانة والغش للمسلمين·
ومن الأخلاقيات العامة في الطب عدم الإخبار بالعيوب التي قد تكون عند المريض، فبعض المرضى قد يرد عليه مصابا بمرض بسبب الممارسات غير المرغوب فيها أو المحرمة، فتكلم الطبيب بذلك فيرتكب محرماً؛ لأن هذا من الغيبة والله عزَّ وجلَّ يقول: " وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا" (12) [الحجرات]· فعلى الطبيب ألا يتكلم بمعايب مرضاه، خاصة أن الطبيب يتاح له أن يطلع على خفايا المريض إلا إذا كان في إفشاء سر المريض مصلحة خاصة له أو مصلحة عامة·

أخلاقيات طبية خاصة
وتطرق فضيلته إلى النوع الثاني وهو الأخلاقيات الخاصة بالطبيب، وقال إن من هذه الأخلاقيات ألا يمارس الطب إلا من كان أهلاً له ومتخصصاً فيه ومخولاً بذلك، ومن هنا نقول بخطأ أولئك الذين يعالجون الناس بالعلاجات الشعبية التي لم تعرف إلا بالتجربة، ولم يتأكد الناس من نفعها وصلاحية ممارستها· فقد يترتب على تعاطي المريض مثل هذه الوصفات هلاكه أو زيادة مرضه أو تأخر شفائه· وهكذا أيضاً فيما يتعلق بالطبيب نفسه فلا يصف وصفة ولا يتحدث إلا بما يتقنه، ومن هنا نعلم خطأ الأطباء الذين يتكلمون في غير تخصصاتهم ويصفون علاجات لم تدخل في تخصصهم· ولهذا فالشريعة ترغب في استمرار تعلم العلوم الطبية والاطلاع على الجديد فيها ففي كل وقت تستجد أمور في هذا المجال ينبغي على الطبيب متابعتها والتعلم منها·
ومن الأخلاقيات الطبية الخاصة عدم دخول الإنسان في إجراءات طبية وهو لم يوقن أن هذه الإجراءات ستكون ناجحة؛ فالشريعة لا توافق على الاعتماد على الشك والاحتمالات المتساوية، خصوصاً فيما يتعلق بجراحة الأبدان أو استخدام الأدوية·
ومما يتعلق بهذا رعاية جانبي المصلحة والمفسدة، فإن كل إجراء طبي لا بد فيه من وجود هذين الجانبين، فإنه ينفع من جهة ويضر من جهة أخرى؛ فالطبيب لا يكون مثل الأعور ينظر إلى جانب واحد في وصفته الطبية ولا بد أن يعرف نفع وضرر هذا العلاج قبل أن يصفه؛ حتى لا يلحق الضرر بالمريض فيعالج جانباً ويفسد جانباً آخر· وهذا يدخل في باب إلحاق الأذى بالآخرين وهو ما حذرت منه الشريعة "وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا" (58) }الأحزاب{.

3 أوجه
ومن الأخلاقيات الطبية الخاصة الحرص على براءة الذمة وعدم أخذ شيء من المال الحرام من المريض؛ كأن يصف الطبيب للمريض عمل أشعة وهو لا يحتاج إليها أو إجراء تحليل لا يحتاج إليه، ويكون هدف الطبيب هو إدخال مزيد من المال إلى جيبه أو إلى الجهة التي يعمل فيها؛ وهذا من المحرمات من ثلاثة أوجه: أولاً لأنه أكل للمال بغير حق وهو من كبائر الذنوب، وثانياً: أن مثل هذه الإجراءات تؤِّثر في المريض سلباً، فقد يؤثِّر إجراء الأشعة سلباً على المريض وقد تؤثِّر فيه كثرة الأدوية التي يكتبها الطبيب له تأثيراً سيئاً، وهذا من أنواع الأذية والاعتداء على الأبدان·
وثالثاً: إن ممارسة الطبيب مثل هذه الأمور وتكليف المريض بإجراءات لا يحتاج إليها هو خيانة للأمانة فالطبيب مؤتمن وقد جاءه المريض وهو يأتمنه على بدنه، فعندما يطالبه الطبيب بإجراء لا يحتاج إليه أو يصف له دواء لا يحتاج إليه يكون الطبيب قد خان الأمانة وخان مريضه، والخيانة من صفات أهل النفاق، جاء في الحديث قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ينصب لكل غادر لواء يوم القيامة".
ومن الأخلاقيات الطبية التي يجب على الأطباء أن يلتزموا بها، بذل الأوقات في عملهم المكلفين به، بحيث يؤدي الأمانة التي أئتمن عليها فلا يجعل أمراً من الأمور يشغله عن عمله ولا يشتغل بأحاديث جانبية تشغله عن المرضى ولا يتحدث مع المرضى بأحاديث لا علاقة لها بما قدموا إليه.
ومما يتعلق بهذا أيضاً حفظ الملفات الطبية بحيث لا تكون عرضة لأي أحد يطلع عليها، وأيضاً لا يكتب في هذه الملفات إلا ما فيه نفع وفق الأنظمة المقررة في ذلك·

الأكثر قراءة