شركات التأمين والمستفيد.. من يبحث عن الآخر؟

[email protected]

نظرا لعدم نضوج سوق التأمين الصحي وحداثة ما يتعلق بمنتجاته وخدماته كافة في مجتمعنا فإن الأمل المعقود في نشر ثقافته وجعل 24 مليون نسمة تغطى بملاءة التأمين الصحي سيكون ضعيفا إذا ما استمر وضع التسويق على هذه الحالة. لقد ظهر أن شركات التأمين تبحث عن القادر على تحقيق عوائدها التي خططت لها وبربح مضمون فهو إما القادر على الدفع وإما صاحب قائمة طويلة من المنسوبين إليه أو إلى مؤسسته أو شركته. على النقيض يبحث المستفيد عن من يلبي احتياجاته أو ما يعود عليه بالفائدة وبأقل التكاليف, فكيف إذن يتم التوفيق بين الطرفين لتحقيق أهدافهما معا؟ لتحليل الموقف فالفرد عموما يود أن يؤمن على نفسه أو صحته أو ممتلكاته أو أعماله ومنتجاته, ولكنه يفتقد المعلومات البسيطة والكاملة التي تساعده على الاختيار, وما يزيد الطين بلة أن أهمية حيازة أو إرشادات اختيار "بوليصة تأمين" لا تتوافر للعامة بسهولة مع أهميتها. على وجه العموم كل المنتجات التأمينية تقريبا متشابهة من قبل كل شركات التأمين وقد تتحد في الخصائص تقريبا إلا المتخصصة منها في مجالات أو صناعات معينة لا تقدم لغيرها أي تغطية, ولذلك نجد من الصعوبة بمكان أن نختار بين أفضلها. من ناحية أخرى قد تغيب وسائل الإقناع على الرغم من تعددها بل وتجددها ولكن لا يسوق لمنتجه إلا الشركات ذات العمق والبعد والحس التجاري. هذا يجعل فقط الأفراد الذين يتمتعون بخلفية أو بحس اقتصادي وتجاري هم القادرون على تخير أفضل الشركات حيث يهتمون ببعض العوامل مثل مستوى دخل الشركة, وعدد المؤمنين بها, ونسبة نمو الشركة في آخر عشر سنوات مثلا أو حتى عقدين من الزمان, وهل لديها القابلية على التعايش مع كل الظروف للإبقاء على "زبائنها" والعمل على زيادة أعدادهم بخطة مستقبلية متكاملة؟... إلخ. في الشأن الصحي بعض الشركات تبني أول علاقة لها مع المستفيد عن طريق زيارة مكاتب المرموقين والمسؤولين فيحاولون تحسين صورهم وتبيان جودة منتجاتهم متطرقين لتفاصيل سواء على مستوى المرافق الصحية وانتشارها أو شمول بعض الفحوص الخاصة في البوليصة أو آلية تعاملهم وخدماتهم على مدار اليوم .. إلخ. في الواقع بعض الأفراد يهتم بالتفاصيل من دون أن تكون له خلفية عن مكاسبه الحقيقية في هذه البوليصة وبالتالي يكون لقمة سائغة للشركات ومن هنا يبدأ دق أبواب المحامين والمحاكم. البعض الآخر من الشركات لا يفضل العمل مع الأفراد لصغر حجم العينة ومحدودية السوق والعوائد وبالتالي فهي تستهدف الشركات والمؤسسات الكبيرة ليبقى المواطن أو المقيم ملاما على قلة الخبرة وعدم المبادرة.. إلخ. في الحقيقة لا الشركة استخدمت وسائل التسويق وتنشيط استثماراتها ولا الفرد حاول أن يعيد حساباته ليقرر الأفضل له صحيا وماليا, ومن هنا ظهر تكاسل الطرفين عن التقارب لتحقيق أهدافهما.
لذلك لابد من استحداث آلية لنشر ثقافة التأمين على الصحة على المدى البعيد ونزول الشركات لمستوى الأفراد بالمبادرة بمساهمات أكبر خصوصا أن معظم القوى العاملة منتمون للقطاع العام, كما أن الدراسات تؤكد أن أكبر نسبة من الناس من يريد أو ينتظر أن تأتي له شركة التأمين لا أن يختارها بالذهاب إليها لاعتبارات عدة أهمها رغبتهم في التأكد من جدية الشركة لتقديم الخدمة مقابل أجر مناسب ومن ناحية أخرى لخبرته القاصرة حيث إنه يعد ذهابه إليهم يعني إجابته على ما يريد أن يسأل عنه لا أن يعرضوا كل ما يقدمونه فعلا. هنا يمكن توجيه الفرد إلى كيفية تعلم استخدام مفاتيح اختيار أفضل الشركات بسؤال نفسه سبعة أسئلة رئيسة مثل: (1) هل تسعى الشركة الى تقديم خدمة واستشارة طبية متخصصة؟, (2) ما مجموعة الخدمات الصحية التي يمكن أن تقدم في كل فئة ومقدار تكلفتها؟, (3) هل يقدمون ويشرحون آراء مختلفة وينتقون أفضل الاستشارات للمؤمنين معهم؟ (4) هل يقدمون الخدمة على مستوى المملكة أو يغطون أكبر عدد ممكن من المدن والقرى؟, (5) هل مستوى التجاوب مع استفساراتك كتابة أو هاتفيا أو شفهيا ملتزم به إلى أبعد الحدود؟ كيف تتعامل الشركة مع أي شكوى من المؤمنين معها؟ وإلى أي حد يمكن أن تحرص على عملائها؟, (6) هل تصل الوثيقة إلى درجة لا يمكن منافسة آخرين لها فيها؟, (7) كيف تقدر مستوى التعويضات التي يمكن أن تدفعها الشركة لقاء أخطاء الممارسة أو غيرها؟. أما للشركات فلأن الأكشاك وطاولات العرض في الأسواق وإعلانات التلفزيون باتت غير لافتة للاهتمام, قد اقترح زيادة اهتمام الشركات بشريحة طلاب الثانوية العامة مثلا وتسويق الاهتمام بالتأمين عبر دعم أو رعاية مسابقة رياضية محلية في بعض الرياضات الفردية أو الجماعية, أو تغطية رحلات علمية لهم, أو إقامة مسابقات ثقافية في المدن الساحلية... وهكذا. ثم يمكن استخدام الروبوت الآلي كفكرة لإدخاله مجتمعنا - وهو أصلا يجتذب الناس حوله من كل مكان- فيتم استغلاله في تسليط أنظار الناس على قدراته وخلال ذلك تعرض أو تسوق رسالة شركة التأمين عبر أسئلة وأجوبة وغيرها من الوسائل لإيصال المعلومة. الأفكار لا حصر لها ولكن لا بد أن أهمس في "آذان" شركات التأمين بالقول: لقد أصبح الناس شديدي الحساسية لما يشاهدون ويسمعون وسوف يشعرون بمدى المصداقية والجدية وبالتالي يمكن زيادة حجم الإقبال إذا ما حسّنا وسائل الاتصال, والله المستعان.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي