القمة الخليجية المقبلة تناقش تأثيرات العمالة الأجنبية على اقتصادات المنطقة

القمة الخليجية المقبلة تناقش تأثيرات العمالة الأجنبية على اقتصادات المنطقة

في الوقت الذي أكدت فيه مصادر الأمانة العامة لدول مجلس التعاون الخليجي أن موضوع العمالة الوافدة في دول المجلس وتزايد نسبتها من مجموع العمالة الإجمالية وتأثيرات ذلك في معدلات البطالة سيكون أحد الموضوعات الرئيسية على جدول أعمال القمة الخليجية المزمع عقدها في الدوحة مطلع الشهر المقبل، اتفقت عدة تقارير اقتصادية دولية صادرة حديثا على أن تركيبة السكان في دول مجلس التعاون الخليجي تمثل تحديا خطيرا أمام القدرة الاستيعابية للاقتصادات الخليجية، مما يرفع من معدلات البطالة في هذه الدول.
وقدرت إحصائيات أوردتها مؤسسة "ستاندرد آند بور" الائتمانية أن معدلات البطالة في دول مجلس التعاون الخليجي تراوح بين 13 في المائة إلى 18 في المائة. وأشار تقرير أصدره معهد الشرق الأوسط للبحوث والإعلام أن ما نسبته 37 في المائة من السكان في هذه الدول تقل أعمارهم عن 15 سنة و58 في المائة تقل أعمارهم عن 25 سنة في حين تزداد قوة العمل 3 في المائة سنويا. لذلك فإن التحدي الأكبر الذي يواجه صانعي القرارات في المنطقة هو ارتفاع معدل البطالة الذي قدر بنحو 25.6 في المائة عام 2005، وهو الأعلى في العالم، كما أنه يزيد بمعدل الضعف عما كان عليه قبل عشرة أعوام حيث كان يبلغ 13 في المائة فقط.
وكان مجلس وزراء العمل والشؤون الاجتماعية في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية قد اختتموا اجتماعات الدورة الـ 24 في الرياض نهاية الأسبوع الماضي، حيث أكد معالي عبد الرحمن بن حمد العطية الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية في كلمة له في الاجتماع أن موضوع العمالة الوافدة في دول المجلس وتزايد نسبتها من مجموع العمالة الإجمالية يحظى باهتمام أصحاب الجلالة والسمو قادة دول المجلس من خلال قرارات المجلس الأعلى في دوراته المتعاقبة، الأمر الذي يحتاج إلى سن القوانين والنظم ووضع الاستراتيجيـات اللازمة للحد منهـا، في زمن تـم فيه اكتمال التجهيزات الأساسية في دول المجلس، ونمو القطاع الخاص وزيادة مشاركته في برامج التنمية، والنمو المتزايد في مخرجات التعليم من الأيدي العاملة المواطنة المؤهلة والمدربة.
وقال معالي عبد الرحمن العطية لقد أكد المجلس الأعلى في دورته الـ 27 في الرياض في كانون الأول (ديسمبر) 2006م، على تبني ما ورد في ورقة دولة الكويت من توجهات شاملة في جميع المجالات، ومن ضمنها مجالا دراسة تفشي ظاهرة البطالة وحفظ حقوق العمالة المواطنة، وأن الأمانة العامة قامت بعقد عدة اجتماعات للجهات المختصة من وزارات العمل ووزارات الخدمة المدنية في الدول الأعضاء لدراسة هذين المجالين، توصلت من خلالها إلى مجموعة من الآليات والبرامج، وسيتم تضمينها في التقرير الشامل الذي سيرفع إلى المجلس الأعلى في دورته الـ 28 في الدوحة في كانون الأول (ديسمبر) 2007م.
وتشهد دول المنطقة أعلى معدلات البطالة حيث يراوح متوسطها حول 15 في المائة. كما يقدر مجلس الوحدة الاقتصادية للجامعة العربية نسبة البطالة في الدول العربية بنحو 20 في المائة. ويعد هذا الرقم محيرا لأن هناك نحو عشرة ملايين عامل أجنبي يعملون في الدول المصدرة للنفط وتبلغ قيمة تحويلاتهم السنوية 22 مليار دولار. كما تبلغ نسبة العمالة إلى عدد السكان 45.5 في المائة وهي من النسب الأقل في العالم وارتفعت خلال العقد الماضي إلى 46.4 في المائة. بينما يبلغ المعدل العالمي 62.5 في المائة. ويبلغ هذا المعدل في جنوب آسيا 57 في المائة. وتعكس زيادة النسبة في دول الشرق الأوسط مشاركة المرأة التي ارتفعت نسبتها من 20.4 في المائة عام 1995 إلى 23.5 في المائة عام 2003، على الرغم من أن هذه النسبة لا تزال الأقل في العالم.
وتراوح نسبة العمالة الأجنبية في بعض دول الخليج بين 60 في المائة إلى 80 في المائة من إجمالي قوة العمل، حيث يصل عددها إلى نحو 12 إلى 14 مليون عامل. علاوة على ذلك، يلاحظ التزايد الحاد في حجم التحويلات المالية للعمالة الأجنبية التي تخرج من دول المجلس سنويا حيث قفزت خلال الأعوام 1999 و2005 من 15.3 مليار دولار إلى نحو 40 مليار دولار وفقا للإحصائيات الرسمية. إلا أن هذا الرقم سيرتفع يشكل أكبر إذا ما أخذ في الاعتبار التحويلات التي تتم مباشرة دون أن تمر بأي من القنوات الرسمية، مما يشكل استنزافا دائما لموارد التنمية في دول المجلس.
