رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


نووي على "النيل"... والمستهلك على "بردى"!

[email protected]

تبين في مقال الأسبوع الماضي أن المنطقة مقبلة على أزمة حادة في إمدادات الكهرباء، و إذا لم يتم اتخاذ خطوات جادة لتلافي هذه الأزمة فإنها قد تتحول إلى كارثة اقتصادية واجتماعية. وبما أن نمو مصادر الطاقة المتجددة سيكون بسيطا للغاية ولن يغطي الفجوة بين الطلب والعرض، فإن الحل الوحيد في هذه الحالة هو بناء مفاعلات نووية لتوليد الكهرباء بكميات كبيرة و تكاليف بسيطة. إن استخدام الطاقة النووية لن يؤدي فقط إلى حل أزمة الكهرباء و تلافي ما قد ينتج عنها من آثار اقتصادية و اجتماعية سيئة، ولكنه يسهم أيضاً في تخفيض مستويات التلوث التي أصبحت مصدرا لكثير من الأمراض في المنطقة، وأسهمت بشكل كبير في رفع تكاليف الرعاية الصحية.

فكرة للنقاش
يرى البعض أنه من الصعب أن توافق الولايات المتحدة والدول الأوروبية على إنشاء مفاعلات نووية في عدد من الدول العربية، ويذهب البعض إلى استحالة ذلك. إلا أن هناك اتجاهات جديدة توحي بأن هناك فرصاً ضخمة لتطوير الطاقة النووية التي تسهم في رفاهية الدول العربية والغربية في الوقت نفسه. هذه الاتجاهات الجديدة تشمل تبني مصر للخيار النووي الذي أعلنت عنه في نهاية العام الماضي، وتَقبُّل العالم مبدئياً لذلك، والاستمرار في مشاريع الربط الكهربائي بين دول المنطقة، وتأثر اقتصادات الدول الغربية سلبياً بسبب انخفاض صادرات النفط و الغاز من دول الخليج الناتج عن تزايد الاستهلاك المحلي للطاقة، وتخوف الدول الغربية من زيادة القلاقل السياسية في المنطقة بسبب العجز في الكهرباء.
هناك العديد من الظروف السياسية والاقتصادية والفنية التي تمنع بعض الدول العربية مثل سورية من بناء مفاعلات نووية لتوليد الكهرباء، ولكن نفس هذه الظروف تمكن دولا عربية أخرى مثل مصر من بناء هذه المفاعلات (من هنا جاء عنوان المقال). فمن الممكن مثلا أن يؤدي التعاون العربي بشكل عام، وبين مصر ودول الخليج بشكل خاص، إلى بناء مفاعلات نووية في مصر تقوم بتوليد الكهرباء وتوزيعها من خلال مشاريع الربط الكهربائي على بقية دول المنطقة، خاصة الدول التي تم الانتهاء من مشاريع الربط الكهربائي معها مثل سورية والأردن. هذا المشروع النووي يحظى بدعم سياسي لأن الدول الغربية تنظر إلى مصر على أنها تختلف عن سورية أو السعودية مثلاً، ويحظى بدعم اقتصادي لأن هذا التعاون مبني على مصالح الدول المشتركة فيه لأنه يوفر لها الكهرباء الذي يضمن لها النمو الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي من جهة، ويضمن لها عائدا مجزيا على استثماراتها من جهة أخرى. أما بالنسبة للدول المصدر للنفط والغاز فإنها تستطيع الاستمرار بتصدير كميات كافية من هاتين المادتين بحيث تضمن استمرار عوائد صادراتهما، في الوقت الذي تنخفض فيها معدلات التلوث مقارنة بخيارات الطاقة الأخرى.
لاشك أن كل الدول العربية تطمح لأن تكون لديها طاقة نووية، خاصة دول الخليج. ولكن بعض هذه الدول الخليجية أدرك أن مجرد إجراء دراسات حول الموضوع سيفتح جبهة صراع جديدة مع أعداء العرب و المسلمين في الولايات المتحدة لا داعي لها، لذلك يبدو أنها قررت أن تترك الأمر لدول عربية أخرى. أما الدول الخليجية الأخرى، خاصة التي تحلم بتحطيم كل الأرقام القياسية في كتاب جينيس، فإن هناك معوقات فنية تمنعها من بناء مفاعلات نووية أهمها عدم توافر مياه كافية للمفاعلات و عدم توافر كودار وطنية متخصصة للعمل في هذه المفاعلات. هذه المشكلات لا توجد في مصر لأن النيل الواغل في "القدم" سيبرّد مفاعلات "المستقبل"، في الوقت الذي ستقوم فيه الخبرات والعمالة المصرية، بالتعاون مع الخبرات العربية، في تشغيل هذه المفاعلات. لذلك فإن الخيار الأمثل لدول الخليج وبقية الدول العربية هو تمويل المشروع النووي المصري، وإنهاء مشروع الربط الكهربائي مع مصر، و الحصول على الكهرباء منه.

ملاحظات أخيرة
1 ـ لاشك أن كارثة مفاعل تشيرنوبل ما زالت عالقة في أذهان الكثير منا، ولكن علينا أن نتذكر أسبابها التي لا علاقة لها بالتكنولوجيا نفسها، ونتذكر أن دولاَ أخرى مثل فرنسا وألمانيا تستخدم الطاقة النووية على نطاق أوسع بدون أي مشاكل تذكر. وعلينا أن نتذكر أيضاً أن تكنولوجيا الطاقة النووية قد تحسنت بشكل كبير خلال العقود الثلاثة الماضية وأن احتمال الاستخدام المزدوج (السلمي والحربي) انخفض بشكل كبير في السنوات الأخيرة. وإذا كان البعض يتخوف من ضرب إسرائيل للمفاعلات، فإن كل ما على الحكومة المصرية عمله هو بناء المفاعلات بالقرب من الحدود مع الكيان الإسرائيلي.
2 ـ لو نظرنا إلى المشاريع المشتركة بين الدول العربية لوجدنا أن أكثرها نجاحاً هي المشاريع التي تستهدف خدمة المستهلك العربي مثل مشروع شبكة الغاز العربية ومشروع قمر "عربسات"، وأكثرها فشلاً هي مشاريع التعاون التي كان هدفها المستهلك الأجنبي. والمشروع المذكور أعلاه هدفه توفير الكهرباء للمواطن العربي عن طريق بناء مفاعلات نووية في مصر وإنجاز مشاريع الربط الكهربائي بين الدول العربية. بعد إنجاز المشروع لن تجرؤ أي حكومة أو فئة على تخريبه لأن من سيقوم بالتخريب سيخسر الدعم الشعبي العربي.
3 ـ لم يفكر أي أحد منا عندما يشعل الضوء أو يضغط على الزر لتشغيل المكيف من أين تأتي الكهرباء، ومن أي شركة، وعن جنسية المديرين والعاملين في هذه الشركات، ولا نفكر في مصدر الكهرباء سواء تم توليدها من المشتقات النفطية أو النفط الخام أو الغاز الطبيعي أو حتى روث الحيوانات. كل ما يهمنا هو أن يكون هناك ضوء و أن يشتغل المكيف.
4 ـ خلاصة الأمر، أعطني "كهرب" حتى لو من المريخ. نحن نحصل عليها الآن من "فضلات الشيطان" حسب وصف ألفونسو بيريز للنفط، وألفونسو هو الأب الروحي لمنظمة "أوبك"، ووزير النفط الفنزويلي في الخمسينيات وبداية الستينيات في فنزويلا. أليست الكهرباء "أحلى" لو جاءت من الذرّة؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي