منتدى رياض سنغافورة الاقتصادي
استعرض لي كوان رئيس وزراء سنغافورة الأسبق الوزير المرشد يوم الثلاثاء الماضي, قراءة دقيقة للقضايا التي ناقشها منتدى الرياض الاقتصادي في دورته الثالثة التي عقدت تحت رعاية كريمة من مقام خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز في شهر ذي القعدة الماضي.
تناول الاستعراض الموضوعات التي طرحها المنتدى والاسترشاد بخبرات لي كوان يو وتجربته في كيفية تفعيل الاستفادة مما طرحه المنتدى من دراسات وما قدمه من توصيات. من أهم هذه الموضوعات تطوير الفوائض المالية وأساليب توظيفها، وتنمية الموارد البشرية، وتكامل البنية التحتية البيئة العدلية، ومتطلبات التنمية الاقتصادية، ورفع كفاءة أداء الخدمات في الأجهزة الحكومية.
اندرج استعراض جميع هذه المواضيع ضمن مظلة تجربة لي كوان في النهوض بالاقتصاد السنغافوري طيلة العقود الثلاثة الماضية.
من أهم الموضوعات التي تمحور عنها الاستعراض أهمية تكامل البنية التحتية، ودور منطقة الصناعات التقنية في هذا الجانب. وتكمن أهمية هذا الموضوع كونه احتل حجما ليس بالقيل من محاور المنتدى خلال دوراته السابقة، والمقبلة نهاية العام الميلادي المقبل.
منطقة الصناعات التقنية هي تمركز مجموعة من الشركات والمؤسسات والهيئات في موقع جغرافي لتكوين شبكة من العلاقات الصناعية التقنية المتنوعة الهادفة إلى إنتاج مجموعة من الصناعات التقنية المترابطة يمكن للاقتصاد الوطني من خلالها تحقيق ميزة تنافسية.
تحظى خريطة العالم الاقتصادية بعدد ليس بالقليل من مناطق الصناعات التقنية الناجحة كصناعة البرمجيات في مدينة بانجالور الهندية، وصناعة تقنية المعلومات في مدينة نوكيا الفنلندية.
يمر اقتصاد الدولة المالكة لمنطقة الصناعات التقنية لتحقيق الميزة التنافسية, بأربع مراحل أساسية. تعكس كل مرحلة المصادر التي تستمد منها منطقة الصناعات التقنية ميزتها التنافسية، والدور الذي يؤديه القطاعان العام والخاص في عملية البناء الاستراتيجي في كل مرحلة. المرحلة الأولى تعرف بمرحلة عوامل الإنتاج.
تسود الدولة مناطق صناعات تقنية ناجحة وقادرة على المنافسة العالمية بسبب توافر عوامل الإنتاج الأساسية، كالمعرفة والموارد الطبيعية. هذه العوامل تحدد نوع الصناعات التقنية التي يمكن أن ينافس الاقتصاد بها على المستوى العالمي. المنافسة في هذه المرحلة تعتمد على المنافسة السعرية واستخدام مستويات متوسطة من التقنية المستقدمة في الغالب من دول متقدمة.
تواجه منطقة الصناعات التقنية في هذه المرحلة تحدي الاحتفاظ بالميزة التنافسية، وذلك لأن الاقتصاد يكون شديد الحساسية لتقلبات الاقتصاد العالمي وأسعار الصرف الأجنبي. ورغم قدرة الاقتصاد على زيادة التدفقات النقدية، إلا أنه يمثل أساسا ضعيفا للغاية لتحقيق التنمية المستدامة.
تعرف المرحلة الثانية بمرحلة الاستثمار. يتجه الاقتصاد نحو الاعتماد على الاستثمار في مجالات تشييد البنية التحتية والعمليات الإنتاجية وحقوق تصنيع المنتجات الأجنبية. كما يتم تطوير عوامل الإنتاج، وإنشاء المزيد من البنية الأساسية المتطورة، وتنمية الموارد البشرية، وفتح عدد من الأسواق العالمية.
وتقوم المنافسة المحلية على أساس خفض التكاليف، ورفع جودة المنتجات، واستحداث منتجات جديدة. تعد أنجح الصناعات التقنية في هذه المرحلة تلك التي تتمتع بارتفاع الطلب المحلي عليها. يتركز دور القطاع العام في هذه المرحلة على التدخل المباشر من خلال التوزيع الأمثل للرساميل، وحماية الصناعة المحلية، ودعم الصادرات، ومساعدة الشركات في الحصول على التقنية اللازمة.
تعرف المرحلة الثالثة بمرحلة الابتكار. حيث تنتقل مكونات منطقة الصناعات التقنية من مرحلة نقل وتطوير التقنية إلى مرحلة إنشاء وابتكار تقنية جديدة. تتميز هذه المرحلة بتطور الخدمات الدولية كانعكاس لتطور الميزة التنافسية للمنطقة التقنية. ففي مرحلتي عوامل الإنتاج والاستثمار، يقتصر تقديم الخدمات على تلك التي تعتمد على تكلفة العمالة، مثل الشحن وبعض خدمات البناء والتشييد.
بينما في هذه المرحلة، تقوم الشركات بتقديم خدمات أكثر تعقيداَ، مثل التسويق واختبارات الجودة. في هذه المرحلة أيضا تكتسب منطقة الصناعات التقنية المرونة التي تمكنها من الانفتاح على العالم الخارجي، وتكوين مناطق صناعات تقنية في دول أخرى، ومواجهة تقلبات الاقتصاد العالمي. يقتصر دور القطاع العام على التركيز على الأساليب غير المباشرة لتوجيه الاقتصاد، مثل تحفيز عملية إيجاد عناصر إنتاج متطورة، وتشجيع إقامة شركات أعمال جديدة.
تعرف المرحلة الرابعة بمرحلة الثروة. حيث يعتمد الاقتصاد على الثروة التي تم تحقيقها في المراحل السابقة وإعادة توزيع الدخل بدلا من توليده. تمثل المراحل الثلاث الأولى تطورا في الميزة التنافسية وتكون مصحوبة بارتفاع متزايد في مستوى الرفاهية الاقتصادية، بينما تمثل المرحلة الأخيرة نوعاَ من التدهور في الميزة التنافسية.
وذلك لأن الاقتصاد يركز اهتمامه على الحفاظ على الوضع الحالي بدلاَ من تطويره، وبالتالي ينخفض تشجيع الاستثمار وتزداد قدرة شركات المنطقة التقنية الكبيرة على التأثير في سياسات الاقتصاد العامة لصالحها.
يعد شيوع عمليات الاندماج بين شركات منطقة الصناعات التقنية من أهم علامات دخول الاقتصاد في هذه المرحلة، فالشركات التي تحقق فائضا نقديا يزيد على حاجتها تسعى للنمو، ولكن دون المغامرة في الدخول في أعمال جديدة. كما تسعى الشركات أيضا إلى تقليل حدة المنافسة ودعم الاستقرار في الأسواق العالمية.