وتتفق مصادر الأمانة العامة للمجلس مع ما يذهب إليه المحللون الاقتصاديون بشأن التأثيرات البالغة الأهمية لاتجاهات العولمة على أوضاع العمالة في دول مجلس التعاون الخليجي. فالعولمة قادمة بشكل يفرض على الدول الخليجية التجاوب بشكل أو بآخر مع تشريعات العمل الدولية الجديدة القاضية بمنح العمالة الأجنبية المزيد من الحقوق وخاصة مساواتها مع العمالة الوطنية في الحقوق والامتيازات، كذلك منح التجمعات السكنية العمالية الأجنبية حقوقها الثقافية والاجتماعية والتعليمية، وهو ما دفع وزير العمل البحريني الدكتور مجيد العلوي إلى التحذير من تسونامي جديد يهدد دول المجلس، حيث لن نستبعد مشاركة العمالة الأجنبية في الحقوق السياسية والانتخابات البرلمانية في الدول الخليجية.
ويشدد هؤلاء المحللون على أن أهم التحديات العمالية التي تواجه المنطقة تتلخص في عدة نقاط أهمها: تنقل العمالة غير المنظمة وغير المراقبة سواء الخليجية أو غيرها ووجود مخرجات تعليم لا تتطابق مع متطلبات سوق العمل ووجود قوانين عمل بعيدة عن المتطلبات الواقعية لسوق العمل وإيجاد وظائف استثمارية لا تتوافر لها الموارد البشرية الخليجية وكل هذه الأمور يجب تفاديها بسرعة ولا يمكن استمرار الوضع على ما هو عليه، فهناك قرارات خليجية وكل الدول لديها حاليا نظام معلومات ولكنها غير متكاملة. إن مخرجات نظم الدول الخليجية هي بمثابة مدخلات للنظام الموحد. لذلك لا يمكن بأي شكل أن يقوم النظام الموحد إذا لم تتكامل النظم في هذه الدول، مما يساعد على وضع الخطط والمرئيات التي تتعامل مع مشكلات أسواق العمل بصورة منهجية وعلمية تقوم أساسا على توحيد أسواق العمل الخليجية وتكاملها وفتحها بالكامل أمام مواطني دول المجلس الراغبين في العمل في أي من هذه الدول.
كما دعا هؤلاء المحللون إلى إعادة هيكلة سوق العمل في دول المنطقة عن طريق التعامل مع ثلاثة تحديات أساسية وهي السبل المختلفة لإعادة هيكلة سوق العمل (جانب الطلب ويشمل معدل الاستثمار والنمو الاقتصادي والوظائف المجزية وجانب العرض، ويشمل سياسات التعليم والتدريب وجلب الأيدي العاملة الأجنبية وتشغيل المرأة وعزوف الشباب عن بعض الوظائف) وثانيا دور القطاع الخاص في توظيف الأيدي العاملة المحلية وثالثا دور التدريب في إيجاد عمالة ماهرة وموائمة لإعادة هيكلة سوق العمل.
المحللون الاقتصاديون من جهة يرون في مشكلة العمالة الأجنبية والبطالة في صفوف العمالة الوطنية مشكلة لها جذورها الاقتصادية، حيث يقول الخبير الاقتصادي والأمين العام لمركز البحرين للدراسات والبحوث الدكتور عبد الله الصادق في دراسة (السياسة الاجتماعية بمنظور اقتصادي بحرينيا وخليجيا) إن ما حققته اقتصادات دول المجلس انعكس على تطور وتقدم مؤشرات التنمية البشرية والاقتصادية، إلا أن عناصر نجاح هذا النموذج استنفدت بالفعل، وهذا ما أكدته الدراسات الماكرو - اقتصادية التي أجريت أخيرا وأوضحت أن نمط النمو في هذه الدول ارتبط بشكل أساسي بنمو العمل الذي اعتمد بدوره على تدفق العمالة الأجنبية – وأغلبها من العمالة غير الماهرة، حيث شهد العقدان والنصف الماضيان زيادة في العمالة الأجنبية في أسواق العمل في دول الخليج بمعدلات مرتفعة. لذلك فإن نسبة العمالة الأجنبية في سوق العمل الخليجي قد وصلت إلى حدها الأقصى، لذلك لم يكن غريبا أن شهدت اقتصادات دول الخليج خلال العقد والنصف الماضيين ظهور مشكلات البطالة وتذبذب معدلات النمو وتراجع الاستثمار وضعف الإنتاجية الكلية، وفوق ذلك أدى العجز عن الإدارة الصحيحة لسوق العمل إلى أن تتحول العمالة الأجنبية إلى أداة إغراق اجتماعي ارتبط بها الكثير من المشكلات كتشجيع القطاعات كثيفة العمالة ذات الأجور المنخفضة والإنتاجية المتدنية.
ودعا الخبير الاقتصادي في دراسته لاعتماد سياسات لتطوير الجوانب الاجتماعية المتصلة بنماذج التنمية الاقتصادية في دول المجلس وهي وضع استراتيجية واضحة للتنمية الاجتماعية وتبني سياسات الماكرو اقتصادية (معدل نمو اقتصادي مستديم ومعدل بطالة منخفض واستقرار الأسعار) وإعادة هيكلة سوق العمل وتعزيز البنية المؤسسية للأنشطة الاقتصادية غير المنظمة ومكافحة الفقر.

الأكثر قراءة